العدالة الانتقالية في اليمن
بقلم/ د.خالد عبدالله علي الجمرة
نشر منذ: 12 سنة و 6 أشهر و 11 يوماً
الجمعة 15 يونيو-حزيران 2012 06:26 م

بإشهار المركز اليمني للعدالة الانتقالية وبرعاية دولية في مدينة تعز حيث المقر الرئيس للمركز تكون العدالة الانتقالية باليمن قد قطعت شوطاً كبيراً على طريق التنظيم والترتيب للجهود المستقبلية الطوعية ذات العلاقة بالعدالة الانتقالية ،

إن مهمة المركز لا تبدأ عند رصد الجرائم المرتكبة خلال الفترة المنفرطة السابقة عبر مجموعة من أساتذة القانون والمتخصصين في الشؤون الاجتماعية والمنظمات الحقوقية فحسب ، بل يتعدى ذلك ليصل إلى تحالف عريض مع منظمات حقوقية وعدلية واجتماعية داخلية، وكذا تعاون وثيق مع المنظمات الدولية ذات العلاقة تتقدمها الأمم المتحدة من خلاله سيسعى المركز للضغط على الحكومة اليمنية وفق مبادئ القانون الدولي لأجل محاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة خلال حقبة النظام المنفرط وهؤلاء المسؤولين لا يُمكن أن يفلتوا من العقاب الدولي مهما تمتعوا بأي نوع من الحصانة إذ أن أهم مبادئ المحاكمات الدولية التي أقرتها الأمم المتحدة - خلال تاريخ طويل لإنشاء المحكمات الدولية المؤقتة والدائمة تتوجت بقيام محكمة الجنايات الدولية وفق هذا المنظور وتأسيساً على هذه المبادئ- هي أن لا حصانة لأي مسؤول محلي ارتكب او ساهم أو شارك في ارتكاب جرائم تدخل ضمن اختصاص محكمة الجنايات الدولية عن المحاكمة الدولية بما فيها الحصانات السياسية كحصانة رؤساء الدول والحكومات والوزراء والحصانات الدبلوماسية أو الحصانات الممنوحة باتفاقيات داخلية خاصة كالحصانة الممنوحة للرئيس السابق صالح بموجب قانون محلي أصدره البرلمان اليمني في ظروف تعطيل الدستور وقد مرت مراحل إنشاء المحاكم الجنائية الدولية بخطوات متأنية حتى وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم ، فأولى المحاكم الدولية كانت في القرن الخامس عشر عندما شكلت للمرة الأولى في 1474 محكمة دولية خاصة ( ad hoc ) مؤلفة من 27 قاضياً من ألمانيا وسويسرا والنمسا وهذه المحكمة كانت الوحيدة على مدار أربعين سنه ، إذ لم تطرح فكرة إنشاء محكمة دولية بعد ذلك إلا في أوائل القرن التاسع عشر من خلال الصليب الأحمر الذي تقدم في 1872 بمقترح لمحاكمة المجرمين بعد أن وجد أن العقوبات المعنوية والتعويضات غير كافية ليسترد الضحية أو أقاربه حقم المعنوي وقيمتهم الإنسانسة المهدورة ، فأنشئ الحلفاء المنتصرون إبان الحرب العالمية الأولى لجنة تحقيق دولية ، ثم نصت معاهدة فرساي على إنشاء محكمة جنائية خاصة لمحاكمة قيصر ألمانيا وقتها لتسببه في إشعال الحرب والقيام بانتهاكات كبيرة ، كما نصت على محاكمة ضباط الجيش الألماني أمام المحاكم العسكرية التابعة لدول الحلفاء.

وسمحت تجربة محكمة نورنبرغ بالشروع بجدية بتطوير أفكار جديدة لشكل واختصاص المحاكمات الجنائية الدولية كان أهمها اقتراحاً تقدم به عام 1947 القاضي الفرنسي هنري دونديو دوفابر ، وكان عضواً في تلك المحكمة، ويهدف إلى إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة .

ثم توالت جهود الأمم المتحدة لأجل ذلك، وكان من أبرز نتائجها:

ـ إنشاء لجنة الخبراء المشكلة بناء على قرار مجلس الأمن رقم 780 للتحقيق في جرائم الحرب وانتهاكات القانون الإنساني في يوغسلافيا السابقة (1992)، وإنشاء محكمة جنائية خاصة في 8/11/1994 ،إذ أصدر مجلس الأمن قراره رقم 955 بإنشاء محكمة جنائية دولية لرواندا ومركز هاتين المحكمتين مدينه لاهاي بهولندا .

ـ وفي 27/8/1998 أصدر مجلس الأمن القرار 1192 ، وفيه رحب بالمبادرة المتعلقة بمحاكمة الليبين الموجهة إليهما تهمة تفجير اسكتلندية أمام

محكمة اسكتلندية تعقد في هولندا لهذا الغرض، بعد قرارين سابقين نصا على عقوبات اقتصادية على ليبيا ، إثر حدوث هذا التفجير.

وفي الوقت ذاته كانت دوائر الأمم المتحدة وخبراؤها يعكفون على مسألة إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة ، لايقتصر اختصاصها على بلد محدد أو

حالة خاصة،وتوجت هذه الجهود بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية ( La Cour penale international ) عندما صادقت 120 دولة على نظام المحكمة المعروف بنظام روما في 17/7/1998 ، وهذه الأخيرة لاعلاقة لها بمحكمة العدل الدولية .

وبتتبع هذه الخطوات يمكن بسهولة معرفة أن المجتمع الدولي فضل مساءلة ومحاكمة المجرمين المتسببين بحدوث انتهاكات على اللجوء إلى التعويض وجبر الضرر معنوياً كوسيلة لإغلاق ملفات الانتهاكات الجنائية ذات الطابع السياسي.

وفي هذا الصدد كان المركز اليمني للعدالة الانتقالية قد التقى ببن عمرو مبعوث الأمم المتحدة ومساعديه غير مره خلال الفترات السابقة من خلالها استطاع المركز أن يحصل على وعود دولية أكيدة بدعم المجتمع الدولي لإصدار قانون للعدالة الانتقالية ، يضمن إقفال ملفات انتهاكات الماضي باليمن وعندما أعدت حكومة المصالحة الوطنية قانون لهذه المصالحة رفضه المركز في وقته وقدم مجموعة من الاعتراضات القانونية الى الجهات المحلية المعنية ، وكذا الجهات الدولية طالب من خلالها بتطبيق المعايير الدولية للعدالة الانتقالية في أي قانون يصدر في اليمن بهذا الشأن. وبضرورة توسيع القاعدة الشعبية المعنية للتشاور حول فصول وبنود هذا المشروع.

إن مفهوم العدالة الانتقالية لا يعني المصالحة فقط بل هو قانون بالأساس يرمي إلى طي ملفات الماضي وفق هدف مهم وغاية سامية تهدف

جميعها إلى ضمان عدم تكرار هذه الانتهاكات بالمستقبل ، وهذا لن يتم إلا بترسيخ مفهوم المحاسبة داخل وجدان الناس على اعتبار ان المحاسبة لن تستثني أحد وانها ستحدث حتماً لا محالة ، كون التعويض أي نعم قد يجبر ضرر فرد ما تعرضت قيمته الإنسانية لانتهاك ، لكنه حتماً لا يمكن أن يضمن عدم تكرار ارتكاب مثل هذه الانتهاكات ، بل يمكن القول انه سيشجع مستقبلاً على قيام انتهاكات جديدة ، إذا كان يعلم المهيئون لارتكاب مثل هذه الانتهاكات أنه في الأخير لن يحاسب أحد كما انه لن يدفع أي تعويض من ماله الخاص لجبر الانتهاكات التي قد يقوم بها.

وحتماً ستكون مسيرة المركز اليمني للعدالة الانتقالية مستقبلاً إن شاء الله ملبية للشريعة الإسلامية الغراء ومحققة لطموحات العدالة الدولية وعامل دافع إضافي لتطوير مفهوم العدالة ككل وترسيخه كقيمة حميده داخل وجدان المجتمع

* عضو المركز اليمني للعدالة الانتقالية

وعضو المؤتمر الأفريقي العالمي للعدالة الجنائية