يمن الثورة تحت طاولة الحوار!!
بقلم/ جمال عبدالناصر الحكيمي
نشر منذ: 12 سنة و 5 أشهر و 5 أيام
الأحد 10 يونيو-حزيران 2012 05:28 م

قد يظن الكثيرون أن التغيير في اليمن يحتكم إلى حوار المتصارعين من أحزاب وقوى وجماعات وشخصيات.. مع عدم تجاهل أصحاب المشاريع الخاصة والارتباطات والتحالفات .. فما أكثر الأطراف والتيارات والفصائل والتحالفات السياسية والدينية والرأسمالية والعسكرية التي عرفتها اليمن وأعاقت تطور المجتمع، وأصبح لها من المقومات ما لم تمتلكه الدولة بل وأضحت سلطات لاشرعية للنظام السابق، ليردها الكثيرون إلى الرئيس السابق وحده! صحيح أن تلك الأطراف والتحالفات تدين كثيراً له، في أنه غض الطرف عنها، لتشكل توازن مصالح، لكن صحيح أيضاً أنها امتدت إلى عمق المجتمع متأبطة الأحزاب كقوى منظمة في توليفة لقوة واحدة، القاسم المشترك بينها هو تغييب الدولة، في ظل عجز من القوى الحية عن فتح ثقب للانتقال إلى التغيير في الماضي، ما جعلها تنخرط مرغمة تحت ضغط الصراع في طغيان السلطة بحثاً عن التغيير في جيوبها؛ وبذلك نكون أمام حوار للمؤلفة قلوبهم مع \"القوة الواحدة\" بسلطاتها المتعددة التي كانت وما زالت تدير الصراع بين الواقع والرفض له خارج شرعية النظام والثورة، وهذا يعني رهن مستقبل الوطن والشعب لحوار توازن المصالح والقوى وبقاء الثورة تحت الطاولة لإخراجها وقت تحسين شروط التفاوض.

كلام ربما لا يستسيغه السياسيين، لكنهم لا يستطيعون نفي أن أحزابهم مثلما القوى غير المنظمة لا تمتلك حتى الآن تصوراً واضحاً عن تحقيق أهداف الثورة، فضلاً عن تصور لما ستؤول إليه الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للشعب، وهي غارقة في الشأن السياسي بأدوار هزلية أضعفت شرعية الثورة لتبرز سلطات الأمر الواقع.

وفي الواقع منذ انطلاق الانتفاضة الشبابية الشعبية كمحاولة للتحرر من كل أشكال السلطات نجد أن القوى السياسية لم تتعلم مما جرى من الدروس في الماضي ، حيث استأنفت أجندتها السياسية التقليدية للتعامل مع الثورة في المراحل الأولى كحالة غضب ، في حين كانت الساحات تموج ب(الثورة) ضد النظام الفاسد، وكان التمييز صعباً بين الثائرين من كل الفئات والأطياف والمحتشدين للإطاحة بالنظام- وبين السياسيين من النخب الذين سرعان ما شعروا بأن الثورة تسقطهم كجزء من النظام، وبالتالي تحولوا إلى الحالة السياسية، متخذين من المبادرة الخليجية قارب للنجاة. ومن جانبها المبادرة قدمت الحل على قاعدة السياسة ، وقادت مع السياسيين -الرأي العام إلى محو الفاصل بين زمن ما قبل الثورة وما بعدها عن طريق زيادة النشاط السياسي والتغطية الخبرية له عبر وسائل مختلفة تابعة، وقد شاهد المواطن آنذاك وقرأ مع تصاعد الأحداث واشتداد الأزمة، هروب القوى المنظمة إلى حضن تحالفات قوى أكبر منها تتولد من رحم النظام السابق، بدلاً عن تشكيل تحالفات تسعى وراء أهداف الثورة .

وهنا بدأ سيناريو التخلي عن شرعية الثورة، ولم يحدث القطع مع الماضي، إلا عند من عاشوا لحظات الرعب اليومي، حيث كانت القذائف المدفعية والصاروخية توزع الموت والكآبة في الأحياء السكنية داخل المدن .

ومع الأسف أمتد نفوذ السيناريو استمراراً لمسلسل قديم جديد، كما وجد الشعب نفسه أمام مخاض عسير للثورة كذلك وجد الشباب نفوسهم رهائن لاستلاب الوعي والإدراك، ما أدى إلى تفتيت كيانهم إلى مكونات، بحيث أصبح المجال مفتوحاً أمام \"القوة الواحدة\" للنهوض من جديد بتحالفاتها السلطوية، القائمة على توازن المصالح والقوى، وفعلاً تمكنت من تطويق التغيير الجذري للنظام في مراحله الأولى وجعلت من الحالة الثورية جزرة للشباب في الإطار السياسي للقوى، وبالتالي انزلقت جميعها إلى معارك استقطاب غيبت الشباب عن الفعل ، بسبب نزعتها لإعادة إنتاج نفسها من التغذية على الخلافات لكي لاتفقد صياغة الحياة السياسية.

لذلك تجردت الثورة من ثوريتها كما ارتبك الثوار من ثورتهم وشككوا في طاقاتهم لإسقاط النظام، بالمقابل استدعت القوة الأولى الانتهازيين من ذاكرة التاريخ تحت عبأة الثورة للحديث عن معالجة الخطأ بالخطيئة، وطرح القضايا الكبرى بقياس الاتفاق والاختلاق ، بالنظر إلى الوطن والشعب كعكة للتقاسم !

والخوف بالفعل أن يدفع الشعب الثمن من صراع وجوع وحروب بعد حلم طويل، خصوصاً وأن القوة الأولى استخدمت الشباب في الساحات كضحية أثناء الانتفاضة عندما كانت تفتح لهم الحواجز كـ\"أغنام الرعي عند اللزوم\"، بينما سددت ضرباتها المتوالية لوأد إمكانية تكتل شبابي ، لدرجة أنها نجحت في ضياع بوصلة الثورة في لملمة الكيان وبناء الدولة القوية التي يحتاجها اليمنيون، وتحويل المسار إلى ضلال تغيير من نوع فرض الأمر الواقع ، وإنعاش برامج اجتذاب الشباب من الساحات للتنافس على الفرص دون إحساس بالتنظيم والهدف.

وسط هذا التراجع ، اتسعت الهوة بين الثورة والدولة مثلما اتسعت سابقا بين المواطن الذي لا يملك بقعة أرض يقف عليها وبين الشعور بالانتماء للوطن .

وأضحى وضع الثورة في سياق توازن برعاية الوصاية للقوى الباحثة عن مصالحها في البلاد ، وقد بدأت لعبة التوازن مع الحفاظ على الحد الأدنى للاستقرار تؤتي ثمارها، مستمدة شرعيتها من المشهد السياسي، ولم تجد مرحلة الحكم الثوري التي كنا ننتظرها طريقاً في القيادة ، ما يعني برأي المتواضع ارتداد الثورة وفرض أمر واقع لا يساعد على التحول إلى بناء الدولة ، وما يحدث من جدل سياسي وإعلامي وتنظير سطحي حول قضايا من نوع إعادة بيت رئيس أسبق كقضية وطنية مثلاً، كذلك حوادث في مناطق متفرقة شواهد حاضرة ، وهكذا فرضت القوة الأولى ذات الصلة بالواقع القديم تقديراتها للأوضاع بما تحمله من مشروعاتها الخاصة إلى الحوار المنتظر .. وما يعنيه ذلك من اشتباك بين سلطاتها وأذرعها على تقرير مصير الوطن والشعب .

ويعني هذا بالضرورة أن تتشكل قوة ثانية، تتأثر بخبرة الثورة ، وتحتشد في جبهة وراء الثورة في بناء الدولة والخطوة الأولى هي بناء الجيش والأمن الوطني ، وكحاجة ملحة تصحيح الأجور تزامنًا مع إنشاء بنية إدارية خالية من المسؤولين الذين فقدوا عنصر المسؤولية وايجاد نظام قضائي نزيه .

ثم الانتقال إلى حوار يتجه في المرحلة الأولى لتنظيم مؤتمرات تمتد رأسياً وأفقياً في المجتمع بكل فئاته وأطيافه لمناقشة الأفكار والمقترحات في منتديات مفتوحة ، ومرحلة ثانية تكون للحوار السياسي على قاعدة إدارة الدولة والمصلحة العامة .