ثورة 14 إكتوبر والعريس اللص
بقلم/ عبدالقوي الشامي
نشر منذ: 12 سنة و شهرين و 14 يوماً
الأحد 14 أكتوبر-تشرين الأول 2012 05:47 م

حتى الأمس غير البعيد كنا نحتفل بثورة إكتوبر كعيد وطني لأنه كان لنا وطن, أما اليوم فنحييها كذكرى فقط ليس لأنه لم يعد لنا وطن وحسب, بل لأن الإحتفال والمعاودة يحتاجان الى(فَنَق)على حد تعبير جدتي نظيرة فثورة 14 أكتوبر التي نحيي ذكراها الـ 49 هذه الإيام, لم يعد من مجدها سوى محطات في سفر التاريخ, بعد إن تكالب عليها السراق, وفي ليلة دَبْراء زفوها الى صنعاء في زواج مصلحة على العسكري والقبيلي.

وكان مقدم المهر المدفوع قاطرة عنب (عاصمي) وزعت على أعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية والوزراء ونوابهم ومدراء الدواوين واللجنة المركزية للحزب, ولا أنكر استلامي كيلو ونيف من عنب المهر الذي اشتمل ايضاً على ثلاث سيارات مرسيدس بنز, ع(الزيرو), رُكنت في حوش اللجنة المركزية للحزب بعد ان تفجر لغم الخلاف حول عدالة التوزيع لإن قيادة الحزب والدولة كانت يومها رباعية الأضلاع.

وبعد العقد وإنتهاء مراسم الزفة وإنصراف المعازيم وقبل إنقضاء شهر العسل, عاد العريس اللص خلسة الى الجنوب حاملاً زُمالته, متسلحاً بالعقد الموثق في جامعة الدول العربية وفي جمعية الأمم المتحدة, عاد الى الجنوب مستقوياً بالإتحاد الرباعي الذي جمعه بصدام, مبارك والحسين بن طلال, عاد لينهب الحوش بسياراته واللجنة المركزية بحزبها وثورة 14 اكتوبر بجنوبها.

أما هدية الـ(صبحية) فكانت صدامية المبنى والمعنى, تمثلت بقمة عربية إحتفاءً بالمناسبة, عقدت بعد اسبوع من الزفة في 30 مايو 90, أنتجت وعد ببناء فندق سياحي في صنعاء خمسة نجوم بتكلفة 50 مليون دولار لقضاء شهر العسل, وتوزيع شقق المشروع الليبي, الذي كان هدية الخطوبة بعد أن تم تجهيزه في صنعاء لسكن الزوجية وفي تلك القمة البغدادية تحلق رؤساء وملوك أمة: حنا للسيف حنا للضيف, تحلقوا حول (تورته) ضخمة رُسمت على ظهرها خارطة اليمن بعد زواج المصلحة لينهالوا على الخارطة تقطيعاً بنصل السيف أمام عدسات التصوير فكانت الحركة برمزيتها, مؤشر على نية الحلف الصدامي الذي كان حينها في طور التشكل, كانت مؤشراً على النية في اعادة رسم خارطة المنطقة برمتها.

مما اثار حفيظة الوزير الذي صار اليوم شيخاً للكويت, الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الذي أستشعر القمة فخاً لتبني إرادة صدام في ضم الكويت للعراق, فتقاذف صحون الـ(تورته) مع الوزير طارق عزيز قبل ان يولي مدبرآ الى بلده الكويت, ولم تمهله الثقة بحارس البوابة الشرقية للوطن العربي كما كان مُنتفعيه يطلقون عليه تودداً وبفعل الحضور الطاغي الذي كان يلقي بظلاله إرتجافاً في قلوب زعامات تلك الحقبة العربية, لم تمهله تلك الثقة في تدبر امور الدفاع عن بلده المحدود الأطراف, حتى اجتاحهتا الجحافل في اقل من 12 ساعة ليصدر الفرمان الصدامي بإعلان الكويت محافظة عراقية تحت مسمى (الكاظمية), فكانت بداية النهاية لمشروع الأمة العربية. ومثلما مثلت تلك القمة ضواءً أخضراً لإلحاق الكويت ببغداد, فقد كانت مناسبة عربية لتعميد إلحاق عدن بصنعاء وهذا ما نستشعره اليوم .. لكن رب الملك يمهل ولا يهمل فقد فشل المسعيان, فعادت الكويت دولة مستقلة والجنوب في طريق العودة الى أهله, أما من سخروا يومها من الشيخ صباح فقد أصبحوا اليوم مسخرة العالم أجمع.

وبالعودة الى زواج المصلحة كان مؤخَر الطلاق أو فك الإرتباط, كما نطلق عليه اليوم تحببا كان الجنوب نعم الجنوب, الذي بدا يومها للبعض من اهل العروس: أنه حقير إزاء مجد صُور لهم في وادي (حوشي و جوشي). جدتي نظيرة أفحمتني بالسئوال عن سر الدمعتين اللتين ذرفهما اخر مدعي عام لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية يوم (الشواعة) في 22 مايو 1990م, سألتني هل كانتا تعبيراً عن فرح لرفع علم الوحدة أم استشعارا لحزن على نزول علم جمهورية الجنوب الذي كان هو المحامي العام لشعب جمهورية اليمن الديمقراطية؟

أياً كانت االدواعي فالمناسبة محفورة في القلوب, وأياً كان مسمى إحياءها عيدآ أو ذكرى, فسيظل الجنوب في قلوبنا وطناً, أما سُراقه فقد أُحرق منهم من أحرق وإعدم منهم من أعدم, ومن مات منهم قبل الحساب فقد مات غير مأسوف عليه وحسابه عند رب الحساب. و49 الف تحية وإجلال لأرواح الشهداء غالب بن راجح لبوزه وعبود ومدرم وغيرهم من شهداء الجنوب الجدد ولا نامت أعين الأحياء الأموات من سُراق الشعوب وبائعي الأوطان.