أزمات اليمن...حسابات الربح والخسارة
بقلم/ د.صالح الحازبي
نشر منذ: 14 سنة و 10 أشهر و 12 يوماً
الأحد 03 يناير-كانون الثاني 2010 04:11 م

"اليمن دولة علي حافة الفشل والحكومة فاسدة" هذا مختصر ما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن الوضع في اليمن. " اليمن أصبح محضنأً وملاذاً آمناً للإرهاب ويشكل خطراً علي الأمن والإستقرار الإقليمي والعالمي" هذا من ضمن ما ذكره رئيس الوزراء البريطاني وهو يدعو لإجتماع دولي حول الإرهاب في اليمن ينعقد بموازاة مؤتمر حول الوضع في أفغانستان. على الرغم من تسارع الأحداث لتقفز باليمن من الحسابات الإقليمية وصراع قوى المنطقة علي النفوذ في اليمن نحو تدويل الوضع اليمني إلا أنها لم تكن وليدة اللحظة بقدر ما هي تراكم واستفحال للأزمات منذ فترة طويلة ظهرت للسطح في الثلاث السنوات الأخيرة. ربما لو تداركت الحكومة الأمر في البداية ماوصلت الأمور لما وصلت اليه. إلإ أن تجاهل الحكومة وعنادها وإصرارها على استتباب الوضع وأن الأزمة مجرد زوبعة في فنجان أو في عقول المأزومين وفق تصريحات المسؤولين جعل هذه الأزمات تتفاقم . بل علي العكس من ذلك فالنظام يحاول استثمار الأزمات لصالحه سواءً داخلياً أو خارجياً . فداخلياً مثلت مشكلة الحوثيين فرصة للحكومة لتعليل فشلها في إحداث تنمية حقيقية وتبرير الإخفاق في تحسين الوضع الإقتصادي وخارجياً كانت المشكلة الحوثية فرصة لتحسين العلاقات مع دول المنطقة من أجل التحالف ضد بعبع المد الإيراني.

استفاد النظام أيضاً من الحراك في المحافظات الجنوبية لتجييش الناس ضد الإنفصال تحت رايته باعتباره حامي الوحدة والمدافع عن حماها من جانب، ومن جانب آخر استفاد النظام من دعاوى الإنفصال في تخفيف زخم المطالب الحقوقية للمواطنين في الجنوب في ظل تخويف دول المنطقة والعالم من انفجار الوضع وتداعياته على هذه الدول لو نجح خيار الإنفصال. ورقة القاعدة أضافت بعداً أكبر لأزمات اليمن فجعلته محل اهتمام الدول الغربية وبالتالي فكثير من المساعدات ستتدفق لمجابهة خطر القاعدة. كما أن الضربات الجوية للقاعدة في أبين وشبوه خلطت أوراق الحراك دولياً باعتباره رديف للقاعدة وهو ما تخشاه دول الغرب ودول الخليج من باب أولى.

لكن من الناحية الأخرى فهذه الأزمات برهنت للداخل أن النظام لا يملك استراتيجية معينة لإخراج البلاد من أزماتها بقدر ما هي استراتيجية " وداوها بالتي كانت هي الداء"، وقد نجحت المعارضة في انتخابات 2006 في جر الحزب الحاكم لإطلاق الكثير من الوعود الخيالية التي أدرك المواطن المسكين أنها كانت خديعة كبرى ليس أقلها الكهرباء النووية والقضاء على البطالة. أما الخارج فقد بات يدرك إلى حد كبير تداخل أزمات اليمن ولعل موقف السعودية الأخير وقرارها انتهاء العمليات العسكرية "الكبرى" وتراجع المملكة عن هدف حربها الرئيسي وهو تراجع الحوثيين عشرة كيلومتر للداخل يدلل على ادراكها لتعقيد الوضع في اليمن ومحاولتها النأى بنفسها عن التداخل "المباشر". الولايات المتحدة في الجهة الثانية يهمها موضوع القاعدة بالدرجة الأولي لكن أمريكا تدرك أن الفساد الذي ينخر النظام كان من الأسباب المباشرة لتراخي قدرة النظام على ادارة الامور وبالتالي ظهور القاعدة كما أن خبرة أمريكا أفغانستان أثبت لها أن الفساد ابتلع مليارات الدولارات من الأموال الأمريكية لكن طالبان في الأخير ازاددت قوة ولذلك فتقديم الدعم للحكومة اليمنية سيظل محل الكثير من الشكوك في نجاحه علي كبح جماح القاعدة. إجمالأ فالنظام فقد الكثير من رصيده لدى الخارج اقليمياً ودولياً في قدرته على معالجة الأوضاع ولذلك فالمتوقع أن تمارس القوى الإقليمية والدولية ضغوطاً كبيرة على الحكومة للحوار وإشراك الآخرين في معالجة الأوضاع وهو ما سيفقده أيضاً المزيد من القدرة على المناورة مع أطراف المعارضة في الداخل والخارج. ولعل المتابع للدعوة الحكومة للحوار وموافقة الحوثيين الذي أنهكتهم الحرب يدرك مدى تأثير هذه الضغوط. بل ربما يفقد النظام أكثر لو استطاعت أطراف المعارضة في الداخل والخارج أن تقدم نفسها للخارج والداخل كبديل قادر على إيجاد نظام مستقر في البلد قائم علي المؤسسية وسيادة القانون.

لكن المؤكد في هذه الأزمات كلها أن هناك خاسر واحد وهو المواطن اليمني سواءً كان قتيلاً في الحرب أو الأزمات الأخرى أو مازال يعاني إنفلات الأمن وتدهور مستوى المعيشة وغياب التعليم والصحة ومقومات الحياة الضرورية.