|
استهل الرئيس الأميركي باراك أوباما ولايته الرئاسية الأولى بحماسة قوية للعمل في ملف السلام الإسرائيلي الفلسطيني، لكن مع الأيام تحول هذا الملف إلى "أكبر خيبة" على طاولة الرئيس الأميركي حتى وصل الأمر حد الجمود، فصارت قناعات أوباما جزءا من المشكلة بين البيت الأبيض من جهة وكل من إسرائيل والفلسطينيين من جهة أخرى.
فقد ساد تفاؤل عندما أعلنت إدارة أوباما في بداية فترتها الرئاسية الأولى أن التوصل إلى سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط من أولوياتها، وبادر الرئيس الأميركي بذلك من خلال تعيين مبعوث للسلام في الشرق الأوسط هو جورج ميتشل، إلا أن جهوده باءت بالفشل.
ويرى محللون أنه عوضا عن تبني إستراتيجية شاملة بداية، سعت الإدارة الأميركية حينها إلى إجراءات بناء الثقة، ودعوة الطرفين للمفاوضات من خلال المحادثات غير المباشرة والمباشرة، ومحادثات الرباعية الدولية، والضغط على الطرف الإسرائيلي لوقف الاستيطان، مما قاد لاحقا إلى ضياع الوقت والانحراف عن مسار التسوية السياسية وصولا إلى الجمود.
فإلى جانب انشغال أوباما بحملته الرئاسية للولاية الثانية، أظهر حماسة في الدفاع عن أمن إسرائيل في ظل المزاودات الانتخابية، لكن ذلك لم يمنع من دخوله في خصومة معلنة مع رئيس الوزراء الإسرائيليبنيامين نتنياهو حتى أن الأخير أعلن دعمه الصريح للمرشح الجمهوري ميت رومني في انتخابات الرئاسة الأميركية.
مع ذلك دخل أوباما أيضا حالة من الخصومة مع القيادة الفلسطينية، فقد انتقد الرئيس الأميركي الموقف الفلسطيني بالقول إن قرار قبول فلسطين عضوا في الأمم المتحدة لن يحقق السلام، وهو ما اعتبره محللون حرصا من أوباما على الحصول على دعم اللوبي اليهودي الأميركي في الانتخابات الرئاسية.
فتح الطريق
لكن إعادة انتخاب أوباما رئيسا لفترة ثانية أعاد طرح القضية الفلسطينية مجددا على مسار الأحداث المتوقعة في الفترة القادمة، وتتباين هنا آراء السياسيين والمحللين فيما يمكن أن تقدمه إدارة أوباما مجددا في هذه التسوية المتعثرة تاريخيا.
فمن جهة يرى المبعوث الدولي للشرق الأوسط توني بلير أن إعادة انتخاب أوباما يفتح الطريق أمام استئناف الجهود لإحياء مفاوضات السلام المتوقفة بين إسرائيل والفلسطينيين.
وقال بلير بعد ساعات من فوز أوباما بفترة رئاسية ثانية إنه لا يعتقد أن الولايات المتحدة فقدت الاهتمام بالصراع المستمر منذ عدة عقود، مضيفا أنه يأمل أن يرى مبادرة جديدة قريبا.
لكن في المقابل يرى مارتن إنديك السفير الأميركي السابق في إسرائيل ونائب رئيس دراسات السياسة الخارجية في معهد بروكينغز للأبحاث أن ذلك أمر مستبعد وبعيد المنال.
ويعلل أنديك الأمر بقوله "قراءتي لأوباما هي أنه يريد بشكل أساسي الابتعاد عن الشرق الأوسط والتركيز على آسيا"، مضيفا أنه من غير المرجح أن يقوم بمحاولة جديدة في عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية.
مصلحة إستراتيجية
وانهارت المفاوضات التي كانت تجرى بوساطة أميركية في عام 2010 بسبب استمرار بناء المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة. وتتزايد الشكوك لدى الفلسطينيين إزاء إمكانية قيام دولة لها مقومات البقاء.
وغطى موضوع البرنامج النووي الايراني منذ ذلك الحين على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ولم تكن هناك جهود تذكر من جانب واشنطن للعودة إلى بحث هذا الصراع.
ونظرا للعقبات العديدة في الطريق إلى السلام شكك كثير من المحللين في إمكانية قيام أوباما بأي جهد سياسي آخر في صراع الشرق الأوسط بعد أن انتهت جهوده في ولايته الأولى بالفشل والإحساس بالمرارة.
لكن بلير مع ذلك يصر على التفاؤل بقوله "لا أعتقد أنه حدث أي تغير في رأي الرئيس أوباما وهو أنه من المصلحة الإستراتيجية للولايات المتحدة والعالم إيجاد حل للقضية الفلسطينية الإسرائيلية".
وهذا الرأي تدعمه تصريحات رسمية قريبة من الإدارة الأميركية، فقد قال سفير الولايات المتحدة لدى اسرائيل دان شابيرو أمس إنه من غير الواقعي الاعتقاد بأن أوباما سيتجاهل القضية الفلسطينية في ولايته الثانية.
وأضاف السفير الأميركي دون أن يقدم أي توقع لما قد يفعله أوباما "دائما تجد طريقها (القضية الفلسطينية) للعودة إلى جدول الأعمال، ولا يمكن توقع أن تختفي أو أن تبقى في ذيل الاهتمامات".
الجمود الأطول
من جانبه يؤكد رئيس معهد دراسات الأمن القومي ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق عاموس يدلين أن فوز أوباما بولاية ثانية سيحرك عمليات هامة كانت مجمّدة وبينها الوضع في سوريا والموضوع النووي الإيراني والعملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين.
وقال يدلين إن الجمود الأطول كان في الموضوع الأهم وهو الموضوع السياسي في إشارة إلى المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين.
ويقول الفلسطينيون إنهم سيطلبون من الجمعية العامة للأمم المتحدة في وقت لاحق هذا الشهر رفع الوضع الدبلوماسي لهم والاعتراف بهم "كدولة لها وضع مراقب" بدلا من "كيان مراقب". وتقول إسرائيل إن إعلان الدولة يجب أن يأتي فقط من خلال المحادثات المباشرة، وهددت بالانتقام إذا مضى الفلسطينيون قدما في هذا المسعي، مضيفة أن مثل هذا الإجراء من جانب واحد يتناقض مع اتفاقات سابقة.
كما نددت واشنطن بهذه الجهود في الأمم المتحدة، ويخشى بعض الدبلوماسيين الغربيين من أن التصويت في الجمعية العامة يمكن أن يقضي على أي فرصة لإجراء مفاوضات جديدة في وقت جلب فيه فوز أوباما بصيصا من الأمل بشأن استئناف الحوار.
وقال الرئيس الفلسطيني محمود عباس إنه سيكون جاهزا للمحادثات بمجرد الانتهاء من تصويت الأمم المتحدة، مشيرا إلى أنه سيتخلى في نهاية الأمر عن شرط مسبق بأن توقف إسرائيل كافة أعمال البناء في المستوطنات قبل العودة إلى مائدة التفاوض.
تدرج وتكهنات
وتبقى خيارات أوباما المستقبلية رهنا بالتكهنات خصوصا في ظل انغماس إدارته بالمشاكل الداخلية، حيث إن خيار أوباما القادم هو التدرج في السياسات وبناء الاقتصاد، وفق تعبير الكاتب والصحفي في مجلة أتلانتك الأميركية ستيفن كليمنز.
وتوقع كليمنز في حديث للجزيرة أن يقوم أوباما بإرسال الرئيس الأسبق بيل كلينتون إلى الشرق الأوسط مبعوثا خاصا لقيادة الدبلوماسية الأميركية في بناء السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.
أما الكاتب والمحلل الإستراتيجي مروان بشارة فيرى أن نتنياهو قد خسر الرهان على المرشح الجمهوري ميت رومني، لكن ذلك لا يعني أن أوباما بفوزه الجديد سيعاقب إسرائيل.
ويرجع بشارة ذلك إلى "العامل الصهيوني" ودوره الفاعل في الحياة السياسية الأميركية حيث أسهمت "الصهيونية الأميركية" بنجاح أوباما. ويؤكد بشارة في حديث للجزيرة أن إسرائيل تتوجس مما قد يطرحه أوباما في ملف الاستيطان.
ومن جهته يرى المؤرخ والدبلوماسي الإسرائيلي السابق إيتامار رابنوفيتش في حديث للجزيرة أن إدارة أوباما تنظر الآن إلى قضية التسوية السياسية بوصفها جزءا من المشهد العام لمشاكل الشرق الأوسط خصوصا مع بروز تأثير الربيع العربي والحرب الدائرة الآن في المنطقة في إشارة لقتال الثوار السوريين ضد نظام بشار الأسد.
في الخميس 08 نوفمبر-تشرين الثاني 2012 03:57:14 م