الانتخابات اليمنية.. مباراة نصف ودية قبل الاعتزال
بقلم/ حسام عبد الحميد
نشر منذ: 18 سنة و شهر و 4 أيام
السبت 30 سبتمبر-أيلول 2006 11:48 م

وضعت الانتخابات الرئاسية في اليمن أوزارها بعد مباراة نصف ودية استمرت لمدة شهرين تقريباً انتهت - كما كان متوقعاً - بفوز الرئيس علي عبدالله صالح بولاية رئاسية ثانية تمتد حتي 2013 فيما خسر مرشح اللقاء المشترك فيصل بن شملان الذي شارك في المباراة منافساً ومكرماً للرئيس.

المعركة الانتخابية لم تكن ودية خالصة كما كان الحال في انتخابات 1999 ولم تكن عدائية خالصة رغم ان طرفي المنافسة الرئيسيين استخدما كل الأسلحة والكلمات التي خرجت عن حدود اللياقة في بعض الأحيان وذلك في محاولة للتأثير علي الناخبين الذين انحازوا للقبيلة والحزبية والأيدلوجيا قبل انحيازهم للبرامج والوعود.

فاللقاء المشترك ظل لآخر لحظة ينظر بعين الشك والريبة في قرار الرئيس صالح بنيته عدم الترشيح في الانتخابات الرئاسية والذي أعلن عنه في يوليو 2005 وتراجع عنه تحت ضغط الجماهير في يونيو 2006 لذلك أدرك ان عودة الرئيس عن قراره انه عاد لكي ينجح في الانتخابات لا لكي يسقط.

وهذا لا يعني التشكيك في كيفية نجاح الرئيس صالح فلديه ميراث تاريخي من النجاح يؤهله لأن يبقي مكرماً في الدورة الرئاسية القادمة قبل أن يعتزل العمل السياسي، حتي وإن شككت المعارضة في نسبة نجاح الرئيس وقالت انها نحو 60% وليس 77% كما أعلن رسمياً فإن ذلك لا يغير من النتيجة شيء وان كانت المعارضة تهدف من ورائه أشياء أخري.

وفي اعتقادي ان اليمن لم يكن بحاجة لكل هذه الضجة من الانتخابات الرئاسية لأن انتخاب الرئيس هو أضيق أبواب الديمقراطية بل هو في حالة اليمن كمن استورد أثاثاً فاخراً لبيت مهتريء متداعٍ تتسرب المياه الي نصف جدارنه.

الرئيس اليمني الذي خاض عباب البحر المتلاطم الأمواج علي مدي 28 عاماً كان وما زال صمام الأمان لهذا البلد ولا يمكن لليمن كحالة عربية تربي شعبها علي السلطة الأبوية أن يقول بين يوم وليلة لا للرئيس علي صالح وأن يبدأ بتطبيق الديمقراطية كما تقول الكتب الغربية التي نظرت لها.

وربما لهذا السبب لم تجازف احزاب اللقاء المشترك بالدخول الي هذه المنافسة بمرشح من بين صفوفها وأعني بالذات التجمع اليمني للإصلاح الذي يعد المنافس الحقيقي للرئيس صالح باعتباره أكبر أحزاب المعارضة وأكثرها تنظيماً، وخاضت الانتخابات بمرشح مستقل شاء صالح ان يسميه المرشح المستأجر حتي لا تكون خسارته هي هزيمة لأحزاب المعارضة، كما أن للإصلاح حساباته الخاصة في هذه العملية.

فمنافسة الاصلاح للرئيس صالح بمرشح اصلاحي تعني المقامرة بعلاقات استراتيجية استفاد منها الطرفان خلال العقود الماضية كما ان الظروف المحلية والدولية لا تشجع الإصلاح ان يكون في الحكم اذا ما افترضنا أعلي درجات التفاؤل.

في مقابل ذلك فإن بقية أحزاب المعارضة سواء في إطار اللقاء المشترك او خارج هذا الإطار لا تستطيع مجتمعة ان تتقدم بمرشح للرئاسة لأنها لا تملك بالأصل نسبة التزكية المطلوبة داخل مجلس النواب اليمني (البرلمان).

ربما كان الهدف من مشاركة المعارضة في هذه الانتخابات وهي تعلم نتائجها سلفاً ألا توصف بالسلبية وأنها تقاعست عن القيام بدورها كقوي معارضة تشكل الجناح الآخر للحكم وأن تكون تلك المنافسة بروفة تمهيدية لأي انتخابات رئاسية قادمة تتوفر لها الأجواء المواتية وأن تحدث هزة لمؤسسة الرئاسة تشعرها بأن هناك رغبة جماهيرية في التغيير ليس بالضرورة رئاسة الجمهورية ولكن المستويات الأقل من ذلك.

كان يمكن لليمن الذي يعد واحدة من بين سبع دول عربية تأخذ بنظام الانتخابات الرئاسية ان يقدم تجربة فريدة لو أن الرئيس لم يعدل عن قراره ليقود سفينة الوطن، لكن اما وقد حدث ما حدث فإن التحدي الأكبر أمام الرئيس بالاضافة الي التحديات التي أشار إليها في خطاب أداء اليمين هو أن يهييء المناخ الديمقراطي في اليمن خلال السنوات القادمة وأن يضع المرشحين القادمين علي قدم المساواة بعيداً عما يتردد من دعوات التوريث لنجل الرئيس.

وأن يدع الانتخابات المحلية التي لم تستكمل نتائجها بعد وكذلك الانتخابات البرلمانية القادمة ان تتم في أجواء ديمقراطية تنافسية حتي تمهد للخطوة الرئاسية القادمة بعيداً ايضاً عن تكريس حزب الدولة ودولة الحزب اذ لا يعقل ان يكون عمر التجربة اليمنية نحو عقد ونصف ونحن محلك سر أو ما زلنا في المربع الأول.

لذلك فإن الفترة القادمة للرئيس صالح تمثل تحدياً اقتصادياً واجتماعياً وديمقراطياً كبيراً خاصة وأنه أغدق الكثير من الوعود سواء في الحملة الانتخابية أو في خطاب اليمين سواء بقطع دابر الفساد والمفسدين والإعلان عن ثورة إصلاحية شاملة وإطلاق الحريات وصيانة الحقوق الأساسية ونقل اليمن من دولة القبيلة الي دولة النظام والقانون وأن يكون بالفعل رئيسا لكل اليمينيين.

فالانتخابات الرئاسية ونظراً لأنها كانت تمثل نسبة منافسة حقيقية أحدثت شرخاً في الشعور القومي اليمني وربما قسمت اليمن الي فريقين احدهما مع والآخر ضد وأخشي ما أخشاه ان يتعمق هذا الشعور المعنوي وأن يصبح مدونة سلوك للحزب الحاكم في اقصاء الآخر بعد ان تم اختزال الوطن في شخص الرئيس وبالتالي من معه فهو وطني ومن ليس كذلك فهو غير وطني وأن ينسحب هذا السلوك حتي علي أبسط وظائف الدولة.

بحكم خبرتي باليمن اعرف ان الرئيس صالح يتميز برحابة صدر وتسامح قليلاً ما تحلي بها رئيس عربي كما انه يتمتع بحنكة سياسية جعلته يجمع كل المتناقضات وأن يمسك بخيوط اللعبة السياسية لذلك لا أتوقع أن يتصرف بعقلية المنتقم في الفترة القادمة خاصة وانه هو الذي سمح بالديمقراطية والمنافسة علي كرسي الرئاسة استجابة للمتغيرات المحلية والإقليمية والدولية وعلي طريقة ان نحلق لأنفسنا قبل أن يحلق لنا الآخرون.

فالمعركة الانتخابية شهدت شططاً كبيراً فاستخدم الرئيس ملف الارهاب حتي عشية الانتخابات مع انه يدرك ان الإصلاح وان كان معنياً بهذه التهمة فهو أبعد ما يكون عنها حتي عندما تحدث عن الإصلاح كإخوان مسلمين وهو تعبير لم يسبق له أن استخدمه كان يهدف من وراء ذلك التأثير علي الناخبين مع انه يعرف الإخوان ويتعامل معهم منذ عقود.

في مقابل ذلك استخدمت المعارضة ملف الفساد المستشري في كل مؤسسات الدولة وهو ظاهرة يعرفها كل من عاش في اليمن أو سمع عنها ومن يطلع عن قرب فإن لوبي الفساد في اليمن بات يشكل مجتمعاً خاصاً يزداد انتفاخاً وتورماً كل يوم في بلد يعاني من دين خارجي وصل الي 5.3 مليار دولار وقروض تعادل 42% من الناتج القومي و42% يعيشون تحت خط الفقر.

لكن اللافت في المعركة الانتخابية هو دخول نجل الشيخ عبدالله الأحمر الي حلبة المنافسة بحماسة تنقصها الحنكة السياسية التي جعلت والده صاحب التاريخ السياسي الكبير ان يقدم عمليته الجراحية في السعودية ويعود الي البلاد ويعلن ان مرشحه للانتخابات الرئاسية هو علي عبدالله صالح.

فقد وقف حميد الأحمر الي جانب فيصل بن شملان وحشد في محافظة عمران معقل بيت الأحمر حشداً جماهيراً قلب موازين الحملة الانتخابية وأطلق تصريحات نارية ربما تكشف عن تخطيط مستقبلي لاستعداد نجل الأحمر للمنافسة علي الرئاسة القادمة وهو ما يعني به الجيل الثاني في اليمن.

لذلك كان موقف نجل الأحمر غريباً بمقاييس السياسة وما لم يكن قد احتفظ بخط رجعة وأن يبدأ من الآن بإصلاح ما خربته الانتخابات فإن نجل الأحمر ربما سيدفع الثمن غالياً فإن لم يكن في السياسة فسيكون في الاقتصاد باعتباره رجل أعمال.

ومرة أخري أعتقد ان الرئيس صالح الذي استقبل عبدالرحمن الجفري نائب رئيس الجمهورية الانفصالية وأحد قادة حرب الانفصال عام 1994 وأخذه الي أحد المهرجانات الانتخابية كما ان عفوه عن مجموعة ال 16 الصادر ضدها احكاما قضائية لهو قادر علي أن يضمد جراحات الحملة الانتخابية وما أحدثته من تصدعات.

ما أود قوله اجمالاً ان الانتخابات اليمنية سواء البرلمانية او الرئاسية وإن أصابها كل ما أصاب الانتخابات في الساحة العربية من استغلال للسلطة والمال العام والإعلام وعدم الفصل بين الدولة والحزب وكل الخروقات الانتخابية بدءاً بالقوائم الانتخابية وانتهاء بإعلان النتائج إلا انها تمثل خطوة متقدمة عن كثير من الديمقراطيات العربية رغم انها لم تحقق الطموح المنشود في أن تقدم نموذجاً مختلفاً تماماً عن التجارب العربية وأن تكون أول دولة يحدث فيها التغيير.

ورغم هذا التقدم إلا ان هذه التجربة تظل محصورة في الفضاء العربي المحبط من عملية التغيير لأن الأنظمة العربية الجمهورية الديمقراطية تمسك السلطة بيد من حديد بعد أن أصبح هناك زواج كاثوليكي بين اصحاب النفوذ وأصحاب المال لكي يظل الوضع علي ما هو عليه، فالتجارب الانتخابية في البلدان العربية لم تغير شيئاً يذكر خلال نحو ثلاثة عقود باستثناء انتخابات السلطة الفلسطينية باعتبار انها ليست دولة وباعتبار انها ستعود للأصل مرة أخري إما بالمؤامرة أو بانتخابات مبكرة يتم تزويرها بالعافية!.

سبع سنوات فاصلة ستفرض علي الرئيس صالح تحديات جمة أتمني أن يتمكن من انجازها لكي يهييء اليمن لما بعد عام ،2013 وإننا سنظل نكتب بروح الانتقادات والتكهنات والأمنيات لعقود قادمة ما لم تحدث مفاجآت وتحولات مستقبلية لا يعلمها إلا الله.

هل يخاف العرب من التغيير؟
سعد الدين ابراهيم
طارق عثمانمن المكتبة العربية: ( الخطوات السبعة في أساليب التوريث بسرعة )
طارق عثمان
كاتب/رداد السلاميلماذا قبلت المعارضة بنتائج الانتخابات؟؟
كاتب/رداد السلامي
بكر احمدبفضل اللقاء المشترك ..صالح ولأول مرة رئيس شرعي لليمن
بكر احمد
مشاهدة المزيد