السلام العالمي في عالم متفاوت
بقلم/ توكل كرمان
نشر منذ: يوم واحد و 21 ساعة و 8 دقائق
الجمعة 28 يونيو-حزيران 2024 09:11 م

كلمة الاستاذة توكل كرمان في المؤتمر الدولي عن السلام العالمي في عالم متفاوت - بانكوك 

 

السيدات والسادة الضيوف الكرام والزملاء الكرام

 

يشرفني بشدة أن أقف أمامكم اليوم هنا في بلد تايلاند الجميل في المؤتمر الدولي للسلام والتنمية وبناء الأمة 2024. يأتي موضوع هذا التجمع "السلام في عالم من التفاوت"، في وقت محوري في رحلتنا العالمية. بينما نبحر في عصر يتميز بالتطور التكنولوجي السريع، نواجه في نفس الوقت توترات متفاقمة ناجمة عن عدم المساواة والانقسامات العنصرية والطغيان والصراعات حول الموارد. هذه التوترات ليست مشاكل داخلية فقط: الحرب الروسية ضد أوكرانيا، الاحتلال الإسرائيلي والتدمير المنهجي لفلسطين، الحروب في السودان، سوريا، الكونغو، اليمن. بالإضافة إلى ذلك، فإن الحروب التي يشنها الطغاة ضد شعوبهم تنشر الظلم والصراع. ترسل هذه الصراعات موجات صدمية إلى أبعد بكثير من حدود بلد أو اثنين، مما يؤثر على السلام والأمن العالمي والعديد من الدول في جميع أنحاء العالم.

 

**فهم الفوارق**

 

لفهم السلام في عالم يتسم بالتباين، يجب علينا أولا أن نتعمق في طبيعة هذه الفوارق. تتجلى الفوارق الاجتماعية والاقتصادية في شكل فجوات في الثروة، وعدم المساواة في الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية وفرص العمل. تتجلى الفوارق العنصرية في التمييز المنهجي، وممارسات إنفاذ القانون المتحيزة، ونقص تمثيل المجتمعات في مختلف مجالات الحياة. تسلط الفوارق البيئية الضوء على التوزيع غير المتساوي للموارد الطبيعية والأثر غير المتناسب للتدهور البيئي على المجتمعات الضعيفة. غالبا ما تنبع الفوارق الثقافية من عدم فهم وتقدير التنوع، مما يؤدي إلى التجزؤ الاجتماعي.

 

هذه الفوارق ليست معزولة؛ فهي متشابكة وتزيد من حدة بعضها البعض. فعلى سبيل المثال، كثيراً ما تؤدي الفوارق الاجتماعية والاقتصادية إلى الظلم البيئي، حيث تتحمل المجتمعات الفقيرة وطأة التلوث وتغير المناخ. وبالمثل، يمكن أن تضاعف التفاوتات العنصرية التفاوتات الاقتصادية، مما يخلق حلقة مفرغة يصعب كسرها.

 

** التأثيرات على السلام**

 

لا يمكن إنكار الصلة بين الفوارق والصراعات. تولد أوجه عدم المساواة الاستياء والإحباط، مما يمكن أن يتصاعد بسهولة إلى عنف. إن عدم تكافؤ الفرص والموارد يعزز الشعور بالظلم والتهميش. عندما يشعر الناس بالإقصاء من فوائد التنمية والتقدم، فإنهم أكثر عرضة للجوء إلى تدابير متطرفة للتعبير عن مظالمهم. يتضح هذا في العديد من أنحاء العالم حيث أثارت الاحتجاجات والانتفاضات مزيج من الصعوبات الاقتصادية والتمييز العنصري والحرمان السياسي.

 

يعد الصراع الروسي الأوكراني تذكيرًا صارخًا بكيفية أن الدكتاتورية والتباينات الجيوسياسية والمظالم التاريخية يمكن أن تؤدي إلى حروب مطولة ومدمرة.

 

يجب أن نعترف بأن الدكتاتوريات تمثل أحد أهم الأخطار على السلام العالمي والداخلي على حد سواء. غالبًا ما تديم الدكتاتوريات القمع المنهجي وانتهاكات حقوق الإنسان والصراعات. إنهم يقوضون سيادة القانون، ويخنقون المعارضة، ويخلقون بيئات من الخوف والقمع.

 

من أجل السلام المستدام، من الضروري ضمان حماية حقوق الإنسان الأساسية، بما في ذلك حرية التعبير والتجمع والصحافة. أيضاً ضمان الحكم الشامل والقائم على المشاركة، ومؤسسات ديمقراطية قوية هي حجر الزاوية للمجتمعات السلمية.

 

تُبنى المجتمعات الشاملة على الاعتراف بأن التنوع قوة. عندما يجتمع الأفراد من خلفيات مختلفة، فإنهم يجلبون وجهات نظر وحلول فريدة للتحديات المشتركة. يجب على صناع السياسات المشاركة في حوار حقيقي مع جميع قطاعات المجتمع. وينطوي ذلك على إنشاء آليات شفافة للمشاركة السياسية، وضمان سيادة القانون، ومحاسبة من ينتهكون حقوق الإنسان.

 

**حقوق الطبيعة**

 

الاعتراف بحقوق الطبيعة هو نهج قوي لمعالجة الفوارق وتحقيق مجتمع أكثر إنصافا.

ينبغي للسياسات أن تحمي النظم الإيكولوجية الطبيعية وأن تعزز التنمية المستدامة، وهذا سيساعد على سد الفجوة بين الفوارق البيئية والاجتماعي.

 

يجب أن نعمل من أجل العدالة البيئية لضمان حصول جميع المجتمعات في جميع أنحاء العالم، بغض النظر عن وضعها الاجتماعي الاقتصادي أو خلفيتها العرقية، على بيئة صحية. يشمل ذلك الهواء النظيف والماء النظيف، والإسكان الآمن، والمساحات الخضراء. يجب أن نوقف هذا الاستغلال المتهور لموارد الأرض، ووقف انبعاث الوقود الأحفوري، وحماية التنوع البيولوجي والنظم الإيكولوجية للأرض الأم.

 

**الحرب في غزة ودعم الناس هناك **

 

أخيراً، بينما نجتمع لمناقشة السلام والفوارق، لا يمكننا أن نتجاهل الحرب الجارية في غزة.

 

لا يجب أن ننسى أن هناك حرب إبادة وتطهير عرقي تدور اليوم في غزة، لم يشهد العالم أمثالها منذ الحرب العالمية الثانية. هذه الحالة تجري الآن مناقشة في محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية لإدانة إسرائيل وإصدار أوامر اعتقال ضد مرتكبي هذه المجازر.

 

أدعو تايلاند إلى دعم هاتين المحكمتين والمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار، وإنهاء الاحتلال، وإعادة الإعمار وتوفير جميع الاحتياجات الإنسانية. بالإضافة إلى ذلك، يجب محاكمة مرتكبي هذه المجازر أمام محكمة العدل، وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته الحرة المستقلة.