أول دولة عربية تعلن عن عفو رئاسي يشمل نحو 2.5 ألف محكوم وسجين خليجي 26: البحرين أول المتأهلين بعد فوزها على العراق والمباراة القادمة أمام اليمن فرار عشرات الطلاب من أكاديمية حوثية للتعليم الطائفي في صنعاء .. سقوط بشار يربك محاضن المسيرة الطائفية عاجل: صدور قرار لرئيس مجلس القيادة وكيل أمانة العاصمة يدعو وسائل الإعلام لمواكبة معركة الحسم بروح وطنية موحدة شاهد الأهداف.. مباراة كبيرة لليمن رغم الخسارة من السعودية مصادر بريطانية تكشف كيف تهاوى مخطط تشكيل التوازنات الإقليمية بعد سقوط نظام الأسد وتبخر مشروع ثلاث دول سورية توجيه عاجل من مكتب الصحة بالعاصمة صنعاء برفع جاهزية المستشفيات وبنوك الدم وتجهيز سيارات الإسعاف ما حقيقة خصخصة قطاعات شركة بترومسيلة للاستكشاف النفطية في اليمن أبرز خطوة رسمية لتعزيز الوسطية والاعتدال في الخطاب الديني في اليمن وزير الأوقاف يفتتح أكاديمية الإرشاد
تتولى هذه المقالة الإجابة المنهجية عن سؤال مشروع
نتعامى عن الإجابة عنه ويتمثل في الآتي :
من هم العلماء ؟
وما العلاقة القائمة بين المفردات المتقاربة التالية:
« المتعلم ، المثقف ، الباحث ، المفكر ، العالم ، الفيلسوف»
وما هو الترتيب المفترض لهذه المفردات المتماسة ؟.
سأترافع أمام القارئ الحصيف بدلالتين لتناول الموضوع:
الدلالة الأولى : الانتحال التاريخي لصفة العلماء : لقد تناولت موسوعة القاضي الأكوع «هجر العلم ومعاقله في اليمن آلاف الشخصيات» على اعتبار أنهم علماء وقد تشابهت قوالب التعريف بهم على نحو كهذا لوصف شخصياته: «فلان ...العالم العلامة الفهامة الجهبذ ...الخ» وبقراءة نقدية لمنتجات هذه الشخصيات لم نجد علماء ولم نجد علما ، مع أن المنطق يقول أن العالم رديف للعلم ، فنحن نطلق صفة الشاعر على من ينتج الشعر « كتابة إبداعية » ويعرف بحوره وقواعد اللغة، عندها يستقر وصفه شاعرا في الوعي الثقافي العام. بينما كل من يلقي الشعر بصوت رخيم أو يحفظه أو يمارس النقد لا يخوله ولا يمنحه صفة الشاعر.
وكذلك الشأن في العلوم الإسلامية فكل مطلع على نتاج الفقهاء والمحدثين والمؤرخين وحفظ المتون، ومهما بلغ مدد اطلاعه الواسع فلا يستحق أن ينال صفة العالم ما لم يكن منتجا للعلم بنفسه مستفيدا ممن سبقوه ومضيفا إليهم شيئا من نتاجه الخاص بقضايا يفرضها الواقع المتجدد من جهة والمساحة الواسعة في الشريعة من القضايا المسكوت عنها باعتبارها شأنا بشريا لا منزلا سماويا من جهة أخرى.
الدلالة الثانية: علماء اليمن : برزت على السطح ظاهرة جديدة في بلادنا حيث يستعمل الدين كمحرقة للصراعات السياسية والفكرية والأيدلوجية، فنقرأ بيانا على نحو ما، ممهور بتوقيع « علماء اليمن » ونحن المسلمين معنيون بهذا البيان فهو موجه إلى عمومنا، كان أبرز هذه البيانات تكفير الدستور العلماني في حملة الاستفتاء عام 1991 ، وقد صدر منشور ممهور بتوقيع من أطلقوا على أنفسهم « علماء» ولأني كنت أجري بحثا في العام 1992 حول حرية الصحافة في اليمن بعد الوحدة تناولت موضوع الصراع على الدستور في الصحافة اليمنية تفحصت أسماء الموقعين على الوثيقة فوجدت من بين الأسماء عقال حارات وشخصيات تقليدية وبعض خطباء الجمعة ومدرسي التربية الإسلامية ومعظمها شخصيات لا يمت أصحابها بصلة إلى العلم والعلماء.
وفي الآونة الأخيرة برزت سجالات فكرية وجدل ثقافي متضاد بين تيارين : الأول تيار الوهابية الوافدة من نجد وتيار الوسطية كنهج إسلامي مستقر بثبوت النص « وكذلك جعلناكم أمة وسطا » من عامة المسلمين المنسجمين مع فطرتهم السليمة. واستعمل البعض الدين كوقود تقليدي للصراع حول قضايا تحيد سن زواج الصغيرات، وكان آخرها بيان « علماء اليمن» ولا ندري من هؤلاء العلماء وأين علومهم؟ ولماذا نحن شعب متخلف وهذه الكوكبة من العلماء بيننا - إن كانوا حقا علماء ؟..
وعلى غرار علماء اليمن، هناك علماء الوهابية في الجزيرة وهم بحق يستحقون بجدارة لقب « الخوارج الجدد » أو علماء السلطان ، ولست بصدد إثبات أنهم علماء أو ليسو علماء ، لكنني أود التنويه إلى قضية غاية في الخطورة وهي : أن الناس يتلقون عموم الأحكام الشرعية ويتعلمونها من أناس يطلق عليهم مجازا علماء ، وهذه الصفة العلمية المطرزة (بكسر الراء) لمكانتهم تمنح أقوالهم صفة الشرعية والقداسة في آن : فهل ما نتلقاه هو اجتهاد علماء أم انتقاء تراثي مضطرب لتوجه دعوي ووعظي إرشادي لأناس وضعوا أنفسهم خطأ في مقام العلماء وهم أنقص من أن يتصفوا بهذه الصفة .
فمن هم العلماء ؟ بناء على محددات منهجية نقدية يجدر الجميع إدراكها للتمييز بين من نأخذ منه أحكام الشريعة القطعية والفتاوي الاجتهادية وغيره من المتنطعين.
من المفيد التنبيه إلى أن العلم (ابستومولوجيًا) ينقسم إلى:1- علوم الإنسان – وعلوم الأديان جزء منها – 2- وعلوم الطبيعة (المادة). وهذا التفريق الذي أوردناه للتوضيح فقط حول صعوبة اكتساب صفة العالم في حقل العلوم الإنسانية بينما ببساطة بالغة بوسع الشخص أن يكتسب صفة العالم في حقل العلوم الطبيعة لأي منجز علمي مهما كانت بساطته.
وفي كلا الحقلين المعرفيين الواسعين فإن ارتقاء السلم العلمي والمعرفي للإنسان السائر في طريق العلم سيطول سيره في ترقي كل درجة علمية بالتتالي على سلم من ست درجات متصاعدة نستعرضها تباعا:
الدرجة الأولى : المتعلم المبتدئ: وهو كل من يتعلم أصول القراءة والكتابة وعموم المعرفة على يد الغير، وهذه صفة يدخل فيها جميع المتلقين للمعرفة ويطلق على صاحبها متعلم مبتدئ ، من خصائصه أنه محتاج إلى من يتلقى منه العلوم ويقوم بهذا الدور: المعلم (المدرس) أو المربي أو الداعية، ولا غنى له عن الغير في التعلم. ويشمل هذا كل إنسان كبير أو صغير يسعى للتعليم في مدرسة أو مركز للكبار أو مسجد أو حلقات علمية، بدءا بالقراءة والكتابة،كما ينطبق هذا الوصف على طلاب المراحل الدراسية ما قبل الجامعة. وهذه المرحلة مهمة للانتقال إلى درجة أعلى في التعليم.
الدرجة الثانية : المتعلم المتخصص : وهو الشخص القادر على التعلم الذاتي ولا غنى له عن المعلم والموجه، وسميناه متخصصا لأنه يعكف على دراسة فرع من فروع العلم، أي أنه يتعلم نوعا واحدا من المعرفة ليصبح قادرا على نقل المعلومات التي يكتسبها للغير، فيمارس وظيفة المعلم والمدرس والمربي أو الداعية...الخ، ومع التراكم في التعلم يكون قادرا بجدارة على إعادة نقل المعرفة واستعمالها وشرحها وتفسير موضوعاتها للغير في إطار تخصصه. وبكل تواضع نطلق على هؤلاء صفة:« متعلمين مثابرين » متخصصين يتميزون عن سواهم باكتساب تقنيات المعرفة فهما وتحصيلا، ويشمل هذا: طلبة العلم المواصلون للدراسات الجامعية وما بعدها وما في مستواهم ممن تحصل على التعليم بطريقة تقليدية على شيوخ التعليم التقليدي في المساجد والمراكز العلمية، ولا ينطبق عليهم صفة « العالم » مهما بلغوا من التحصيل المعرفي ومهما حفظوا من تراث غيرهم السابقين والمحدثين والمعاصرين، ويمكن أن يشار إلى بعض هذا النوع من الناس بالمثقفين سواء في مجال معين من المعرفة أو المعارف العامة والمتخصصة. وهذه المرحلة هي مرتقى إلى الدرجة التالية.
الدرجة الثالثة : المثقف : وهو الشخص النهم في اكتساب المعارف التخصصية والعامة بدافع من ذاته ويقدم نفسه للناس ومحيطه الاجتماعي بصفة المثقف لتميزه عن غيره بالثقافة والاطلاع الواسع حتى أنه يتمكن من الإجابات على أسئلة بالغة التخصص. وصفة المثقف تطلق على كل من تتحقق فيه صفة الاطلاع المضطرد للمعرفة جديدها وقديمها. ولا نستطيع أن نطلق صفة المثقف على كل من يدعي هذه الصفة ما لم تتحقق فيه صفة الثقافة التي تكون على علاقة مع استقلالية التفكير « حرية وإرادة » وسعة الاطلاع المتجدد بوعي ملحوظ، وهذه المرحلة تمكِـن الشخصيات الطموحة معرفيا إلى الترقي العلمي إلى درجة أرفع.
الدرجة الرابعة : الباحث (المبتدئ والمتعمق): وهو الشخص القادر على التعلم الذاتي واستعمال مناهج البحث وأدوات اكتساب المعرفة وتطبيقها بطريقة صحيحة وفعالة، دون الوقوف عند عتبة جمع المعلومات وترتيبها من كتب وجهود الآخرين، والباحث يتميز عمن سبقه بأنه يكون قادرا على فهم وتعلم نظريات المعرفة على اختلافها والتفريق بين مناهجها العلمية، والقدرة على تطبيقها وممارستها، ويشمل هذا النوع من التعليم والمتعلمين بعض حملة شهادة الماجستر والدكتوراه – إذ ليس كل من يحمل هذه الشهادات تنطبق عليه صفة الباحث – وإن كان، فيستحق صفة الباحث لا أكثر. وهي مرحلة رقي تمكنه الانتقال إلى درجة أعلى بالمثابرة وعلو الهمة وليس بالشهادة.
الدرجة الخامسة : المفكر : وهو الشخص الذي مر بتجارب التعليم السابقة كلها وأصبح قادرا على إنتاج فكره الخاص الموجه لعموم الناس والمهتمين، والمفكر عادة ما يسعى إلى الإسهام بآرائه التي يصبغ عليها صفة المنطق والبناء المنهجي في تخصص معين وموضوعات معينة، ويمكن للباحث المجتهد والدؤوب أن يستعمل الموروث المعرفي للغير ولكنه يوظفها لبناء فكره الخاص، فيستقل بطرح أفكار غير متداولة وهو الأسبق إليها، مستعملا بحرفية منهجية « الاستدلال والقياس والاستنباط والتحليل والمقارنة» بهدف التجديد أو الإضافة العلمية، وهذا النوع من الناس يطلق عليهم « مفكرين وليس علماء » ويمكن الاستدلال هنا على المهندس مالك ابن نبي الذي أشتغل بالفكر الإنساني خارج تخصصه العلمي والمهني وأثرى المكتبة العربية بفكره العميق حول قضايا عصره ومجتمعه وأمته. وبسبب اكتمال وتراكم مشروعه الفكري النهضوي استحق بجدارة صفة العالم، فهو أحد علماء « الانثربولوجيا الثقافية العربية » فالعلاقة بين المفكر والعالم هي علاقة تماس غير مرئية، وعادة ما يتمكن المفكر من الانتقال إلى مصاف العلماء وهي الدرجة الأرقى.
الدرجة الخامسة : العالِم : وهو الشخص المنتج للعلم والمعرفة بنفسه، لنفسه ولغيره، وهو لا يستطيع أن يحقق الإضافة المعرفية دون أن يكون له إضافة منهجية تتسم مع نوع المعرفة التي ينتجها، ويتحقق علمه بين الناس بالاستعمال المعرفي لمنتجه العلمي. ولا يقاس العالم بسعة اطلاعه ولكن بقدرته على إنتاج العلم وهو لب الحكمة وجماعها.
ومن أهم محددات ومعايير العالم ما يلي:
1-أن يكون منتجا للعلم ، وأن يكون علمه إضافة جديدة وليس تكرارا لما أنتجه سابقوه في الزمن.
2-أن يكون علمه شائعا بين الناس في الكتب أو المخطوطات وفي متناول طلبة العلم للاستفادة منه ودراسته ونقده، قبوله ورفضه.
3-أن يكون العالم منتجا لمناهج المعرفة ومضيفا لها فكل علم له أدواته المنهجية التي ينتجها صاحبها أو يضيف إليها.(هكذا فعل بن خلدون والشافعي والبخاري) صمموا مناهجهم.
4-أن يكون علمه متداولا بين الناس بحكم فائدته لهم وحاجتهم إليه دون ضغط من سلطان أو صاحب جاه أو مال (يخص هذا علوم الدين تحديدا).
5-أن يكون العلم المنتـَـج في بنائه خاليا من التناقض ومحايدا لا يتضمن موقفا أيدلوجيا لطرف دون آخر، وبسبب حياده يكون بوسع طلبة العلم تبنيه والانجذاب إليه.
6-أن يكون علمه قابلا للخطإ والصواب ، فكل علم يدعي الصواب يكون إما أيدلوجيا أو دين مقدس لا يجوز نقاشه أو نقده.
ولا تقف درجات الرقي العملي والمعرفي عند هذا الحد بل يستطيع الإنسان المثابر الانتقال إلى منتهى الدرجات لا إلى منتهى العلوم التي لا حد لها.
الدرجة السادسة والأخيرة : الفقيه المجتهد – من منظور إسلامي ، أو الفيلسوف – من منظور علماني (بكسر العين):وهو الشخص الذي يغدو مرجعية علمية ومعرفية للأمة والإنسانية بكاملها ولطلبة العلم بخصوصية وظيفتهم، وينطبق هذا إسلاميا على أئمة المذاهب والمدارس الفقهية وعلوم القرآن والحديث والعربية والعقيدة أو علم الكلام ، ويتميز الفقيه المجتهد أو الفيلسوف ببناء مشروع ثقافي علمي فلسفي يتجاوز حدود الزمان والمكان. ونذكر للإيضاح على سبيل المثال لا الحصر« ابن خلدون وابن رشد والقرطبي والسيوطي والماوردي والعز بن عبد السلام والشوكاني ومحمد عابد الجابري وديكارت وكانط وآدم سميث وأفلاطون وأرسطو وسقراط وغيرهم كثير) وهؤلاء الأشخاص لم يعد وظيفتهم إنتاج العلم فقط ولكن صياغة النظريات العلمية وضبط مناهج العلوم (الابستومولوجيا).
وانطلاقا من هذه المحددات المنهجية : فإننا سنكتشف بكل خجل أن معظم من نطلق عليهم علماء وخاصة في المجال الديني لا تنطبق عليهم سوى صفة : الشيخ (لقب للتكريم لا أكثر) والمعلم والداعية والواعظ أو المرشد أو إمام مسجد بحكم وظيفته أو خطيب الجمعة أو المربي أو الشخص القدوة، وكلها صفات لا تمنح أيا منهم مهما بلغت درجة اطلاعه على علوم القرآن والتفسير والفقه والحديث والأصول والتاريخ الإسلامي أو أي علوم أخرى صفة العالم ، وفي أحسن الأحوال تنطبق عليهم « صفة المثقف المتخصص » وإن تجاوز الحال إلى طرح آرائه الخاصة التي صارت تنال قبولا اجتماعيا واسعا وهي مكتوبة ومطبوعة ومنشورة ومتداولة يمكن أن نطلق عليه مجازا صفة المفكر الديني. لكن من المستحيل أن نطلق عليه صفة العالم في كل الأحوال.
وفي هذا السياق هناك سؤال مشروع قد يثار من أي قارئ حول إطلاق صفة علماء اليمن أو علماء الجزيرة أو العلماء العرب المسلمين – خصوصا في المجال الديني - على أناس لا تنطبق عليهم هذه المعايير والمحددات، لا شك أننا سنجد بعد هذا التحديد صعوبة بالغة في إطلاق صفة« العالم » جزافا على كل من هب ودب.
الخلاصة: إن لم يكن من نصفه بصفة العالم منتجا للعلم والمعرفة وليس ناقلا لها فقط، وإن لم يكن له منهجا خاصا أو متمكنا من استعمال مناهج المعرفة، وإن لم يكن له مفاهيمه الخاصة التي يؤسس بها مشروعه العلمي لدعم استقلاله المنهجي ، وإن لم يكن لمنتجه العلمي رواد ومريدون وأثر على الحياة العامة جراء هذا النتاج العلمي ، فمن لم تنطبق عليه هذه الصفات فليس بعالم ولا يجوز لنا أن نطلق عليه صفة العالم لأن هذا تضليل وكذب على الناس أن نمنح الناس - أو يمنحوا أنفسهم - ألقابا لا يستحقونها ولا يجوز أن يطلق العامة أو الطلاب على أساتذتهم مهما بلغوا من التخصص المعرفي والحذق في نقل معارف أنتجها غيرهم صفة « علماء ».
وعلى مجلس النواب أن يقر سن الثامنة عشرة باعتبارها الحد الفاصل بين الطفولة والرشد دون التعلل بالأيدلوجية الدينية، فالمصلحة تقتضي من أغلبية المؤتمر الشعبي الحاكم الذي يتوسل بأصحاب هذه الأيدلوجية لتقربه زلفى إلى الانتخابات القادمة أن يحقق ولو منجزا وحيدا لمستقبل الطفولة التي لم تنعم بطفولتها قط، خصوصا وهو يمتلك الأغلبية التشريعية لإقرار القانون.
hodaifah@yahoo.com