ولكم في كل قطرة دم لشهيد من تعز ألف حجر أساس مما تعدون
بقلم/ محمد البذيجي
نشر منذ: 12 سنة و شهر و 14 يوماً
الأحد 11 نوفمبر-تشرين الثاني 2012 07:33 م

" للبشرية مدن يسكنون فيها .. ولنا مدينة تسكن فينا " ، الشهادة كما الثورة لا تمنح ولا يشارك بها إلا الأنقياء ، كما هو أيضا الوجود والعيش في هذه المدينة .

وأنت تكتب عن ذكرى مؤلمة كـ 11/11/2011 ، بهذا التاريخ العجيب ، وبتلك الجريمة السوداء وغير الغريبة عن نظام استحل الدم والعرض والحرمات ، لا يجب عليك إلا التوسُد بجمال تعز اولاً ، الباكية مرات عديدة في تاريخ وجودها ، وأكثر ما يميِّز هذه المدينة أنها تبكي حين تفقد احد أبناءها البررة ، ما بال والمفقود في هذه الذكرى هم أنبل وأنقى ما أنجبت وربت تعز ..

كانت الشهيدة عزيزة هي المبتدأ وكل قطرة دم لعزيزة المهاجري استلهمت شهادة الأنثى الثائرة من بعدها ..فكانت تفاحة العنتري وزينب العديني وياسمين الأصبحي والطفلة أمل والجريحة مريم الكاتب والجريحة الأخرى زينب المخلافي والشهداء والجرحى الآخرون قدَّس الله شهادتهم ، ولأن الثورة اليمنية تميزت بالتشارك الفعلي للرجل والمرأة على حدٍ سواء ، كانت الشهادة أيضا ، فكان هاني الشيباني شهيداً يُزف إلى السماء مع شقيقاته اللاتي أنجبن الحلم الثوري وعملن على تربيته في مدينة اتصفت بالصمود .

خبرتنا المدينة أن الذاهبون إلى السماء هم شجنها ، هم فقدها الكبير ، هم حزنها الذي لن يبارحها إلا بتحقيق العدالة لدمائهم ، ولن يجف حزنها حتى نرى لها موعداً في البناء والتنمية ، ويا أبناء تعز ،" لكم في كل قطرة دم لشهيد منها ألف حجر أساس مما تعدون "

الشهداء ينتمون للمدينة لكنهم أولا للوطن الكبير ، وما أحقر من ينسُب الشهداء إلى حزب او طائفة جهوية ، ولو علم الشهيد ذلك لرمانا بحجر من سجيل ، حينها ستصيبنا لعنة السماء والناس أجمعين ، فمن كان ولاءه لله ثم للوطن والثورة يكون الشهيد وليُه في الإقتداء والتضحية والفداء من اجل حياة كريمة أرادها ان تتحقق لنا ولأطفالنا ولوطننا اليمني الكبير ..

ما أطيب ذكراكم أيها الأحباء ، وليس هناك اصدق من دموع " فتحي الصوتيات" وهو يذرفها أمام قبر الشهيدات الثلاث ، كنت لا اعرف فتحي حينها لكنني حين اقتربت منه عرفتُ انه يبكي العدالة ، وانه ينتخبها في تصويت الغدر الذي انتهجه الثوار حين ظنوا أنهم سيحققون العدالة بالصندوق ، لكن فتحي ورفاقه الأوفياء كان يعوا جيداً أن العدالة هي ما قررته تفاحة قبل استشهادها .

في شهر فبراير الماضي ، زرت منزل الشهيد هاني الشيباني ، كانت أم هاني حزينة كمدينتها ، لم تعد قوة وشموخ وفاء الشيباني بنتها يكفيان لملمة جراح الأم المكلومة ، تأثرتُ كثيراً وأفراد عائلة هاني يقدمون له سيرة عطرة عن شاب استلهم الحياة والعمل ، اتكأت على عاتقه أسرته الكريمة ، كان الدمع يلمع في خدود الحاضرين ، لكنني تقويتُ حين تذكرت قوة وفاء التي كانت بجانبي ، تذكرتُ ما الذي فعلته هذه الشابة الثائرة .. حين كتبت بدم هاني على جدار صالة منزلها " إرحل يا سفاح "

وفاء التي انشأت منظمة " خلود " لتنتصر وترعى اسر الشهداء من خلالها ، تعتبر درساً في الوفاء والقوة والتضحية ، ليت القادة يتعلمون منها ، وقبلهم الثوار الذين يبارحون وهج الثورة ويلجأؤون إلى الصراعات المقيتة على حساب الدم والهدف الثوري .

تعز تفتقد للشهيدة الحافظـة زينب العُديني ، وتفتقد لعروس الجنة ياسمين الأصبحي ، تحمل اشتياقاً لأم الثورة والثوار وساحة الحرية تفاحة العنتري .. لكن شموخ تعز باقياً ببقاء كبرياء مريم الكاتب وزينب المخلافي وجرحى الثورة وشهداءها الذين يسكنون قلبها العميق وروحها المثابرة في تحقيق السُعد لهذا الوطن الأم .

لبيك يا مدينة الصمود ، الفتية الذين استبسلوا في مواجهة ذلك الصلف الأسود لنظام صالح قادرين على مواجهة صلف " أعداء الثورة " وما أكثرهم ، ومنهم من يعتقد انه الأكفأ لرعاية الثورة وتحقيق أهدافها دون أن يعلم ان رجمة الشهداء قد أصابته من حيث لا يعلم .. ولا يحتسب .

لتبقى هذه الذكرى ميلاد عدالة ، كما أنها ميلاد الوفاء لشهداء أرادوا الحلم فنالوا الجنة ، أرادوا السُعد للأرض فحصدوا الارتياح عند بارئهم .. يخال لي أن كل شهيد وشهيدة منهم يحدقون إلينا بنظرة المشفق والغير راضي علينا و من سلوكنا الثوري بعد رحيلهم .

الاتكال على الساسة في تحقيق الأهداف لا يسمن ولا يغني من جوع البناء ، إذ أن الثورة التي لا تحقق أهدافها بسواعد أبناءها وقراراتهم لا يحترمها الساسة أنفسهم ، السياسة " بلا أدب " ولو كان الشهداء يأملون منها خيراً لما واجهوا كل ذلك الصلف الإجرامي لقوات وبشمرجة علي صالح ، وهذا الأخير مايزال يمارس استفزازه كما يشاء ، لا يمنعه شيء من ذلك طالما والقادة السياسيين قد خلقوا له الأمان المفقود .

العشم وحده في تعز المدينة والإنسان أيها السادة ، لا يجب ان تكون تعز ساحة للخوار والتهاون ، ولا يجب أن تتحول ساحة الحرية التي جهزت الشهداء للجنة إلا مكان لائق لصناعة الأهداف الثورية والبناء للمدينة والوطن بدلاً عن توزيع الخطابات السوداء والوعود التي تُنسى في وقتها .