‏سبتمبر.. صراع الحق والباطل
بقلم/ د.أحمد عبيد بن دغر
نشر منذ: 4 ساعات و 16 دقيقة
الإثنين 09 سبتمبر-أيلول 2024 05:07 م
 

لم تكن ثورة سبتمبر وليدة لحظتها، سبقتها إرهاصات كادت أن تطيح بالإمامة في اليمن في 1948م، أرادها الثوار إمامة دستورية، بعدما يئسوا من التغيير على يد الإمام يحيى وخَلَفه الإمام أحمد، لكنها عجزت عن الصمود والبقاء. عاد الثوار أنفسهم لمحاولة جديدة في انقلاب 1955م، لكن الأمام أحمد أطاح به. في المحاولتين كان هدف الثوار إصلاحيًا، ذلك ما بلغه الوعي السياسي التغييري في اليمن آنذاك، وما تسمح به ظروف المرحلة.

 

وبرغم الدماء التي سالت، والأرواح التي أزهقت والسجون التي ملئت بأحرار اليمن، لم يكن الإمام أحمد من الفطنة لكي يدرك أن حاجة حقيقية للتغيير قد حانت، كانت تحكمه الأيدلوجيا ذاتها التي تحكم بقايا الإمامة اليوم، والتي حكمتها في السابق، الادعاء الجاهل العنصري السلالي بالحق الإلهي في الحكم، كان الشعب اليمني حينها يتطلع لحياة أفضل.

 

في سبتمبر كانت الظروف قد تغيرت نوعًا ما، وكانت انتفاضتي حاشد وبكيل، ومحاولة قتل الإمام أحمد في الحديدة قبيل قيام الثورة قد عززت القناعة لدى الأحرار، بأن نهج الإصلاحات قد استنفذ مداه. لقد أدرك الأحرار أنه لم يعد هناك من أمل سوى القيام بثورة أسمى هدفًا، تعتمد على الجيش تجتث الإمامة من جذورها، لا تشمل نظام الحكم فحسب، بل تحدث تغييرًا في مسلماته الفكرية والاجتماعية المتوارثة، وتعيد صياغة وعي المجتمع.

 

مصيبة اليمن أنها بليت بإمامة استخدمت الدين غطاءً للتسلط السياسي على اليمنيين، كانت طبيعة الصراعات السابقة لمجئ الإمامة لليمن في عمومها قبلية ومناطقية، ليضيف إليها الأئمة صراعًا طائفيًا ومذهبيًا لعب عنصر الإمامة فيه دورًا سلبيًا. لقد كرست الإمامة التخلف والعبودية، ورَسّخت في عقلية البسطاء من الناس ألوهية، فالإمام حاكمًا بأمر الله، حاكمًا متعاليًا ومتغطرسًا وحتى دمويًا.

 

أسقطت الثورة نظام الحكم الإمامي، وكان حدثًا كبيرًا، ونجحت الثورة في عقودها الأولى في تفتيت منظومة الحكم الأيدلوجية الفكرية الاعتقادية الإمامية، لكنها سرعان ما فترت في مواجهة فكر وثقافة الإمامة التي لم تكن دون جذور، وظن قادتها ممن تعاقبوا على السلطان أن الإمامة قد ماتت بموت الإئمة، وهم لا يعلمون أن سقوط الإمامة سياسياً لم يكن بالضرورة ليسقطها فكريًا، لقد هزم النظام السياسي، كان بعض دهاقنتهم الإمامة يتحين الفرصة لبعث المفهوم من جديد، وقد حدث.

 

يتحمل الساسة حكامًا ومحكومين، في العقد الأول من هذا القرن وزر ما أحدثته تبايناتهم السياسية التي تحولت إلى صراع دموي غير عاقل، انتحاري وغير رشيدة والتي نفذ منها الحوثيون، ورأت فيها إيران فرصة للتوسع، وسمح فيها المجتمع الدولي للانقلاب بالبقاء وامتلاك وسائل القوة رغم رفض العرب كل العرب للانقلاب.

 

مسؤوليتنا اليوم كيمنيين إزاء مآلات الانقلاب والحرب كبيرة، بالتأكيد نحن معنيين بهزيمة الانقلاب الحوثي والتصدي للتوسع الإيراني، لازالت لدينا الفرصة للقيام بالكثير من الجهد المُحقّق للهدف، إن استعادة الدولة بما يعنيه ذلك من عودة لقيم الحرية والعدالة والمواطنة المتساوية مهمة وطنية كبرى ومقدسة، نحن نملك إرادة نافذة وقوية، وحق لا يضيع، كما بنينا خطابًا سياسيًا جيدًا حرّك ويحرك المشاعر الوطنية الصادقة، لكننا لا نراكم بما يكفي من الوسائل المساعدة للوصول لتلك الأهداف النبيلة.

 

سنستمر في التصدي للانقلاب، وفي نفس الوقت سنستمر في البحث عن مخرج من أزمة حادة تعصف بنا، سنمضي مع خارطة الطريق، فأن التوافق بين كل المكونات السياسية خير لليمن، ولن نجد صيغة للتوافق الوطني نعيد بها الاستقرار والأمن إلى بلدنا أفضل من مخرجات مؤتمر الحوار الوطني.

 

لا مخرج سوى الذهاب نحو دولة اتحادية، رفضها الحوثيون ومن سار بركبهم، ويقف البعض منها موقف المتوجس، ويرفضها ممن تغريهم المركزية العمياء التي أوصلتنا لحالة الأزمة والحرب، دولة اتحادية بمركز قوي غير متسلط، وأقاليم متحررة من البيروقراطية، أقاليم شريكة في السلطة والثروة، دولة اتحادية لا يمكن بناؤها دون الاعتراف والتسليم بالديمقراطية كمنهج حكم.