المخاتلة المشتركة ..!!
بقلم/ مصطفى راجح
نشر منذ: 9 سنوات و 9 أشهر و 10 أيام
الخميس 05 فبراير-شباط 2015 04:53 ص


لا يقود محمد الرباعي حزباً فاعلاً وكبيراً. غير أن الرجل الذي تجاوز الثمانين عاماً بدى أمس الأول حزب لوحده ، حزب أكبر من الإصلاح والإشتراكي وهو يصرخ في وجه جماعة الحوثي على قناة السعيدة : من أنتم ، من أنتم حتى تحددوا مهلة للقوى السياسية ؟
كان الرباعي هو النائب الوحيد الذي رفض التصويت للرئيس السابق علي عبدالله صالح في جلسة مجلس الشعب التأسيسي في الجلسة الشهيرة لانتخاب رئيس للجمهورية في عام ٧٨ من القرن الماضي.
واليوم يبدو صوته ولكنته القوية ، بالإضافة إلى موقف التنظيم الوحدوي الناصري ؛ آخر ماتبقى من تحالف اللقاء المشترك.
لقد خذل هاذان الحزبان ، الاشتراكي والإصلاح ، اليمنيين في موقفهما الغريب والعجيب الذي داس على واقع إجتياح الدولة والعاصمة والرئاسة من قبل جماعة مسلحة وذهب ليعطيها غطاءاً سياسيا لانقلابها ، قبل أن ينسحب الناصري ليضعهما في موقف لا يحسدان عليه ، موقف لم يجدا معه بداً من الخروج من موفمبيك واللحاق بعبدالله نعمان الأمين العام للتنظيم الناصري الذي جعل لحزبه مكانة وشعبية من خلال مواقفه القريبة من المزاج الشعبي والمصلحة الوطنية العامة للشعب اليمني.
في أي نقطة يمكن لهذه التكوينات الحزبية أن تراجع نفسها إذا لم تكن حالة الفراغ الكامل ، وحالة اللادولة ، وحالة إقتحام العاصمة والدولة والرئاسة والمبادرة السياسية كلها من قبل جماعة مسلحة ؟
لقد لحقا بالناصري ليس لأنهما أدركا فداحة تغطية الانقلاب على الدولة والدستور والمجتمع ، ولكنهما لحقا به لإقناعه بالرجوع عن إنسحابه ، والعودة إلى طاولة الإذعان ، والخيانة للشعب اليمني ودماء شبابه الذين خرجوا من أجل التغيير والحرية والكرامة ، وليس من أجل تسليم البلد ودولته ومصيره ومستقبله للميليشيا المنفلتة من عقالها.
 يبدو جلياً وواضحاً أن طريق الانفراد بإدارة البلد من قبل جماعة الحوثي يكرس حالة الانهيار والتفكك ، ويغلق البلد أمام كل ممكنات الانفراج. إدارة الدولة والبلد تختلف جذرياً عن متطلبات السيطرة بالقوة والسلاح على مؤسساتها وعاصمتها ورئاستها. هذا التسيّد للقوة الغاشمة لا يصنع حلاً ، ولكنه يعزل اليمن عن محيطه الإقليمي وعلاقاته الدولية ، ويعزل المسيطرون على السلطة بالقوة عن شعبهم ومكونات بلدهم وقواه المتعددة ؛ فالجميع لن يقبلوا بأن يحكموا بالقوة والغلبة والعنف. وقد شاهدنا كيف أجبر الحراك الحزبي داخل الاشتراكي والإصلاح القيادات المتواطئة على اللحاق بالتنظيم الناصري ، وأغلق مقرات الحزبين بمبادرات ذاتية من الشباب الأحرار الذي يدفع ثمن تواطؤات النخب الحزبية منذ ثلاث سنوات ، بل وقبل الثورة الشعبية في ٢٠١١.
المؤكد الآن أن التحديات التي واجهت اليمن في ٢٠١١ تختلف تماماً عن التحديات الوجودية التي تواجهها الآن.
وبينما كان اليمنييون يتطلعون إلى تغيير في بنية السلطة عام ٢٠١١ ينقلهم إلى وضع أفضل ؛ إذا بهم الآن يحاولون التشبث بالبقاء واستعادة الدولة وتجنب الانهيار النهائي لبلدهم في ظل تتويج المرحلة الانتقامية باجتياح الميليشيا لمؤسسات الدولة والعاصمة.
أسوأ الخيارات الآن هو تطبيع الوضع الراهن مع حالة الفراغ المخيفة ، وكذلك إنفراد الجماعة المسلحة بالسلطة وتقرير مصير اليمن.
وأمام هكذا ثنائي كارثي يتجلى مجلس النواب المنتخب من كل اليمن كمنفذ طوارىء معقول من نفق الفراغ والميليشيا. وإمكانات التوافق عبر هذا الممر أكبر وأوسع بكثير من التوافق مع القوة الباطشة في ردهات موفمبيك. فأي حوار يفتح مع حزب المؤتمر الشعبي العام من قبل أحزاب اللقاء المشترك سيكون إيجابياً في ربط هذا المسار الدستوري بتوافقات تحافظ على التوازن بين جميع المكونات ، وتبعث بتطمينات للجميع أن الالتزام باستحقاقات هذا المسار الدستوري لن يؤدي إلى إنفراد المؤتمر الشعبي العام بتقرير مصير البلاد بمفرده ، ويمكن عكس هذه التوافقات بإجراءات مباشرة عبر تغييرات في هيئة رئاسة المجلس ، والالتزام بمخرجات الحوار بعد تعديلها وتنقيتها من ألغام الوصاية الدولية التي مثلها " المبعوث الأمريكي " جمال بنعمر ، وكذلك التوافق حول الحكومة الانتقالية ، والأهم من ذلك كله أن تقوم كل هذه التوافقات وهذا المسار الدستوري على أرضية إستعادة الدولة من قبضة الميليشيا التي أجتاحتها ، أو البحث عن بدائل لعمل الحكومة المقبلة من خلال اختيار عاصمة مؤقتة بعيدة عن سيطرة جماعة مسلحة من خارج الدولة.
لم يعد مجدياً أن تعلن هذه الأحزاب أو بعضها تمسكها بعودة الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي وعودة حكومة بحاح المستقيلة ، في الوقت الذي لم تتغير فيه المعطيات التي أدت إلى الإستقالتان ، وفي ظل تأكيد الرئيس والحكومة على المسار الدستوري عبر مجلس النواب ، وهو المسار الذي تحاول الأحزاب المتواطئة تجنبه والقفز من فوقه.
نسف الدستور وماتبقى من مؤسسات سيادية " مجلس النواب " لن يؤدي إلى تلافي انهيار البلد بلد يعزز من احتمالاته وتبعاته الكارثية.