اليمن وزواج الصغيرات ؟؟
بقلم/ دكتور/محمد لطف الحميري
نشر منذ: 14 سنة و 7 أشهر و 7 أيام
الأربعاء 24 مارس - آذار 2010 06:24 م

تدور هذه الأيام في اليمن معارك كلامية وصحفية بين فريقين الأول يرى في زواج الصغيرات نوع من التشبث بواقع الجهل والأمية والبعد عن واقع الحياة المدنية ومتطلباتها وإغراق المجتمع بوحدات اجتماعية غير مؤهلة نفسيا واجتماعيا وعلميا لإدارة دفة الحياة وما ينتج عن هذا الزواج من جيل ضعيف مهزوز البنية ، أما الفريق الثاني فيرى أن زواج الصغيرات هو باب للعفاف وسدا منيعا أمام السيل الهادر من القنوات الفضائية غير الملتزمة ومواقع الانترنت التي تفسد الذوق والأخلاق كما أن هذا الزواج هو الوسيلة الوحيدة لحماية جيل المستقبل لكن هذا الفريق لم يتطرق إلى من سيتزوج الصغيرة وكم سيكون عمره بل اكتفى بالقول: أجمع كل من نحفظ عنهم من أهل العلم " أن إنكاح الأب إبنته الصغيرة جائز إذا زوجها من كفء".

هذه المعارك أثارتها مناقشات مجلس النواب لمشروع قانون يحدد سن الزواج في اليمن بثمانية عشر عاما بعد أن أصبح المجتمع يعيش حالة من الفوضى والنمو السكاني الهائل وما يسببه من أزمات اقتصادية وصحية واجتماعية بالنظر إلى الموارد المحدودة للبلاد واتساع رقعة الأمية والجهل وضعف بل وانعدام الخدمات الصحية وارتفاع عدد الوفيات بين حديثي الولادة والأطفال ، وظهور ما عرف بالزواج السياحي الذي كانت ضحاياه من الصغيرات في الغالب حسب إحصاءات وزارة العدل . إلا أن الفريق المعارض لصدور مثل هذا القانون رأى فيه تقليدا للغرب كما أن التوقيع على اتفاقياته ومنها اتفاقية سيداو مثلا يصوغها اليهود ويريدون من خلالها إفساد عقيدة المسلمين وإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا عن طريق رفع سن الزواج وتحديد النسل الأمر الذي يهدد الأمة الإسلامية ويقلص تأثيرها العددي وللشيخ القرضاوي رأي في هذه النقطة بالذات حيث قال يحتج البعض بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم " تناكحوا تناسلوا تكثروا فإني مكاثر بكم الأمم " لكنه صلى الله عليه وسلم لن يباهي الأمم بالجهلة ولا بالظالمين وإنما بالطيبين العاملين النافعين ...

بيان علماء اليمن الذي أدان موضوع تحديد سن الزواج وأباح زواج الصغيرات وحمل على المؤيدين لإصدار القانون حيث ورد في البيان نصوص قرآنية وأحاديث نبوية تبيح تزويج الصغيرة من ست سنوات فما فوق والشرط الأساسي هو أهليتها للنكاح وما عدا ذلك فليس مهما ، وقد لفت نظري هذا الدفاع المستميت عن هذه القضية لكني عندما تفحصت أسماء الموقعين وجدت أن من بينهم من ليس له علاقة بمسمى عالم بل أغلبهم من المطلعين على نتاج الفقهاء والمحدثين والمؤرخين وحفاظ المتون وهؤلاء مع التقدير الكبير لاهتماماتهم لا يمكن أن نطلق عليهم علماء تماما كما لايمكننا أن نسمي من يحفظ الشعر ويلقيه بأنه شاعر .. لكن عدد الموقعين على البيان أحالني إلى موضوع آخر وهو كيف لو أن هذه الكوكبة من " العلماء " وجهت اهتمامها إلى القضايا التي يرزح تحت وطأتها اليمنيون ومنها الاستبداد والحروب والفساد المالي والإداري .. كيف لو خلقت رأيا عاما وقادت المسيرات باعتبار أن العلماء ملح البلد .. وهذا باعتقادي نوع من فقه الألويات الذي يقول عنه الدكتور يوسف القرضاوي : هناك من يقول أكثروا من الأذكار والتسابيح والأوراد ولم يول هذا الاهتمام لكثير من الفرائض والواجبات وخصوصا الاجتماعية مثل بر الوالدين وصلة الأرحام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومقاومة الظلم الاجتماعي وحماية حقوق الضعفاء والدعوة إلى العدل .

الهبة التي يقودها الموقعون على بيان علماء اليمن هي من المفارقات الكبيرة ففي الوقت الذي نجد فيه سكان قرى يشردون ومظاهرات وحروب وواقع اجتماعي واقتصادي مزري وارتفاع جنوني في المهور فإننا لم نسمع عن تجمع للعلماء لنصح الحاكم والتصدي لكل هذه القضايا الخطيرة التي تهدد النسيج الاجتماعي ووحدة البلاد .. لكن موقفهم هذا ربما يتسق مع ما صح عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما فيما رواه عنه ابن أبي نعيم قال : جاء رجل إلى ابن عمر وأنا جالس فسأل عن دم البعوض ! وفي رواية عن " فسأل عن المحرم يقتل الذباب " فقال له ممن أنت ؟ فقال من أهل العراق ، قال : ها ، انظروا إلى هذا ؟ يسأل عن دم البعوض وقد قتلوا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم .. لكن الاستشهاد بهذا الحديث لا يعني التقليل من أهمية الموضوع الذي يجري النقاش بشأنه بل لأوحيل الجميع إلى أولويات القضايا التي يجب أن ينصب الاهتمام عليها أما مسألة تزويج الصغيرات فيكفي أن نعلم أن من المرامي الحضارية لهذا الرباط المقدس إقامة أسرة تشكل لبنة قوية في بناء المجتمع فهل يمكن لطفلة لم تبلغ سن الرشد أن تتحمل تبعات الحياة التي لم يقدر على حملها رجال أو ذكور في مجتمعات تتفوق على واقع المجتمع اليمني صحيا واقتصاديا . ثم لماذا يغفل في مثل هذه المعارك الرجوع إلى أولي العلم من الأطباء وعلماء النفس وعلماء الاجتماع .. أتمنى على أعضاء مجلس النواب وعلماء اليمن الأجلاء أن يتجهوا إلى ساحات وأروقة المحاكم ليقفوا على حقائق مرة بسبب عدم أهلية طرف من أطراف الزواج فتح بيت وتكوين أسرة وكيف أن المرأة ماتزال متاعا يمكن للرجل أن يتخلى عنه متى شاء ولو برسالة من بلدان المهجر أو بمكالمة هاتفية بأنه قد أنهى علاقته مع امرأة أفنت عمرها في انتظاره !! ليتهم يجرون مسحا اجتماعيا ليقفوا على أعداد النساء اللاتي أصبح الشارع مأواهن الوحيد مع أطفالهن .. نحن في واقع جديد يختلف عن أسلافنا ويحتاج إلى رؤية واجتهاد ولا بأس أن نستأنس ببلدان سبقتنا في هذا المجال .. أما المؤامرة الغربية على مجتمع يتقزم كل يوم فتلك قضية أخرى ...!!  M_HEMYARI_Y@YAHOO.COM