تونس تحقق نجاحاً كبيراً في تصدير الذهب الأخضر إسرائيل تدك أكثر من 40 ألف وحدة سكنية في جنوب لبنان وتجعلها ركاما وانقاضا عاجل: أمريكا تحبس أنفاسها وتتحصن مع تفاقم التوترات وترامب يعلن واثق من الفوز وايلون ماسك يحذر من هزيمة المرشح الجمهوري واخر انتخابات في تاريخ أمريكا لأول مرة في تاريخها… التعديلات الدستورية الجديدة في قطر وتجربتها الديمقراطية عثمان مجلي يصارح الخارجية البريطانية: الجميع يدفع ثمن منع الشرعية من تحرير ميناء الحديدة بحضور دبلوماسي ومباركة رئاسية .. عدن تشهد ميلاد أكبر تكتل وطني للمكونات السياسية يضع في طليعة أهدافه استعادة الدولة وإقتلاع الإنقلاب وحل القضية الجنوبية مجلس القضاء الأعلى بعدن يصدر قرارات عقابية بحق إثنين من القضاة مقتل امرأة في قعطبة بالضالع برصاص الحوثيين صحيفة أمريكية: هجوم ايراني قريب على اسرائيل سيكون اكثر عدوانية من السابق توقعات المركز الوطني للأرصاد والإنذار المبكر حول الأمطار ودرجات الحرارة في المحافظات الشمالية والجنوبية
ما هي الحدود الفاصلة بين الفن الوثائقي والفن الروائي؟ وهل يمكن ان يتقاطع هذان الفنّان؟ أين تقف حدود مخرج الأفلام الوثائقية، وهل في إمكانه ان «يسرق» دور زميله العامل في الحقل الروائي ويصبح صانعاً للأحداث بدلاً من موثّقها؟ إذا حدث وتم ذلك، هل يجوز ان يطلق عليه اسم مخرج وثائقي، ويدخل فيلمه خانة الأفلام التسجيلية؟
هذه الأسئلة وسواها تقفز في ذهن المرء عندما يشاهد فيلم المخرجة اليمنية خديجة السلامي (أول مخرجة يمنية) «أمينة» الذي حطّ أخيراً في ميسينا في جزيرة صقلية الإيطالية من خلال مهرجان «بحر السينما العربية» حيث نال جائزة تقديرية.
الفيلم يشبه في شكل ما بداية جديدة لهذه السينمائية الشابة التي يبدو انها اختارت السينما الوثائقية لتخوض من خلالها نضالات اجتماعية وتطرح بعض القضايا التي يدعمها، عادة، التلفزيون أو الصحافة. مع سينما خديجة السلامي يتطور دور السينما العربية. هذا ما يشهد عليه فيلمها «أمينة»، وتعد به أفلام مقبلة لها، تتحدث منذ الآن عن واحد منها، من دون ان يعني انها ستكرس كل سينماها لـ «النضال من خلال السينما».
فإذا كان مشروع «الثأر» ينخرط في المنعطف ذاته الذي يحكم «امينة»، فإن «التمثال» يحاول ان يشق لها في علاقتها مع السينما دروباً أخرى. واليوم، في كل مرة يعرض فيها فيلم «أمينة»، يتواكب العرض مع اخبار وتطورات جديدة تتعلق به.
ظلم ضد المرأة
في «أمينة» تدخل السلامي منطقة شائكة في المجتمع اليمني لتسليطها الضوء على الظلم الذي يمارس ضد المرأة. ولم تكتف المخرجة بتسجيل الواقع، إنما آثرت أن تلعب من خلاله دوراً «بطولياً»، فما كان منها الا ان تجاوزت دور المخرج لتتحول الى «المنقذ» الذي سيحرر فتاة قاصراً (أمينة التي يحمل الشريط اسمها) من حكم بالإعدام صادر بحقها بتهمة مشاركتها في قتل زوجها.
ومثلما لا ينهزم البطل - عادة - في الأفلام، لم تنهزم المخرجة في مسعاها، فنجحت في تحرير أمينة، كما نجحت في إنقاذ عشرات النساء اللواتي صادفتهن في السجن بتهمة الاختلاء - أي وجود امرأة وحدها مع رجل أو اكثر من رجل - بعدما ساهمت في صدور قانون يدحض هذه التهمة.
وهكذا سرعان ما تحولت خديجة السلامي الى ظاهرة في اليمن، وسرعان ما انهالت عليها الرسائل - كما تقول لـ «الحياة» - من آباء وأمهات يبحثون عمن يخفف من آلامهم ويعيد اليهم أبناءهم المحكومين بتهم جنائية. و «كأنني الأمل الوحيد لهؤلاء. علماً ان الحظ هو الذي ساعدني في الإفراج عن أمينة».
وتروي السلامي كيف تواطأ الحظ معها، وتقول: «في اليوم الذي فزت به في بيروت بالجائزة الأولى عن فيلمي الوثائقي «غريبة في وطنها»، كان الرئيس اليمني علي عبدالله صالح يزور باريس، وطلب ان يشاهد هذا الفيلم الذي ينتقد نظرة المجتمع اليمني الى المرأة، وقد تأثر كثيراً بما شاهد، وتكفل بتعليم البطلة. وأمام هذا التوجه المميز انتهزت الفرصة لأخبره عن مأساة أمينة، خصوصاً ان هذه الفتاة كانت ستواجه بعد أسبوع عقوبة الإعدام، على رغم انها قاصر وتوفيت ابنتها في حادث. من هنا فرحت كثيراً بقرار الرئيس إجراء بعض الفحوص لها للتأكد من عمرها، وبعد فترة أسقطت عقوبة الإعدام عنها لتتابع الحكم بالسجن».وتضيف: «المرة الثانية التي لعب الحظ لعبته معي كانت حين رافقت وزيرة التعاون الفرنسية في رحلة الى اليمن من دون ان تخبرني بهدف الرحلة الا لاحقاً، إذ كانت تريد ان تقلدني وسام جوقة الشرف الفرنسي. وهنا ايضاً انتهزت الفرصة، وطلبت منها ان تكلم الرئيس عن أمينة، بعدها أعطى أمراً بدفع «الدية» التي تتوجب عليها لأهل الزوج القتيل».
ويبقى السؤال، لماذا الانحياز الى «أمينة» بالتحديد دون غيرها، خصوصاً انها قد تبدو بالنسبة الى كثر من الذين شاهدوا الفيلم مشاركة في الجريمة من جراء حضورها القوي أمام الكاميرا؟ «عندما قرأت عن أمينة كنت أعتقد أنها قتلت زوجها»، تقول السلامي وتضيف: «لقد أحببت ان اسمع القصة على لسان أمينة، ولكن عندما تعمقت في التفاصيل تعاطفت مع الفتاة وصدقتها في توجيه الاتهام الى أبناء عم الضحية كونه مات خنقاً ثم سيق الى بركة ماء ليبدو وكأنه مات غرقاً. وما زاد من شكوكي ان امرأة بحجمها الصغير لا يمكن ان ترتكب جريمة كهذه. ثم لو سلمنا جدلاً انها قتلته، تبقى امينة ضحية المجتمع الذي يجبرها على الزواج في سن مبكرة، ثم هي قاصر، ويتوجب على القانون حمايتها لا إدانتها».
ولا تكتفي السلامي بتسليط الضوء على قصة خاصة هنا إنما تنجح في تحويلها الى قصة عامة، «لأن أمينة تشكل المثل الساطع لأوضاع نساء كثيرات في اليمن. فمن خلال هذه القصة أردت ان أسلط الضوء على الإساءات التي يرتكبها المجتمع بحق المرأة، على كثرتها، مثل الزواج المبكر والنظرة الدونية للمرأة، وغياب العدالة متى تعلق الأمر بامرأة، والحرمان من التعليم، وغياب الوعي، وعدم معرفة المرأة نفسها بحقوقها القانونية، علّني انجح في جعل بعضهم يعيد التفكير بأحكام وتقاليد تكبلنا أكثر فأكثر... فأنا اكره الظلم... وقد تجرعت مرارته، من هنا يسير النضال في دمي».
لقطة من فيلم «أمينة»
سجن خمس نجوم
ولكن، كيف تردّ السلامي على انتقاد بعضهم لها لتصوير سجن النساء وكأنه «سجن خمس نجوم»؟ وما هو التنازل الذي قدمته لدخول هذا السجن، خصوصاً ان صعوبات جمة تواجه دخول الكاميرا أي سجن في العالم؟ تجيب السلامي: «أعتقد أنني كنت محظوظة لتمكني من دخول السجن، ذلك ان وزير الداخلية في ذلك الحين كان رجلاً مثقفاً، ولو كان سواه في هذا المنصب لما كنت تمكنت من صنع هذا الفيلم. ثم لا أنكر أنني حين دخلت السجن فوجئت بنظافته وبالتناغم الواضح بين السجينات والسجانات وكأنهن عائلة واحدة. من هنا اردت أن اقترب منهن اكثر، وقررت أن أنام ليلة بينهن بالتواطؤ معهن. وبالفعل تمكّن من إخفائي، وفي تلك الليلة أعدت تصوير مشهد هروب «أمينة» من السجن قبل ان تعود إليه مجدداً ويُعفى عنها».
الأكيد ان هذا الكلام قد لا يقنع كثراً، بينما يحيل آخرون هذه التسهيلات الى عمل المخرجة الديبلوماسي في السفارة اليمنية في فرنسا. أما السلامي فتكتفي بالقول ان «اليمن بلد التناقضات، فبعض الأمور التي قد تبدو صعبة المنال يسهل الدنو منها، بينما يصعب الاقتراب من أمور اشد بساطة». ولكن الى أي حد يساعدها عملها الديبلوماسي في مسيرتها السينمائية؟ تجيب: «على العكس، أعاقني عملي الديبلوماسي كثيراً في مسيرتي السينمائية، بينما سهّل الأمور على مخرجين ومبدعين آخرين. فما أقوم به هو تنظيم معارض عن اليمن وندوات في مناطق مختلفة من فرنسا وسواها من الدول الأوروبية، إضافة الى عرض بعض الأفلام السياحية. وهو عمل يسمح لي بأن أعرّف عن بلدي وأتعرف الى ثقافات مختلفة. وعلى الأقل هناك كل سنة حوالى سبعة طواقم تلفزيونية تزور اليمن وتخرج بمادة تلفزيونية خاصة حول البناء المعماري والطبيعة الخلابة والعادات والتقاليد...».
فضح الأخطاء
في جعبة أمينة السلامي أكثر من عمل فني يفضح الممارسات الخاطئة ضد المرأة في المجتمع اليمني. من «النساء والديموقراطية في اليمن» الذي يدور حول فتاة قاصر تواجه المجتمع وترفض ارتداء الحجاب، الى «غريبة عن وطنها» الذي يصور كما يدلّ العنوان امرأة غريبة في مدينتها، منتقداً الفكر السائد في اليمن حول المراة، وسواهما من الأفلام التي جعلت كثراً يصفون السلامي بـ «المدافعة عن حقوق المرأة». تقول: «لا ألتزم قضايا المرأة فحسب، إنما أسلط الضوء على قضايا المجتمع، ولكن للأسف، المرأة في اليمن هي الأكثر عرضة للظلم. ولا أنكر ان كوني امرأة ومررت عبر هذا الطريق الشاق يلزمني خوض غمار مثل هذه القضايا».
السلامي التي تعتز بكونها أول سينمائية في اليمن، تقول ان هناك جيلاً من الشابات اليمنيات اللواتي يحلمن بأن يحذين حذوها، «لكنهن يخشين من المجتمع وثرثراته. من هنا أقول لهن لا تعرن انتباهاً لما سيقال من حولكن، ولا تفكرن بالأذية التي قد تلحق بكن، خضن اعمالكن بمحبة، والعمل الجيد سيفرض ذاته في النهاية، حتى لو تعرض للانتقاد». وعلى رغم هذه القناعة، لا تتردد السلامي في السؤال: «هل لأن الحياة في باريس سهلة وبسيطة وتمنحني دافعاً، لا أخشى شيئاً، وأثق بما أفعل، وأذهب الى أماكن لا يتجرأ كثر على خوضها؟».
وأخيراً عن آفاق السينما اليمنية تقول خديجة السلامي: «وزارة الثقافة الحالية مهتمة بالسينما وتحاول إيجاد صيغة لتكوين مجموعة من المخرجين الشباب الذين سيتلقون التدريب على يد اختصاصيين من أوروبا، على أمل ان يقام السنة المقبلة أول مهرجان سينمائي يمني».
نقلاً عن صحيفة الحياة