اختراق أمني خطير يكشف أسرار أكبر شركات الذكاء الاصطناعي في العالم
تصريح جديد لوزير الخارجية السعودي بشأن التوقيع على خارطة الطريق اليمنية
الاعلان عن تهديد بيئي كبير لليمن ومنظمة بحرية دولية تطلق مناشدة عاجلة الى المجتمع الدولي
بيان يكشف ماذا أخبر نتنياهو بايدن خلال اتصالٍ هاتفي.. يتضمن قراراً مهماً
حزب الإصلاح يتحدث عن معلومات مؤكدة تكشف عن مصير المناضل محمد قحطان المختطف لدى المليشيات
الصراخ على قدر الألم..سيّد الحوثيين يبوح بأوجاعه جراء قرارات مركزي عدن
تحذير عاجل وهام ..الشعور بالتعب في هذا التوقيت إشارة لنقص فيتامين مهم بالجسم
البنك المركزي اليمني يضرب بيد من حديد ويوقف تراخيص 15 منشاة للصرافة خلال 24 ساعة
صيدلية متكاملة و كنز رباني .. هذا النوع من الطعام يقوي الذاكرة ويغذي المخ ويحسن بنية الدماغ
وزارة الداخلية السعودية تعلن تنفيذ حكم القتل قصاصا بحق مواطن يحمل الجنسية اليمنية
هناك أمكنة يكتنفها شيء ما، غير عادي. ففي لحظة زمنية معينة، يكف المكان عن كونه متسعاً جغرافياً جامداً، ليغدو -في الوعي- كائناً ملهِماً، له روحه وجوهره المعنوي والأخلاقي.
بطريقة أو بأخرى، تنطبق هذه المقاربة على ردفان. فقد أحرزت معناها الرمزي والدلالي بعدما احتضنت بذرة المقاومة الأولى للاحتلال البريطاني عام 1963.
طبقاً لبعض المصادر التاريخية، فإن ردفان ظلت بمنأى عن سيطرة السلاطين والإنجليز معاً. لقد كانت خاضعة لحكمها الذاتي على الأرجح.
بعيد اندلاع ثورة 26 سبتمبر في شمال اليمن، انخرط الكثير من رجال ردفان في قوات الصف الجمهوري. كان على رأسهم الشيخ راجح بن غالب لبوزة.
أمضوا بضعة أشهر في جبهات القتال الشمالية، ولا بد أنها كانت مدة كافية كي يتمرس المرء على
قواعد القتال المنظم.
وحسبما يذكر شاكر الجوهري في كتابه "الصراع في عدن"، فإن لبوزة قفل عائداً إلى ردفان وبمعيته رجاله المحاربين.
كان الإنجليز ينتظرون عودة هؤلاء المحاربين بفارغ الصبر.. وبحزمة من القرارات أيضاً. حيث أصدروا للتو أوامر بتسليم أسلحتهم "وضم بلدهم( ردفان )، الذي كان حتى ذلك الحين بعيداً عن نفوذ الإنجليز والسلاطين، إلى إمارة الضالع المجاورة لهم، والتي كان يحكمها أميرها شعفل، وهو أحد أكثر أعوان الإنجليز ضمانة"، وفقاً لكتاب الجوهري.
بدا تصرف الإنجليز هذا بمنزلة عود ثقاب ضئيل الشأن، لكنه كان كفيلاً بإضرام الحرائق في كل حدب وصوب. لقد كانت الروح القتالية لدى الشيخ لبوزة ما تزال في أوجها يومئذٍ، فهو العائد الطري من خضم المعركة.
بالطبع، رفضت قبائل ردفان تماماً الانصياع لمشيئة الإنجليز. وفي 14 أكتوبر 1963 وجدوا التعبير المناسب عن الشعور بالرفض الذي تجيش به نفوسهم: قرروا خوض تمرد مسلح بالقدر المتاح من العتاد، وقدر عال من نفس ثوري منقطع النظير.
يقول الجوهري في وصفه لقبائل ردفان: "لقد كانوا مفطورين على القتال منذ نعومة أظافرهم، وكانوا معتادين على اعتبار حمل السلاح دلالة مألوفة على بلوغ سن الرشد. وكانوا قناصين بالغريزة مع مقدرة رائعة على المتابعة".
لقد ثارت ثائرة الإنجليز بالتأكيد. وفي 18/10/1963 شنت القوات الاتحادية غارات عنيفة بالطائرات، في حين كانت قوات المشاة تتحرك على الأرض مسنودة بالدبابات والمدافع الثقيلة والهاون.
ورغم أن الشيخ راجح لبوزة قضى في تلك الغارة، إلا أنها- بالنسبة للإنجليز- على مستوى الإنجاز العسكري منيت بالفشل. وعشية عام 1964 حرك الإنجليز حملة عسكرية أطلقوا عليها هذا الاسم: "كسارة اللوز".
ومثلما يقول الجوهري، فقد اشتركت في هذه الحملة 3 كتائب من الجيش النظامي الاتحادي، وسرية آلية، وفصيلة "خيالة"، ودبابات من طراز "سنتوريوت"، وبطارية من مدفعية الحراسة الملكية، وما مجموعه 3-4 آلاف جندي. فضلاً عن 6 طائرات عمودية من طراز "فيسيكس".
لكن "كسارة اللوز" أخفقت هي الأخرى. وإذ ظن الإنجليز أنهم تمكنوا من سحق التمرد في ربيع 1964، فقد قرروا مغادرة ردفان. غير أن المقاتلين استعادوا سيطرتهم على الأمور بعد فترة وجيزة فقط.
ثم تتالت الحملات الواحدة تلو الأخرى. بيد أن الردفانيين أظهروا في كل مرة صموداً واستبسالاً خارقين.
ومذّاك أصبحت ردفان اختصاراً مكانياً للثورة. وصار عليها أن تتخذ موقع الصدارة كلما باتت الأمور تسير في الاتجاه غير الصحيح.
لم تكن القوة يوماً عامل حسم نهائي، أبداً. صحيح، عندما تتعذر السياسة يلجأ الخصوم للتقاتل، لكن في نهاية المطاف لا يبدو القتال أكثر من وسيلة ملحة واستثنائية لإعادة الأشياء إلى مربع السياسة بالذات.
الآن تنتفض ردفان وتتململ، حتى ليخال المرء أننا بصدد إعادة تمثيل متقنة لمقاطع من التاريخ الذي لم تجف أحباره بعد.
والمؤكد أن الاستنفار العسكري لن يفعل أكثر من إذكاء العنف. فلقد أخفقت "كسارة اللوز" قبل ذلك.
إنه ما من حل سوى السياسة. فردفان وحدوية أكثر من أي مكان آخر. وحين أشعلت قبائلها فتيل ثورة 14 أكتوبر، كان الأمر بمثابة الفعل الوحدوي الأول. إنها تقاوم الانفصال على طريقتها.
ولئن بدت مواجهة المطالب بالقوة مدانة وغير معقولة، فإن العنف الذي يبدر من المتظاهرين لا يعدو كونه سلوكاً متهوراً وجنونياً، لا يقل في تهوره وجنونه عن ما تقوم به السلطة.