مع اليمن أو ضده ..النصائح الأمريكية للنخبة الحاكمة والمعارضة
بقلم/ أحمد الزرقة
نشر منذ: 17 سنة و 3 أيام
الأربعاء 14 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 10:57 ص

مأرب برس - خاص

تدير أمريكا في اليمن حوارات متعددة مع مختلف الفاعلين والاطياف السياسية في اليمن في السلطة قبل المعارضة ومع المعارضة ضد النظام ومع الديكتاتورية في وجه الفوضى،والكل فرحان بذلك الحوارالذي يكشف برجماتية الامريكان وسذاجة أو بالاصح إنتهازية الاطراف المحلية المشاركة في الحوار.

وهي تقدم باليمين نصائح تساعد النظام على الاستمرار في الحكم وفي نفس الوقت تهدي بالشمال للمعارضة اليمنية طرق هدم النظام وتقويضة، وهي استراتيجية معتمدة ليس في اليمن وحدها بل في المنطقة العربية بأسرها.

أمريكا تقدم للنظام النصائح التي تضمن بقاء النخبة الحاكمة وتقدم الدعم اللوجستي والاستخباراتي وتدريب الكوادر الامنية والعسكرية التي يتم توضيفها لمواجهة النشاط المدني والمجتمعي المناوئ،وتلك الكوادر تستخدم تقنيات وخبرات واساليب أمريكية بل وتقدم المنح التدريبية لكوادر تلك الاجهزه ولاننسى أن اكثر من 70 ضابطا على سبيل المثال من منتسبي جهاز الامن القومي – حديث النشأة- تم ابتعاثهم رسميا للدراسة في بلاد العام سام.

وغير خفي التعاون اليمني – الامريكي في مجال مكافحة الارهاب وما يترتب عليه من قضايا وتبادل في المعلومات والافكار والخبرات في هذا المجال،وبناء على ذلك التعاون إنتهكت السيادة اليمنية عندما قامت طائرة بدون طيار بقتل أبو علي الحارثي ومرافقيه في صحراء مأرب، وبحجة التعاون اليمني – الامريكي – روع الامريكان سكان مدينة عدن عقب تعرض المدمرة كول لهجوم من قبل تنظيم القاعدة اسفر عن مقتل 17 من بحارتهاعام 2000م، حيث أرسل الامريكان طاقم خاص للتحقيق حول الحادثة واشترط التحقيق مع المشتبه بهم .

وتعد محاكمة أعضاء القاعدة في اليمن هي القاسم الابرز لحضور مندوبين عن السفارة لتلك المحاكمات، كما أن العديد من أعضاء القاعدة قالوا أن محققين امريكيين حضروا جلسات التحقيق معهم.

ولا تكاد رسائل الاحتجاج والتلويح باتخاذ عقويات على اليمن جراء تهاونها في التعامل مع أعضاء تنظيم القاعدة، ولا ادل على ذلك الاجراءات التي ترافقت مع نبأ إطلاق جمال البدوي من السجن ووضعه تحت الاقامة الجبرية في منزله بمدينة عدن وتوالت الاحتجاجات الامريكية بدء من إعتراض وزارة العدل الامريكية التي اعقبها زيارة مساعدة وزير الخارجية الامريكية لمدينة عدن ونقل رسالة احتجاجية على ذلك الاجراء ،وإلغاء زيارة رئيس مؤسسة الالفية لليمن التي كان مقرر إجرائها الاربعاء الفائت وتعليق مبلغ المساعدة لليمن البالغ قدره عشرين مليون دولار،ومرورا بزيارة مندوب من سفارة واشنطن للبدوي في سجنه ، ولقاء السفير الامريكي بالرئيس اليمني،مضافاإلى ذلك الهجوم الشديد على اليمن في وسائل الاعلام الامريكية واتهامه بعدم الجدية في التعاون والحرب على الارهاب.

والعام الماضي رفعت الولايات المتحدة الامريكية حالة الاستنفار والتأهب في وسط قواتها عقب هروب 23 سجينا من أعضاء القاعدة في اليمن من سجن الامن السياسي. وتعد بلاغات وتحذيرات الخارجية الامريكية لرعاياها بأن اليمن من البلدان الخطيرة التي لا توصي رعاياها بزيارتها أمراً مألوفا في علاقات البلدين.

وعلى الرغم من زيارة الرئيس علي عبد الله صالح لواشنطن سبع مرات خلال العقدين الاخيرين إلا أن الاخبار كانت تتحدث دوما عن سيطرة الاجندة الامنية على برامج تلك الزيارات.

وتعد اليمن من أقل الدول في المنطقة إن لم يكن في العالم إستفادة من الدعم والتمويل الامريكي ، وما تقدمه امريكا من مساعدات يقدم عينيا وليس نقدا .

وغالبا ما تكون اليمن محطة لزيارة العديد من القيادات العسكرية والامنية الامريكية ، وقلما تزور اليمن شخصيات امريكية سياسية .

تلك الاستراتيجية التي تنتهجها واشنطن في تعاملها مع اليمن ،تختلف في تعاملاتها عن تلك التي تتبعها مع دول الجوار، وهي غالبا ما تنطلق خلالها من منطلق المصلحة البحتة،ولم تكن اليمن تحتل اولوية خاصة في التفكير الاستراتيجي الامريكي للقيادات الامريكية المتعاقبة،خاصة عندما كانت تتقاطع مع حلفائها الاستراتيجيين في المنطقة، تلك النقطة جربتها اليمن خلال التوترات الحدودية التي مرت بها اليمن مع المملكة العربية السعودية عام 1995م عندما نصح الامريكان الرئيس اليمني بحل ذلك الخلاف وديا، لان أمريكا غير مستعدة للتضحية بحليفها الاستراتيجي في المنطقة من أجل اليمن.

علاقات البلدين لم تكن أضلاعها متساوية نهائيا،وشهدت تلك العلاقات لانتكاسة كبيرة عقب موقف اليمن خلال حرب الخليج الثانية،ولم تقنع التبريرات اليمنية الادارة الامريكية التي كانت تبحث عن موقف صريح ويتطابق مع الموقف الامريكي.

وبناء على ذلك الموقف أقفلت امريكا مكتب وكالة التنمية الامريكية في صنعاء ، وأحتلت اليمن موقعا هامشيا في الاجندة الامريكية،لكن الموقف الامريكي من حرب صيف 1994م المؤيد للوحدة اليمنية والرافض للانفصال ساهم في إعادة القليل من الروح لعلاقات البلدين.

وأدت حادثة تفجير كول وبعدها الناقلة الفرنسية ليمبرج على شواطى حضرموت وبينهما حادثة 11-9-2001م في إعادة الاهتمام الامريكي باليمن بصفتها إحدى بؤر مكافحة الارهاب الذي إحتل قائمة الاولويات في إدارة الرئيس جورج بوش، ولعل الجانب الايجابي لتلك العلاقات هو ما أعلنه الرئيس علي عبد الله صالح بأن تعاونه مع الجانب الامريكي جنب اليمن ضربة عسكرية محتملة مثل تلك التي تعرضت لها افغانستان ، او على الاقل التي تعرض لها السودان.

ومن خلال التتبع الدقيق لمفهوم التعاون الاقتصادي الامريكي لليمن،نكتشف أنه مفهوم مختلف لما هو سائد ومألوف على الاقل يمنياً يتمثل في تشجيع المانحين الاقليميين والدوليين على مساعدة اليمن عبر تقديم النصائح تارة والتخويف تارة من إنفلات الامور في اليمن مما قد يؤدي لعدم إستقرار المنطقة،وتنامي الجماعات المتطرفة التي ترتفع نسبتها في المجتمعات المغلقة والفقيرة،أوعبر تقديمها للمجتمع الدولي عبر دبلوماسية المؤتمرات كما حدث عندما تمت دعوة اليمن للمشاركة في اجتماعات الدول الصناعية الثمان،وكذلك حثها لدول الخليج العربي على تقديم معونات ضمن مؤتمر المانحين الذي إستضافته العاصمة البريطانية في نوفمبر2006،وإدراجها التدريجي عبر برامج منح صغيرة – تتبع مؤسسات وبرامج أمريكية تهتم بالتنمية السياسية والاصلاحات مثل برنامج تحديات الالفية – وبرنامج التعليم ، هذا بالنسبة للجانب الرسمي .

لكن الاولوية دوما ما تكون موجهه للتعاون الاستخباراتي ويتضح ذلك عبر تتبع خارطة تعيينات السفراء الامريكيين في صنعاء حيث يأتي غالبيتهم من داخل المؤسسات الامنية والاستخباراتية الامريكية، وخدم عدد منهم في الجيش الامريكي في المنطقة العربية أو على الاقل في الشرق الاوسط الكبير بالتعبير الامريكي.

أمريكا والمعارضة اليمنية

أدى سقوط المشروع الامريكي في العراق بتغيير الانظمة العربية عن طريق إستخدام القوة العسكرية،إلى اللجوء لاستراتيجية جديدة لتنفيذ سياساتها الرامية للضغط على الحكام والآنظمة العربية سواء لتغيير الاوضاع أو للتعاون مع الجانب الامريكي ،وتتلخص هذه الاستراتيجية في دعم الاصوات المعارضة والمناوئة للانظمة،عبر تقديمها للنصائح والبرامج التدريبية وخطط العمل الرامية لتطوير قدرات تلك الاصوات على العمل السياسي الفاعل والبناء،وبدأت تلك الاصوات في التعالي بشكل منظم ومنتظم مما سبب إزعاجا للانظمة الحاكمة،وشجعت تلك السياسة على خلق وإضافة نخب تحمل مشاريع سياسية واضحة وتهدف لاسقاط الحكام والانظمة المسيطرة صراحة ودون مواربة،وتحولت شعارات مثل كفاية ،إلى أسماء لحركات سياسية منظمة تعلن رفضها لاستمرار الانظمة،وتدعو للاحتكام لصناديق الاقتراع،وتتبنى قضايا نابعة من الشارع،بل وتستقوي بالشارع ورجل الشارع الذي ظل هامشيا على مدى التاريخ العربي المعاصر،منذ إنتهاء زمن الثورات التي سيطر عليها الجنرالات وانتزعوا شرعيتها من الشارع العربي.

وفي اليمن شهدت السنوات الخمس الاخيرة حراكا ووجودا أمريكيا لافتا على مستوى الشارع السياسي المعارض،وتعددت البرامج والمشاريع والمؤسسات الامريكية التي تعمل في مجال التنمية السياسية الديمقراطية،وأصبح التعامل بين المؤسسات الحزبية ومؤسسات المجتمع المدني اليمنية وبين تلك المؤسسات الغربية بشكل عام والامريكية بشكل خاص من الامور المقبولة والعادية بعد سنوات من التمنع والمعارضة،سواء من قبل الاحزاب اليسارية والقومية والاسلامية،أو من وجهة النظر الرسمية،ذلك التعامل اليومي والممنهج لم يكن إعتباطيا أو عشوائيا بل هو مدروس إلى حد كبير،ويهدف إلى دعم القدرات المؤسسية للاحزاب السياسية الرئيسية المعارضة،وتنمية قدراتها التحالفية وتقويتها ميدانيا وسياسيا،لتكون بديلا او حتى رديفا للسلطة الحاكمة،ومصدر تهديد ومساومة للنظام السياسي الحاكم،ولا يقتصر الدعم على تقديم النصح فقط بل إلى رعاية وتكوين نخب سياسية،وصحافية مدهوشة بالحلم الامريكي والمصطلحات الليبرالية،قابلة للاشتعال بسرعة بالافكار والافعال السياسية المناهظة للانظمة الاستبدادية والفردية فظهرت بل وسيطرت مصطلحات(الثورة البرتقالية – النضال السلمي- النزول للشارع) على الخطاب السياسي المعارض،ودرجت الاحزاب المعارضة على إستخدام تلك المصطلحات في مفردات خطابها اليومي،وبشكل اربك حتى العديد من قواعدها الحزبية بسبب حداثة تلك المصطلحات على الخطاب السياسي والوعي الجماهيري.

ومثلما تقدم المؤسسات الامريكية الرسمية لدعم لسياسات الحاكم في اليمن،تسعى المؤسسات الامريكية غير الرسمية لتقديم خدماتها للمعارضة اليمنية سواء على شكل منح تدريبية ولقاءات سياسية ومشاريع فنية لتطوير أداء تلك الاحزاب ،وتقوية التحالفات فيما بينها،ولفت نظر النخب الحزبية بإتجاه قضايا تم إغفالها محليا،وتلك القضايا قد تكون مدخلا لفاعلية سياسية عند الالتفات لها قد تستخدم بطريقة مؤذية لمؤسسة الحكم،والشق الثاني هو العمل على حث الاحزاب المختلفة على الضغط على الحزب الحاكم،من أجل توفير ضمانات سياسية سواء في مجالات الانتخابات أو الحوارات السياسية.

الجانب الاخر للتعاون مع المجتمع السياسي المدني يتمثل في المنح والدورات التدريبية للقيادات الشابة سواء الحزبية أو الصحافية،وتشجيع التواصل بينهم مع تلك النخب والمؤسسات الامريكية العاملة في مجالات الحقوق والحريات وحماية الصحافيين، من اجل خلق علاقة قائمة على المساندة الادبية والسياسية،لقضايا الحقوق والحريات.

النشاط الامريكي في المجال العام ووسط المجتمعات المحلية الهادف لتنميتها وتغيير أنماط السلوك فيها،تثير إلى حد كبير السلطات الرسمية،وتجعلها في احيان كثيرة تبدي تبرمها وضيقها من تلك التحركات وسبق للسلطات الرسمية مثلا الانزعاج من تحركات السفير الامريكي السابق ووصفته الصحافة الرسمية للحزب الحاكم بأنه يحاول القيام بدور الحاكم العسكري ،بل إن تحركات رئيسة المعهد الديمقراطي الامريكي السابقة في اليمن تعرضت لانتقاد حاد ومباشر من الرئيس علي عبد الله صالح حين وصفها بالعجوز والجاسوسة الامريكية،عندما تبنت مشاريع لانهاء قضايا الثأر في محافظات مأرب والجوف وشبوه ، وحاولت تشجيع القبائل في تلك المحافظات على تشكيل تحالف قبلي بينها.

وذهب الرئيس صالح بعيدا عندما قال "إن الامريكيين كلهم كذابون" وكان ذلك تعبيرا عن إنزعاجه الشديد من جهود روبن في اليمن، ولا يستطيع أي منصف للحقيقة أن ينكر أن جهود روبن خلال الخمس سنوات والنصف التي قضتها في اليمن لم تؤثر بشكل واضح عن تغيرات واضحة ومؤثرة في الاداء السياسي الحزبي المعارض،وتقوية التحالفات بين الاحزاب والعمل على تطوير إمكاناتها التفاوضية، بل انها لعبت دورا كبيرا في تبني قضايا المشاركة النسوية في الانتخابات، وفي داخل الاحزاب السياسية، ومثل تواجدها الجاد والمستمر لبناء تحالفات هامه مستمرة حتى اليوم ،منطلقة من دراستها ومعرفتها للشخصية اليمنية،وتشخيص دقيق للحالة اليمنية مكنتها من لعب دور أزعج السلطات الرسمية وجعلها هدفا لانتقادات حادة من مؤسسات الحكم ،كما انها لم تسلم من هجوم الصحافة الحزبية والقريبة من المؤتمر الشعبي العام وبدرجة تحتوي على الكثير من التجريح والشتم.


التعامل الامريكي بالطريقتين أعلاه له قد تكون له حسناته وبالتأكيد لا يخلو من مساؤي ، وهو ينبع من رؤية أمريكية خاصة لها علاقة بالتأكيد بسياسة الجزرة والعصا،لكن هل يمكن ان يتبنى الامريكان سياسة أخرى تقوم على العمل من أجل تطوير أليات العمل الديمقراطي داخل الاحزاب الحاكمة،إلى جانب احزاب المعارضة حتى لا تختل كفتي الميزان،إذا اعتبرنا السلطة والمعارضة تمثلان تلك الكفتان،وحتى لا يكون التغيير صادما أو متعارضا مع ما تريده الاغلبية الصامتة من الشعوب العربية.