الطريق إلى دمت
بقلم/ محمد مصطفى العمراني
نشر منذ: شهر و 19 يوماً
الثلاثاء 20 أغسطس-آب 2024 08:54 م
  

قصة قصيرة 

 

انتصف الليل حين وصلت إلى يريم في طريقي إلى دمت ، أنزلني الباص المتجه إلى مدينة إب في الشارع ومضى ، ولأننا في رمضان فقد كانت المحلات مفتوحة وكأننا في عز النهار .! 

تساءلت : 

_ هل سأجد سيارة الآن تقلني إلى دمت ؟! 

وقبل أن أجيب قررت أن أذهب إلى مطعم وأتناول وجبة تسكت جوعي فقد أفطرت وتعشيت في صنعاء عشاء خفيف على عجل فكل همي حينها أن أصل دمت في الليل.

كنت أعاني من الآم شديدة في المفاصل وأريد الاستشفاء بالمياة الكبريتية الساخنة في دمت.

لا أعرف دمت هذه ولكن أحد أقاربي هناك وهو من سيستقبلني في منزله .

حين كنت أتناول الطعام جاءني صاحب المطعم بمشروب غازي لم أطلبه ، وسلم علي وجلس في الكرسي المقابل ثم سألني: 

_ كأني أعرفك يا أستاذ ، هل ألتقينا من قبل ؟

وأضاف : 

_ أكيد قد شفتك لكني لم أعد أذكر أين ؟! 

عرفته بنفسي وحينها تذكر أنه رآني بالتلفاز قبل سنوات .

ظل يسألني عن الأوضاع في اليمن وأجيبه بقولي: 

_ إن شاء الله تنفرج. ربك كريم. 

سألته:

- هل هناك سيارات تذهب إلى دمت الآن ؟ 

أكد لي أنني تأخرت كثيرا ولا توجد الآن سيارات على الماشي.

وعرض علي المبيت في منزله.

شكرته وطلبت منه أن يأتيني بصاحب سيارة أجرة يعرفه كي يوصلني إلى دمت وسأعطيه المبلغ المطلوب.

أجرى عدة اتصالات ولكن دون جدوى.

خرجت إلى الشارع ، أوقفت أول سيارة أجرة وطلبت منه أن يوصلني إلى دمت .

طلب 5 ألف ريال وبعد مفاوضات أعطيته أربعة ألف ريال وانطلقنا.

حين غادرنا يريم كان الليل يلف المكان وبين الحين والآخر تمر بجوارنا شاحنة أو سيارة مسرعة. 

تبدو القرى وكأنها نجوم تنام على الجبال ، نسمات خفيفة تداعب وجوهنا في سكون الليل.

سألني: 

_ لماذا ستذهب إلى دمت ؟

تنهدت وأشرت إلى ركبتي .

- إن شاء الله ستجد العلاج في حمام الأسدي.

- إن شاء الله. 

فوجئت به يسألني: 

- ماذا في الحقيبة ؟! 

ارتبكت فقد كنت شاردا لكني أخبرته أنها ثياب فقط.

وتساءلت في نفسي: 

- لماذا يسألني عن الحقيبة ؟! 

بدأ الخوف يتسلل إلى قلبي ، الحقيبة جديدة وأنيقة وربما ظن أنها مليئة بالنقود ، ربما ظن أنني من المغتربين العائدين بالنقود من الخارج.

وهجمت علي الوساوس والهواجس: 

- ماذا لو أخرج مسدسا كاتم الصوت وقتلني ثم رمى بجثتي على جانب الطريق ومضى ؟! 

مؤكد لن يراه أحد في هذا الليل وسيمضي بفعلته ، وستسجل كحادثة قتل من قبل مجهول.

أنظر إلى السائق فيجتاحني الخوف ، وجهه مجدور وبه ندبة كأنها جرح بسكين ، شاربه كث ، نظراته مريبة ، كأنه الشرير في فيلم درامي.

قررت أن أخبره أن لدي مسدس حتى يرتدع إن كان يفكر في قتلي والاستيلاء على الحقيبة.

سألته: 

_ هل هناك نقاط تفتيش في الطريق ؟

وقاطعته : 

- ما فيش حاجة بس معي مسدس ، سلاح شخصي.

قال يطمأنني: 

- لا تقلق ، في النقاط يعرفوني ويحيوني : 

- يا فندم جوبح أي خدمات ؟

_ اسمك جوبح ؟

_ جوبح مجيديع.

قلت في نفسي: 

_ حتى اسمه مخيف.! 

وأضاف :

_ أنا من رداع ، الأستاذ من وين ؟

- من إب.

- أهلا وسهلا بك ، بلادكم حلوة ، وأنا أحيانا أحمل ركاب إلى إب.

مررنا بقرية فسألته عنها : 

- هذه المنطقة اسمها خاو 

واصلنا طريقنا ، وعندما وصلنا إلى منطقة الذاري أوقفنا شخص ركب معنا ، وبدلا من أن أشعر ببعض الاطمئنان شعرت بخوف فقد كان هذا الشخص ملثما لا تظهر الا عيونه ومدجج بأسلحة تكفي لقتل قرية كاملة.! 

لكن هذا الراكب المسلح لم يلبث أن نزل حين وصلنا الرضمة وعدت وحيدا مع السائق.! 

وانتشلني من ذهولي سؤاله: 

_ إيش يشتغل قريبك في دمت ؟

_ طبيب أسنان.

أخرج من جيبه علبة دواء قائلا: 

_ لم أستطع شراء علاج للقلب ، سعرها أربعة ألف وخمسمائة ريال.

تنهد ومضى يشكو : 

_ درست إخواني وصرفت عليهم منذ طفولتهم حتى صاروا أطباء وأساتذة جامعات ، ثلاثة في روسيا ، وواحد في بولندا واخر في رومانيا وواحد هنا مقاول.

بقيت أرسل لكل واحد مصروفه دولارات حتى توظفوا واستقلوا بحياتهم هناك.

اتصلت بهم كلهم لم يردوا علي ، أرسلت لهم رسائل تجاهلوها .! 

- يا أستاذ ثمن العلاج 8 دولار ، يعني قيمة وجبة سندويتش برجر لطفل .! 

فيما مضى كنت أمين مخازن في المعسكر ، وكانت الدنيا سابرة ، وكنت أستطيع شراء سيارة كل أشهر لكنني فضلت الحلال على الحرام.

كان الضباط يسخرون مني ويسمونني : " الحمار " لأنني لا اسرق وأبيع من تموين المعسكر كما كان يفعل الذي كان قبلي وكما فعل من جاء بعدي.

قلت لنفسي: 

_ حمار ولا الحرام .

أحد الضباط زودها كان يصيح دائما:

_ أين الرداعي الحمار ؟ أين الرداعي الحمار ؟

صبرت عليه لكنه تمادى فثار دمي وهجمت عليه وأشفيت غليلي منه لكن أحد أصحابه رجم له بسكين فجرحني في وجهي.

قاطعته: 

_ كم بقى لدمت ؟

 _ نصف ساعة .

بدأت أشعر بالارتياح وانطلق يشكو من إخوانه ، وفوجئت به يجهش باكيا : 

_ أنا مصدوم لأنهم لا يردوا علي ، تمضي سنوات لا أسمع صوتهم ، كأننا لسنا إخوة ولا كنا في بيت واحدة.! 

فوجئت بالشخص الذي كنت أخشاه وقد تحول إلى إنسان متهالك يبكي بحرقة قطعت قلبي.! 

حاولت مواساته لكنه واصل البكاء كأنه طفل فقد أمه.

حين وصلنا دمت لم أشعر بفرحة الوصول والسلامة بل شعرت بغصة تتكور في حلقي وحزن لا يعلمه إلا الله. 

 

*****