عبث الاتفاقيات الرئاسية..!
بقلم/ فائد دحان
نشر منذ: 9 سنوات و 10 أشهر و 19 يوماً
السبت 27 ديسمبر-كانون الأول 2014 11:02 ص

في مقال سابق تحدثت عن فصل جديد لمسرحية هزلية يؤديها هادي والحوثيين بطريقة عبثية بحق الوطن والشعب والثورة.

لم يمضي و قت طويل لتذوب تلك التكهنات إذا ما اعتبرناها كذلك في خضم مسرحية جديدة حتى يتسنى لنا توقع أكثر لما قد يكون حتى يسدل الستار وتكشف الكواليس بسرعه متناهية.

قلت أن هادي يريد تقديم هدية جديدة للحوثيين لا أكثر من مسرحية تداعيات الانقلاب التي روج لها الأسبوع المنصرم بصورة تفوق القبح.

كان معظم المتابعين لتلك التداعيات يمسكون على قلوبهم، تحسباً لبدء هذا الانقلاب الوشيك.

بينما كانت مجريات الأحداث تقول غير ذلك تماماً.

كان هادي ومستشاره الكهنوتي يعدون لاتفاقية جديدة عبثية بامتياز وكما تم تسليم الدولة في الحادي والعشرين لمليشيات مران باحتلال العاصمة عبر لعبة كسب الولاء التي تنافس عليهما الرئيس السابق صالح واللاحق هادي فقد بادر هادي بتقديم عمران لقمة سائغة للحوثيين لكسب ولائهم بينما قدم صالح رجالاته في الحرس الخاص ومن القبائل والوجاهات لذات الغرض.

هادي بطريقة سخيفة وغير محسوبة يقدم تلك القرابين بدون دراسة أو ضمانات لمكاسبه أما صالح فيدرك جيدا مكامن قوة أنصار الله ويستفيد من تصدرهم للمرحلة كي لا يظهر في الصورة تحسباً لأي قرار أممي أو عقوبات دولية.

استغل الأخير غباء هادي وفهلوية الحوثيون وراح يعمل في كل الاتجاهات‚ بينما يلعب الحوثيون الآن على وتر هلع وطمع هادي بالرئاسة.

وبكل الأحوال تبحث كل هذه الأطراف على مكاسب آنية باستثناء صالح الذي يعمل على كل تلك المكاسب واضعا سقف أعلى لتلك المكاسب هو استعادة مجده وعرشه.

لذا فهو يبتعد كثيراً عن شاشات المسرحية ويجني ثمارا سريعة بصورة مثيرة للجدل.

هادي يواصل إحراق كل الشخصيات الوطنية في الجيش والأمن بينما الحوثيين يوزعون ملصقاتهم وبغضهم وحماقاتهم على مختلف حياة الناس فإن صالح يسعى لتقديم نفسه شخص أليف لكسب ود المجتمع والوقت حتى فبراير القادم لتفادي إقرار عقوبات مجلس الأمن بشخصه وابقاء شخصيتان من قيادات الحوثيين لتشملهما تلك العقوبات.

أضف لذلك أن صالح حاول بطرق عدة الخلاص من تلك القيادات العسكرية والمدنية والوطنية لإفساح الطريق لنجله أحمد كي يتمكن من وراثة الحكم ولم يستطيع حينها فها هو الان ينفذها هادي عبر مليشيات الحوثي وليس هذا فحسب بل والقضاء على القوى الوطنية من مكونات قبلية وحزبية كانت تعد حجر عثرة أمام مشروع التوريث الصالحي .

ولعل الاتفاق الذي أعلن عنه بين هادي والحوثيين هو إحدى تلك الاتفاقيات العبثية التي تمهد الطريق لصالح لإتمام مشروعة ودمار أي مشاريع أخرى أو ذوبانها فيها.

الحوثيون مدركون لذلك فقد طلبوا من هادي أن يدمج مسلحيهم في الجيش واستيعاب أعضائهم في الوظائف المختلفة كطريقة للتغلغل بمراكز ومؤسسات الدولة تحسباً لأي طارئ من قبل كافة الأطراف المتصارعة وإظهار الأمر كما لو أنهم أصحاب مطالب حقوقية وليس لهم من الأمر شيء.

بدأت تلك المكاسب تظهر في الوزارة التي تم طردهم منها من قبل وزيرها, انهم يعودون منتصرون وأكثر تأثيراً من ذي قبل في وزارة الدفاع وبقية مفاصل الدولة.

فشروط الحوثي تقتضي على أنه لا يتم إقرار أي شيء صغير أو كبير بدون موافقتهم مقابل منح هادي عمر رئاسي إضافي.

إنهم يظهرون ان هادي حريص على الرئاسة بينما مواقع نجله جلال تظهره بأنه لا يستطيع حتى السفر للعلاج جراء منع الحوثيون له.

هنا تتكشف قصة أخرى أن هادي الذي بدى حريصاً على السلطة ويصحى في ساعات متأخرة من النهار يعاني من انفصام الشخصية بين دعايات ولده واتفاقيات الحوثي ورغباته اللامعقول في تدمير البلاد.

فهادي في خطاب الحوثي لا يتجاوز كونه أكثر من لص ينهب خزينة الدولة التي يسيطر عليها الحوثي ليعطي شرعيه لصناعة مسرحية للانقلاب وبينما هو الحاكم فيتسنى للحوثيين كما نهبوا المعسكرات أن يخلوا الخزينة حتى من الاحتياطي النقدي للبلاد وبث خبايا تصرفات جلال هادي إنها وراء ذلك من خلال فضح تحركاته المالية كما صنعوا خلال إجازة عيد الأضحى المبارك عندما منعوه من سحب سته مليار ريال بشيكات مختلفة حيث عاد ادراجه خائبا لمنزله بالستين وبدت اللجان الحوثية التي نهبت المعسكرات والمنازل والمؤسسات الخاصة والعامة انها قمة في النزاهة والحارس الأمين على المال العام.

إن حادثة الولد جلال عنوان كبير لسياسة الحوثيون فالتحقيق الذي نشر بمجلة السياسات الخارجية الأمريكية "فورين بوليسي" عن سياسة هادي ونجله المالية تفضح تلك اللعبة عندما تغض الطرف عن نهب اللجان الحوثية لمخازن الاسلحة واستنزاف المال العام وتنهي ذلك التقرير بالتساؤل والاستغراب عن كيفية إدراج اسم الرئيس السابق صالح في معظم التهم بينما هادي عبث بــ 14 مليار دولار وهو المبلغ الذي لم يعبث به صالح خلال عقود من حكمة في طريقه واضحة للترويج لصالح أيضاً والتمهيد لإزالة اسمه من قائمة العقوبات الدولية.

إن صالح يسير بالاتجاه الصحيح له أيضا للاستفادة القصوى من كل اتفاقية تطرأ على البلاد بدءاً من المبادرة الخليجية وبعدها مؤتمر الحوار الوطني ليليها مهزلة السلم والشراكة وأخيرا الاتفاق المبرم بين هادي وجماعة الحوثي فكل المؤشرات تثبت ذلك.

وما دام المجتمع الدولي وعلى رأسها أمريكا تطرح أولوياتها محاربة الإرهاب فإن سياسة وكلائهم الحوثيين على أرض الواقع تولد مزيدا من الإرهاب ليتدخل صالح بطريقة ذكية ويستنزف جهود الحوثيين بمعاركه ضد القاعدة تارة وتارة أخرى للتصادم مع القبائل واجتياح المدن وارغام أنصار الله على كشف حماقاته أمام الرأي المحلي والدولي.

ومما يثير الغرابة هو كف النظر من قبل المجتمع الدولي لتصرفات أنصار الله المنتهكة لحقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة ونلاحظ ان المنظمات تقابله بصمت غير معقول يكسر الهامة المهنية التي تلتصق بأذهاننا عنهم منذ عقود.

ويلاحظ ذلك أكثر عندما تجد تراجع مهول بل وتام لأنشطة تلك المنظمات الحقوقية في القيام بدورها وبث ضجيجها المعهود وهذا الذي لم نجد له سوى تفسير واحد هو مدى ارتباط هذه المنظمات بسياسات مجلس الأمن مما يضرب تماماً مصداقيتها ويكشف زيف الحياد ومدى الالتزام بحقوق الإنسان والقانون الدولي.

إننا في نهاية المطاف شعب يتعرض لهيانة جامعة من قبل حاكم ورئيس شرعي عبثي وآخرون مشدودون للماضي موزعون بين جماعة سلالية تبذل كل ما بوسعها لاستعادة حاكميتها وزعيم يحارب عابراً كل الطرق لتوريث الحكم لولده ومعارضة تغط في نوم عميق وكل ذلك يتم عبر اتفاقيات متعاقبة أمام نخب متصارعة سياسيا وايدلوجيا وأخرى تعيش حلم التغيير وشعب يموت على الرصيف ومجتمع دولي مشغول بحقوق الإنسان بينما يعتبرونا نحن العرب والمسلمون مجرد جندي بودي جارد يتمتعون بمشاهدتنا ونحن نقتتل فيما بيننا نهدم ولا نبني ونلتف خلف قيادات حروب وهمية تجرنا للموت بواد سحيق.