زيارة النبي هود.. إلى حضرموت
بقلم/ متابعات
نشر منذ: 14 سنة و 3 أشهر و 26 يوماً
الأربعاء 21 يوليو-تموز 2010 07:26 م

مارب برس- السياسية - محمد جواس

تتأهب مديريات وادي حضرموت لاستقبال الزيارة السنوية لنبي الله هود عليه وعلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الصلاة والتسليم هذه الزيارة التي يأتي إليها الآلاف من أبناء حضرموت خاصة ومن أبناء اليمن عامة وكافة أرجاء المعمورة للابتهاج بهذه الزيارة التي تعتبر تقليد يعود لآلاف السنين.

ونبي الله هود عليه السلام بعثه الله لقوم عاد بالأحقاف، قال تعالى: {والى عاد أخاهم هوداَ قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون} صدق الله العظيم.

ويقع قبر النبي هود على سطح جبل تمت عمارته وبنيت عليه قبة لأول مرة في القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) ثم تعددت عمارته بعد ذلك، ويرجع بناؤه بشكله الحالي إلى حوالي عام 1097هـ، 1673م حيث القبة العظيمة والبناء الحجري حول الصخرة المسماة الناقة والدرج الواسع تحيط بالقبر قرية بناها الأهالي يسكنونها في موسم الزيارة السنوي التي تمتد في الفترة من السادس وحتى الثاني عشر من شعبان كل عام هجري، حيث يتوافد على الموقع عشرات الآلاف من الناس ومن كل مكان من أ رض اليمن وخارجها.

عادات وتقاليد

ولزيارة قبر النبي هود عادات وتقاليد متوارثة منذ القدم ويرجع تاريخها إلى ما قبل الإسلام، حيث كان العرب يقيمون سوقا في شهر شعبان من كل عام بجوار القبر.

وعلى بعد عشرة كيلومترات من القبر إلى الجهة الجنوبية توجد "بئر برهوت" وهي عبارة عن كهف يقع على ارتفاع 200 قدم من سطح الجبل المسمى باسمها ومعروف أنه حول "بئر برهوت" روي الكثير من الروايات والأساطير منذ ما قبل الإسلام وحتى اليوم، ومعروف أن ذلك المكان وتحديدا الجبل يوجد به قبر النبي هود عليه السلام من قبل الميلاد وليس من قبل الإسلام فحسب، فقد ذكرت بعض الكتب الهندية أنه دفن في وادي الأحقاف 35 نبيا وأن أقدم قبر على الإطلاق في العالم هو قبر النبي هود، وأنه أول قبر بعد الطوفان كما ذكر المرزوقي الذي عاش في القرن الخامس الهجري في كتابه "الأزمنة والأمكنة" ومطبوع في جزأين.

وذكر أسواق العرب وقال إن أسواقا كثيرة كانت تقام في بلاد العرب منها سوق المهرة والشحر في اليمن في المكان الذي يقع فيه قبر النبي هود وذلك بمنتصف شهر شعبان. وأقدم من ذلك ما رواه وصرح به المؤرخ اليمني المعروف الهمداني في كتابه "صفة جزيرة العرب" والملقب "ابن الحائك" والمتوفى سنة 330هـ حيث قال إن "أهل حضرموت يزورون قبر النبي هود عليه السلام وأن أبناء عاد كانوا يسكنون وادي الأحقاف وكانوا شديدي البطش، وقد أرسل الله إليهم أخاهم هود يرشدهم وليهديهم إلى الطريق المستقيم ولكنهم أبوا إلا عبادة الأصنام والمضي في طريق الظلال حتى أهلكهم الله بعذاب من عنده وهي ريح عقيمة أرسلها الله تعالى عليهم بعد تكذيبهم نبيه هود عليه السلام".

محاضرات دينية

وتقام أثناء الزيارة التي يحضرها عدد من أصحاب الفضيلة العلماء والدعاة إلى الله العديد من المحاضرات الدينية وجلسات العلم لتبصير الناس بأمور دينهم والتقرب إلى المولى عز وجل بأعمال الخير والبر والإحسان بالحكمة والموعظة الحسنة وبالمحبة والتوحد التي يحثنا عليها ديننا الإسلامي الحنيف، كما تستغل الزيارة للبيع والشراء في الأسواق التجارية للعديد من البضائع والمواد الغذائية والكمالية والهدايا والتحف المتنوعة.

 

ألعاب شعبية

ومن الألعاب الشعبية التي تقام أثناء هذه الزيارة لعبة المرازح والتي ارتبطت بزيارة قبر النبي هود عليه السلام والأعياد الدينية، حيث يقوم الناس في معظم مدن وقرى وادي حضرموت عند التحضير لزيارة قبر النبي هود في شهر شعبان بعمل تلك المرازح، حيث يصطف الرجال في ليلة النصف من شعبان وهم يتبادلون أبيات شعرية معروفة منها مثلا:

تسلى يا قليبي شف الدنيا مخلاه وكم من مال يمسي لمولى غير مولاه

(هود يا هود نبي) وجابها الرحمن زينة عاد العشاء الا طحين

فيما يتقدم المجموعة أحدهم وهو يردد أبيات من الشعر الشعبي معروفة لدى الجميع من زمان، وهم يرددون بعده، وهكذا تستمر اللعبة حتى الوصول إلى أماكن محدد وفيه تتم بعض الطقوس، وارتبطت اللعبة أيضا بأيام الأعياد وفي موقع قبر النبي هود عليه السلام حيث تقام هذه المرازح كل ليلة هناك أثنا الزيارة وبعد العودة كذلك، وهي لعبة مشهورة ومعروفة باقية إلى اليوم لدى عامة الناس وبالذات في وادي حضرموت.

كما تتم خلال الزيارة فعاليات سباق الهجن، حيث اتخذ اليمنيون في محافظة حضرموت قديما من الجمال وسيلة في سفرهم إلى موقع قبر النبي هود عليه السلام قبل ظهور وسائل النقل الحديثة وحتى بعد ظهور تلك الوسائل إلى يومنا هذا إذ لم يفرطوا فيها؛ لأنها جزء من تراثهم وفنهم الأصيل، فقد جرت العادة منذ قديم الزمن أن يتهيئوا للرحيل عند مطلع شهر شعبان من كل عام حيث يروضون الإبل ويخضبون ظهرها بالحناء ويكتبون فيها بعض أسماء الله الحسنى، وقد يكتبون اسم النبي هود واسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبعض الصحابة وبعض الأولياء والصالحين، ثم يقومون بوضع الشد على ظهر الإبل ويلجمون فمها.

وفي السابع من شهر شعبان يرحل الزوار جماعات بها، وتطل النسوة من شرفات المنازل يبعثن بالزغاريد ويسمى ذلك اليوم "نهار المسراح" ومعناه "يوم الذهاب"، فإذا ما وصلوا إلى شعب النبي هود أناخوا الإبل وأراحوها طوال أيام الزيارة، وعند الانتهاء يعود من قد ذهبوا بالسيارات ويبقى أصحاب الجمال هناك فهم آخر من يرجع وذلك يوم 13 شعبان عصرا في طابور سباق واحد ويصطف الناس لاستقبالهم عند مدخلهم إلى مدينة تريم الشيوخ والشباب والنساء والأطفال ينتظرون وصولهم بفارغ الصبر، وفجأة تقبل الجمال على حين غفلة مهيجة ثائرة تخطف كالبرق في موكب بهيج جميل يروي أصالة وعظمة الفن اليمني والتراث الوطني وتزغرد النساء ويصيح الحاضرون فرحون مهيجين الجمال. وبقي علينا أن نعرف أن أول سباق للجمال في العالم كان في حضرموت وذلك في القرن التاسع الهجري أي قبل أكثر من 600 عام.