طلاب مأرب يطالبون بقانون يمني ووثيقة قبلية تجنبهم الثأر
بقلم/ مأرب برس
نشر منذ: 15 سنة و 6 أشهر و يومين
الخميس 07 مايو 2009 07:24 م
يقف الثأر من العلم موقف العدو اللدود كون حضور الأخير سيغيب معه الأول غيابا نهائيا ، لذلك يحرص مشجعي الظواهر السلبية وتجار الحروب ودعاة الفتن على إبقاء المجتمع جاهلا يتخبط في ظلمات بعضها فوق بعض ، ونظرا لأهمية رفع درجة الوعي لدى المجتمع فقد كان مناسبا جدا تركيز مبادرة جمعية المستقبل للتنمية والسلم الاجتماعي بمحافظة مأرب على شريحة الطلاب وبالذات الجامعيين للتغلب على تلك الآفة بواسطة السعي لإيجاد تشريعات عرفية وقانونية تقف إلى جانبهم لمواصلة تعليمهم وتحميهم من رصاص الثأر.       وقد يكون من المهم جدا العمل على أن يأخذ المجتمع زمام المبادرة في إنجاح حملة الجمعية وتذكيره بما قام به خلال النزاعات القبلية من توظيف الأموال والمدخرات لشراء الأسلحة والذخائر وإهدار جهود وطاقات الشباب في ترميم ما خربته الحروب القبلية سواء في المنازل أو المزارع ، وتوجيه استفسارات منطقية حول ما إذا كان ذلك المجتمع الذي قام بكل تلك الأعمال التي جلبت له المآسي والدمار لديه استعداد على إيجاد تغيير فعلي في واقعة الثقافي والاجتماعي والتعاون مع أبنائه ليأخذوا حقهم في التعليم وهم آمنين ، وإذا قام الجميع بدعم تلك الخطوة فإنهم يضعوا أقدامهم في مشوار الألف ميل ، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح للتسلح بالسلاح الأقوى والأقدر وهو العلم .  الدكتور بكيل الولص نائب عميد كلية التربية والآداب والعلوم بمحافظة مأرب يقول أن إقبال الطلاب على التسجيل والدراسة في الكلية دليل وجود وعي لدى المجتمع بأهمية التعليم و التأهيل الأكاديمي .  غير أنه لا يرى أن ذلك كفيل بالقضاء على ظاهرة الثأر باعتبارها قضية معقدة ويعاني منها المجتمع اليمني بشكل عام ، خصوصا وأن هاجس الثأر لا يفارق مخيلة بعض الطلاب بسبب نزاعات قبيلتهم مع قبيلة أخرى. قناعات الطلاب أولا:   مبادرة جمعية المستقبل لا يمكنها القضاء على ظاهرة الثأر واستهداف الطلاب الجامعيين لكنها بذلك ترمي الكرة في مرمى المجتمع بكل فئاته وشرائحه ومكوناته الاجتماعية ويعتمد نجاح حملة التخفيف من آثار النزاعات القبلية على الطلاب على درجة إصرار المجتمع على الإنتصار للعلم ضد الجهل وللحضارة والقيم الانسانية ضد التخلف والبدائية . لذلك يرى الدكتور الولص أن ذلك يعتمد على الطلاب أنفسهم ومدى قناعتهم بمحاربة الثأر وقبل أن نعمل على تجريم المساس بالطلاب يجب أن يقتنعوا بأن استهداف رصاصات الثأر لهم جريمة وأن المشاركة في أي عمل من ذلك النوع هو ظلم منهم لأنفسهم .

يشير الولص إلى أن الكلية التي تضم طلابا من مديريات وقبائل شتى بينهم نزاعات وقضايا ثأر ساهمت في تقريب وجهات نظر الطلاب ، واجتماعهم في قاعات دراسية بشكل يومي كان له أثر إيجابي في تعميق أواصر الألفة والمحبة والأخوة ، وذلك قد يكون يوما ما عاملا مهما في القضاء على آفة الثأر إذا عمل الطلاب في اتجاه اقناع قبائلهم بأن الثأر جريمة ويجب أن تنتهي ، ولا ننسى أن الطلاب هم جيل المستقبل .

هل سيكتب النجاح لوثيقة تهجير الطلاب ؟
لا شك ان الوصول إلى تهجير الطالب واعتباره (حرما) ، وإقناع مشائخ القبائل بالتوقيع على وثيقة تهجير قبلية تجرم استهداف الوصول إلى الطلاب هو عمل جبار قد تعترضه العديد من الصعوبات والمعوقات كون الثأر بات ثقافة معشعشه في أذهان عدد كبير من الناس ، وولي الدم لا هم له سوى أخذ ثأره من خصومة بغض النظر عمن سيكون المستهدف برصاصة ثأره ، لذا كان لا بد من إعادة الإعتبار للعرف القبلي وربط الناس بعاداتهم وتقاليدهم القديمة التي تحرم استهداف فئات معينة والإعتداء في أماكن معينة ، مع الأخذ في الإعتبار أن تغيير القناعات وانتقاد الثقافات يجب أن تسبقه إشادة بالصفات الحميدة والقيم التي يعتبرها المجتمع محل إعتزاز.

وانطلاقا من كون القواعد العرفية هي أداة ضبط اجتماعي لدى القبيلة فإن الملاحظ أن تلك القواعد تعاني من عدم الالتزام بها من قبل بعض أفراد القبيلة ، وعادة ما يعمد البعض إلى خرقها في حال إدراكه أنها ليست في صالحة وفي ظل هكذا ظروف كيف يمكن تصور نجاح وثيقة التهجير التي تسعى الجمعية إلى الوصول إلى توافق حولها من كافة قبائل مأرب؟

يؤكد الأخ / محمد الصالحي أمين عام الجمعية أن قرار القبيلة يعتبر ملزم لكافة أفرادها والخروج عنه يعتبر خروج عن القبيلة باعتبار أن المصلحة العامة للقبيلة مقدمه على مصالح الأفراد الذين لا يملكون حسم قضاياهم بعيدا عن رؤية موحدة للقبيلة .

ويتابع قائلا : هناك عرف كان سائد في مأرب يحرم الاعتداء على دور العلم والعبادة والأسواق والأماكن العامة ويحرم أخذ الثأر أو الإعتداء على المرأة أو الطفل لكنه اندثر ونحن اليوم نسعى إلى إحيائه وبدأنا بالسعي إلى تهجير الطالب وساحات التعليم ونبحث عن وسائل حماية للطلاب الذين نعتبر أنهم قد يكونوا صيدا سهلا لجريمة الثأر وننطلق من خلال توجيه حملة توعية إلى المجتمع بأهمية التعليم وكيف أنه لا يمكن أن يؤتي ثماره المرجوه في ظل وجود الثأر ولا يمكن أن يتعلم طلابنا في أجواء لا يشعرون فيها بالأمان . يشير الصالحي الذي يدير تحرير موقع مأرب برس أحد شركاء الحملة الإعلاميين أن مخاطبة عواطف المجتمع والتركيز على إزالة الترسبات الموجودة في عقول الكثير منهم عبر رسائل إعلامية ومواد صحفية مركزة وتنويع تلك الوسائل بما يتوافق مع تنوع رغباتهم ومراعاة الوضع الاجتماعي العام بإمكان كل ذلك أن يؤدي نتائج إلى الحصول على نتائج إيجابية تخدم الحملة ومبادرة الجمعية.

يبدو الصالحي أكثر تفاؤلا عند حديثه عن المبادرة ووثيقة التهجير حيث يقول أن هناك تجربه سابقة لقبائل مأرب في ذلك المجال بعد توافقهم على إبعاد المهندسين العاملين في الشركات النفطية وغيرها عن النزاعات القبلية وعدم استهدافهم في قضايا الثأر بأي حال من الأحوال حتى في أوقات انتهاء الأصلاح القبلية ، ومرت سنوات طويلة لم نسمع خلالها عن استهداف أي مهندس من قبل أي قبيلة ، فإذا أخذنا في الإعتبار أنه قد تم إقرار ذلك الإجراء وفقا لمنظور مادي من شأنه عدم عرقلة عمل ذلك المهندس الذي يدر عليه مبالغ مالية ضخمة ، فإنه يتحتم علينا العمل لإقناع الناس أن توفير جو آمن للطلاب وإبعادهم عن الثأر هو الذي سيمنحهم القوة الحقيقة وهو رصيد مادي ومعنوي للقبيلة .

  الطلاب يساندون الحلول :  عدد من طلاب كلية التربية والآداب والعلوم بدوا أكثر تفاعلا حينما عرفوا صفتي وغرض الزيارة للكلية وامتدحوا كثيرا مبادرة الجمعية وأعلنوا عن التزامهم بأن يكونوا سفراء للحملة في مناطقهم ، مع العمل بإخلاص وجهد حقيقي من شأنه إخراج الوثيقة إلى النوروالقيام بدور حقيقي يساهم في تنفيذها على أرض الواقع. الطلاب يؤكدون على ضرورة العمل على تقوية سلطة القانون بإلتزامات قبلية بناء على قواعد عرفية يجب تجديدها لتجنيب الطلاب قضايا الثأر وإزالة آثاره السلبية على العملية التعليمية ، ومع تركيزهم على ضرورة إيجاد قانون يمني يجرم استهداف الطلاب ويضع مرتكبيه تحت طائلة المسائلة إلا أن اتفاق القبائل على عقوبات صارمة وغرامات مادية كبيرة على مرتكبي تلك الجريمة سيكون أكثر جدوى ، وإذا وجد قانون ووثيقة قبلية تدعمان ذلك العمل فإن أحدا لن يكون بمقدوره الإقدام على ارتكاب ذلك الجرم. رؤية قانونية حول القضية

وفي ذلك الإتجاه يقول القاضي / يحيى الماوري عضو المحكمة العليا عضو اللجنة العليا لمعالجة قضايا الثأر أن الدستور اليمني تضمن في عدة مبادىء نصوصا واضحة وصريحة على اعتبار العلم حقا من حقوق المواطن اليمني ، ومن ثم فإن الإعتداء على هذا الحق أو حرمان أي مواطن من الحصول عليه يعتبر إعتداء على الدستور وانتهاك لحق من حقوق الإنسان ، وقد انعسكت تلك المبادىء في نصوص قانونية عديدة أهمها قانون التعليم العام وقانون المعلم وقانون حماية الطفولة وقانون العقوبات ، وقد تضمنت الاستراتيجية الوطنية لمعالجة قضايا الثأر تعديل وإضافة بعض المواد القانونية إذ أنه لم يعالج القانون جرائم الثأر بنصوص خاصة أو يميزها بشروط وأحكام مستقلة كجريمة نوعية وقد يرجع ذلك في تقديرنا إلى أن لجنة التقنين لم تنظر إلى الآثار والمخاطر التي تخلفها جرائم الثأر فأخضعتها للنصوص والأحكام الخاصة بجرائم القتل العادية التي تعتبر الثأر في حكم القانون إما جريمة قتل أو شروع فيه غير أن الصفة الثأرية التي تنطبع بها جريمة الثأر تجعلها جريمة مركبة من عدة أوجه وتضفي عليها الظروف المشددة.

يؤكد القاضي الماوري في ورقة عمل بعنوان الحماية الاجتماعية والقانونية لدور العلم وطلابه أن من قواعد العرف الأصيل الملتزم بحدود الشرع تحريم الاعتداء على حرمة دور العلم والعلماء وطلاب العلم ويعتبرون من أبرز الفئات والأماكن المهجرة التي تتمتع بحصانة عرفية قوية وتطبق على المعتدي الأحكام المغلظة طبقا للأعراف السائدة في كل قبيلة ، ونظرا لعدم احترام القواعد العرفية الأصيلة التي كانت تشكل ضوابط صارمة للحد من قضايا الثأر حين كان لها قوتها الإلزامية في مواجهة الفرد والجماعة .. أصبح الطلاب اليوم هدفا لجرائم الثأر.

ويرى الماوري أن المعالجة الجذرية لتلك المشكلة تحتاج إلى دراسة الجوانب التشريعية للقوانين العقابية ودى فاعليتها في تحقيق الردع الكافي للجريمة ، ومراجعة المناهج التعليمية وإضافة المواد التي تساعد على تكوين شخصية الفرد وتهذيب نفسيته والعمل على إيجاد المعلم القادر على بناء الشخصية المتوازنة للطالب وغرس قيم الخير والمحبة في نفسه ورفع المستوى الثقافي والتعليمي وتوسيع قاعدة محو الأمية في صفوف الكبار، وكذا إعداد المواد الإرشادية لخطباء المساجد والندوات والمحاضرات الدينية بما يغطي جوانب الجريمة والثأر، ووضع البرامج الإعلامية والتثقيفية التي تعمل على نشر الوعي والثقافة المؤثرة في سلوك الأفراد ، مع ضرورة إحداث تنمية إقتصادية واجتماعية وايجاد ضمانات حقيقية عبر مؤسسات الدولة لتحل محل الضمانات القبلية وأهمها الضمانات الأمنية والقضائية لتحقيق عدالة جنائية.

ويتساءل القاضي أين دور المجتمع بمؤسساته وهيئاته العلمية والتربوية وأجهزته الإعلامية الرسمية والحزبية والأهلية ، ثم أين دور أبناء المناطق التي تعاني من الثأر، وماهو دور المجالس المحلية وأين دور المجتمع المحلي في المناطق المتضررة من ظاهرة الثأر يحملهم المسئولية المباشرة نحو أنفسهم قبل غيرهم في البحث عن حلول ومعالجات جدية للخروج من هذه المحنة.   

* ينشر بالتزامن مع النداء