|
khaledalj@hotmail.com
وجّهت الحكومة صفعة قاسيه لمجلس القضاء الأعلى عندما لم تلتفت لما أقـره المجلس من مبلغ حدده كموازنة سنوية لمواجهـة نفقـات السلطـة القضائيــة للعام2012م بما يفــوق ال30مليار ريال، وهــو مبلــغ يــزيد بنسبــة 100% عن حجــم موازنـة القضـاء للعــام الفائــت والتـي تقــدر تقريبـاً ب16 مليار ريال، مجلـس القضاء واجــه هــذه الصفعــة المُهينـة ببيــان شكــى فيــه الحكومــة للرئيـس عبدربه منصور هــادي، تضمّــن البيــان فقــرة للأســف اعتبرها قطاع كبير من المنتسبين للسلطة القضائية مُسيئة ومهينة جداً للقضاء، إذ جاء في هذا البيان أن رئيـس المجلـس قد أبلـغ رئيـس الحكومـة بالمبلـغ الذي قدره المجلس كموازنة للسلطة القضائية، وإذا كان اقرار الموازنة قد تم بتاريخ 11/2/2012م وابلاغ رئيس المجلس لرئيس الحكومة بها تم بتاريخ7/2/2012م بحسب ما جاء ببيان المجلس المشار إليه آنفاً؛ فإن هذا يؤكد أن رئيس المجلس بهذا البلاغ إنما بصورة أو بأخرى يستأذن من رئيس الحكومة لإقرار موازنته كون الابلاغ تم قبل الإقرار وهي هفوة وسقطة ما كان يجب أن يقع بها مجلس القضاء، وعموماً هذه ليست المرة الأولى التي تركل السلطة التنفيذية مقررات مجلس القضاء إلى الوراء، فقد تكرر هذا التجاهل بشكل سنوي منئذ العام 2009م وهو العام الذي تذكر فيه المجلس نص المادة (152) من الدستور التي تمنح مجلس القضاء حق دراسة وإقرار موازنة السلطة القضائية تمهيداً لإدارجها رقماً واحداً ضمن موازنة الدولة!!!!
طبعاً هذا التجاهل يؤكد أن السلطة التنفيذية تنظر إلى هذا النص الدستوري نصاً فقط للاستهلاك والدعاية، من الناحية القانونية لا يعني هذا النص أبداً ان لمجلس القضاء حق التقدير المطلق دون شروط أو معايير، نعم لا يوجد نص دستوري أخر أو نص قانوني يوضح ويشرح تفاصيل استخدام الحق الوارد بهذا النص أو تقييده؛ لكن يمكن ومن خلال قراءة عملية موجزة لهذ المادة الاستهداء إلى أحكام ترتب هذا الحق وتنظمه، فقد نصت المادة (152) من الدستور على: ((...... ويتولى المجلس دراسة وإقرار مشروع موازنة القضـاء ، تمهيـداً لإدراجهـا رقماً واحـداً في الموازنة العامـة للدولـة ))
من النص يتضح أن المجلس ليس له إلا حق دراسة وإقرار مشروع موازنة القضاء، وهذا يعني أن المجلس لا يمتلك حق اعداد مسودة مشروع الموازنة أو اقتراحها بداية، فالحكومة ممثلة بوزارة المالية تقترح هذه المسودة وفق المبادئ العامة التي وضعتها لاعداد الموازنة العامة للدولة بتفريداتها وتقسيماتها المحتملة، ثم تقدمها بالطريقة التي تقدم الموازنة العامة للدولة إلى مجلس النواب تقدمها إلى مجلس القضاء لدراستها وإقرارها، وبعد أن يستمع المجلس لمبررات الجانب الحكومي، يقوم بعدئذ بإقراراها حسب خططه واستراتيجياته وله حق تعديلها وفق القواعد العلمية المعقولة، ثم تقوم الحكومة بإدراجها كرقم واحد غير مفند ولا موزع ضمن الموازنة العامة للدولة التي تقوم بتقديمها إلى مجلس النواب لإقرارها تمهيداً لربطها بقرار من رئيس الجمهورية، هذا هو التفسير العملي القريب لمفهوم النص، وهذا التقليد الذي كان يجب على المجلس أن يتـّبعه، لكن أن يقوم باعداد الموازنة، ويدرسها، ويقرها رقماً واحداً بهذا الشكل المجازف، فهو بكل تأكيد يحرق النص الدستوري أكثر مما يُفعّله، إذ أن للموازنة معايير، وحسابات ترتكز على خطط، وبرامج، ومقاييس متعلقة بالمداخيل، والصادرات، والواردات، ومستوى الدخل، ومقدار الدين العام، وغيرها من المعايير العلمية الحسابية المتعارف عليها، قبل أن تكون مجرّد رقماً واحداً فحسب.
إن عدم وقوف المجلس بوجه قوي وهيبة عريضة أمام تجاهل الحكومة لهذا النص في الأعوام السابقة هو السبب الحقيقي في عدم تفعيل هذا النص الدستوري اليوم، فلم يحدث منئذ العام1990 حتى اللحظة أن تم تفعيل هذا النص، فلماذا اليوم فقط ثار تجاهل الحكومة مجلس القضاء حتى يصدر بيان الاستعطاف هذا الموجه جزء منه للرئيس. إذ فشل المجلس مرات عدة في إجبار الحكومة على تفعيل هذا النص والقبول به وذلك على النحو التالي:
1- في العام2009م بالتحديد يوم الثلاثاء الموافق 21 يوليو- 2009م اجتمع مجلس القضاء الاعلى وأقر موازنة السلطة القضائية للسنة المالية 2010م بنحو (26.274.490.000) 26 ملياراً و 274 مليوناً و490 ألف ريال، بينما ما أقرته الحكومة واعتمده مجلس النواب فيما بعد تقريباً مبلغ ١٥،٦٩٠،٢٦١ ولم يحرك المجلس وقتها ساكناً.
2- في يوم الاثنين الموافق 27/سبتمبر/2010م أجتمع مجلس القضاء الاعلى وأقر موازنة السلطة القضائية للسنة المالية 2011م بنحو (18.690.261.000) 18 مليار و690 مليون و261 ألف ريال بينما ما أقره مجلس النواب هو ١٥،٧٠١،٧٣٩ ريال بفارق عما اقره مجلس القضاء بمبلغ (2.988.882 ) ريال، ورغم هذا لم يصدر مجلس القضاء ولا حتى بيان يعترض على هذا التجاهل المُتكرر لمقرراته، واكتفى بعد ذلك للأسف بتصريف نفقاته بذات الطريقة والاتجاه.
3- في يوم الاثنين الموافق 21/نوفمبر/2011م أجتمع مجلس القضاء الاعلى وأقر موازنة السلطة القضائية للسنة المالية 2012م والمرفوعة من الأمانة العامة للمجلس، ولكن هذه المرة جاء اعلان الإقرار دون الإشارة الى مبلغ معين وكأن المجلس أراد بهذا رفع الحرج عن نفسه وبحسب مصادر مطلعة بأن الموازنة قد قدرت بنحو يزيد قليلاً عن ( 29.000.000.000 ) تسعة وعشرون مليار ريال. ورغم هذا وبشكل غريب تتابعت اجتماعات المجلس التي أعلن بها غير مرة عن تقديره لموازنة القضاء للعام2012م ولم يفصح عن مقدارها بالتحديد، حتى اجتماعه الأخير الذي اشتكى فيه ببيان أصدره قلة حيلته، وهوان ضعفه أمام جبروت الحكومة، وقوتها، وسيطرتها على ميزانيته، في في يوم الاثنين الموافق 06/فبراير/2012م أجتمع مجلس القضاء الأعلى وأعلن مراجعته لموازنة السلطة القضائية وكما سبق تحفظ عن ذكر مقدار الموازنة، تلا ذلك في يوم السبت الموافق 11/ فبراير/2012م اجتماع لمجلس القضاء الاعلى وأقر أيضاً من جديد مشروع موازنة السلطة القضائية للعام 2012م ولم يذكر مقدار المبلغ المقر كذلك، وفي يوم الاربعاء الموافق 07/مارس/2012م اجتمع مجلس القضاء الاعلى وأصدر البيان المشار إليه والذي عبّر فيه عن أسفه لما تعرضت له موازنة السلطة القضائية التي أعدها من تجاهل يتنافى مع المبدأ الدستوري الذي يقرر الاستقلال القضائي والمالي، والإداري للسلطة القضائية، هكذا جاء في جزء من هذا البيان وكأن تجاهل الحكومة وفق ماتقدّم بالأعوام2009م ، 2010م، م لم يكن تجاهلاً لهذه النصوص الدستورية أيضاً.
لقد فرط مجلس القضاء بهيبته عندما واجه تجاهل الحكومة أول مره لما قرره من موازنة في العام2009م ببرود شديد، المجلس لو تحرك في حينها بقوة، وواجه رئيس الجمهورية، والحكومة، وأتخذ اجراءات حاسمة بحق تجاهل السلطة التنفيذية لمقرراته؛ لما تكرر هذا التجاوز، لكن للأسف في وقتها وبعد تجاهل الحكومة لمقررات القضاء اكتفى رئيس وأعضاء المجلس بتبادل الابتسامات، والضحكات المصوّرة باجتماع المجلس الذي تعقب اقرار الموازنة العامة من الحكومة، في حين كان الجميع ينتظر أن يشاهد وجوه عابسة غاضبة تنتصر للقضاء وهيبته على الأقل شكلياً.!؟
إن النصوص الواردة بالدستور والقانون التي تضمن استقلال القضاء وتسبغ عليه الحماية، والهيبة عديدة، وواضحة، ويكفي مراجعة الفصل الثالث في الدستور لمعرفة تفاصيل هذا، لكن للأسف فشل رئيس وأعضاء مجلس القضاء في ترجمتها للواقع هي التي حولت هذه النصوص الى مجرد نصوص للاستعراض في المحافل الدولية فقط، يستعرضها رئيس المجلس في كلماته التي يلقيها في المناسبات القانونية، والقضائية العديدة التي يشارك بها داخلياً وخارجياً ويفاخر من خلالها بالمنظومة القانونية اليمنية التي تقدم القضاء في اليمن كسلطة مستقلة لا سلطان عليها، ولكنها في حقيقة الأمر ومُرِه سلطة مستقلة على الورق فقط.
ان احداث تغيير في مفهوم المعنى الحقيقي لاستقلال القضاء؛ هو من مهام المجلس الجديد، سواءاً اكان مجلس منتخب، أم مجلس مُعيّن بتشكيلة جديدة وهو الفعل الأقرب للقانون النافذ حالياً وللممكن أيضاً على الأقل خلال هذه الفترة، قد يفهم القاضي السماوي المطالبات العريضة باستقالته وعودته إلى بيته، أنها استقصاد لشخصه وهذا ما يصوره له للأسف بعض معاونيه، في حين يجب على فضيلته أن يدرك ويؤمن تماماً ان لا تغيير مُقنع سيحدث في القضاء وهو باقٍ مع مجموعته القديمة في المجلس، وأن هذا التغيير هو بالأساس لأجل وصالح القضاء وهي سنة الله في الأرض.
بمتابعة متأملة لتجربة افتخار شرودي رئيس المحكمة العليا الباكستانية، يمكن معرفة المعنى الحقيقي لهيبة القضاء واستقلاله، فالرجل بصفته القضائية، واعتزازه، وإيمانه، بهيبة، واستقلال القضاء أطاح بالديكتاتور برويز مشرف الحاكم العسكري لباكستان حينها، وبعدها أرغم قائد الجيش على الخضوع للقضاء، وسحب رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء الى ساحات القضاء للمسائلة والتحقيق جبراً وقهراً، بينما فشل فضيلة القاضي السماوي في إقناع وزير المالية بإضافة ريال واحد لموازنة السلطة القضائية لهذا العام، وبدلاً من أن يعتذر لأعضاء السلطة القضائية ويترك موقعة للأشجع، والأكفئ، اشتكى بلهجة حزينة مؤلمة لرئيس الجمهورية مما حدث لمجلس القضاء الأعلى بما وصفه من إهمال حكومي، وحتى لا نظلم القاضي السماوي أكثر فسنوقف المقارنة عند هذه النقطة فلا قدراته ولا ظهره يستطيعا أن يتحملاها رغم أن تاريخ القضاء مليئ جداً بالشواهد الحية للقضاة الأقوياء الذين أرّخوا بسطور من ذهب هيبة القضاء، وعظمتة في وجدان الشعوب.
الحاصل الأن الكثير من المحاكم والنيابـات مُغلقة تماماً، والعدالة تتعرض كل يوم للإنكار، والجرح بفعل هذا الإغلاق المؤلم، فالقضاة المحتجون مصرون تماماً على استقالة رئيس مجلس القضاء لا سيما بعد اللقاء الموسع الذي شمل أغلب قُضاة الجمهورية، والذي انعقد مؤخراً بمحافظة إب، ومرابطون على هذا العهد بشكل يثير الإعجاب والحماسة، بينما فضيلته ورفقائه بالمجلس الموقر مصرون أكثر على البقاء، ولأجل هذا هي نصيحة أخيره نسوقها لرئيس المجلس من أجل القضاء، من أجل مستقبل البلاد، من أجل تغيير حقيقي لحياة الناس، من أجل وطن عانى كثيراً، من أجل رسم مستقبل جديد يُبشـّر بخير، استقيل استقيل حتى يعيد الشعب بالأكفئ، والأنزه، والأشجع، والأخبر، بناء القضاء من جديد؛ والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل....
في الثلاثاء 13 مارس - آذار 2012 05:44:18 م