الهاشمية.. التقديس والاحتلال الناعم للمسلمين
بقلم/ توفيق السامعي
نشر منذ: ساعة و 56 دقيقة
الخميس 08 أغسطس-آب 2024 04:18 م
  

أهم الملاحظات في أحاديث الصلاة الإبراهيمية

 

سردنا كل صيغ أحاديث الصلاة الإبراهيمية عند المحدثين والأئمة لاستقصاء روايتها وتأصيلها ودراستها، كباحثين، للوقوف على أصل هذه المسألة المهمة التي صارت كيداً سياسياً بين المسلمين، وركيزة هاشمية إمامية شيعية أساسية للتسلط على المسلمين بمسألة الاصطفاء والتمييز العنصري، ووجدنا أهم الملاحظات فيها التي لا تجعل هذه الصلاة موثوقة ولا مسنودة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بما عليها من المآخذ التالية:

- الحديث جاء من ثلاث طرق فقط عند جميع المحدثين، إلا عند أحمد فقد جاء من أربع طرق؛ عن طريق كعب بن عجرة وأبي مسعود الأنصاري، وأبي سعيد الخدري، ولم يرد عن غيرهم، إلا الطريق الرابع عن طريق أبي حُميد الساعدي، وهو حديث يختلف كلياً في ألفاظه ومقاصده وقوة سنده، عن رواية كعب بن عجرة وأبي مسعود الأنصاري، وأبي سعيد الخدري، كما أوضحنا آنفاً. وهناك رواية يتيمة أوردها الشافعي عن أبي هريرة لم ترد عند أصحاب الحديث الآخرين، وقد قال عنها رجال الحديث إنها ضعيفة جداً لضعف شيخ الشافعي (مسند الشافعي ترتيب سنجر: ج1/285، رقم الحديث (257). وقال عنه محقق الكتاب ومخرج أحاديثه: إسناده ضعيف جداً لشدة ضعف شيخ الشافعي)، وهي نفس رواية وألفاظ كعب بن عجرة، ويبدو أن الحديث لكعب بن عجرة. 

 

وإذا كانت هذه الصلاة صحيحة لكانت مشهورة عند جميع أو معظم الصحابة؛ كون الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يعلمهم التشهد كما يعلمهم السورة من القرآن، كحديث التشهد المشهور من روايات مختلفة عن أكثر من عشرة من الصحابة. وقد كان كعب بن عجرة من الأنصار؛ أي من المسلمين بعد الهجرة (لا يعلم على وجه الدقة متى كان إسلامه، إلا أنه من مسلمي الأنصار بالمدينة)، والصلاة فرضت على النبي -صلى الله عليه وسلم- في حادثة الإسراء والمعراج في السنة العاشرة للبعثة في مكة قبل الهجرة. 

 

واختلف المؤرخون وأصحاب الحديث متى كانت هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، فمنهم من قال في السنة الحادية عشرة للبعثة، ومنهم من قال في السنة الثالثة عشرة للبعثة، ومنهم من قال في السنة الرابعة عشرة للبعثة، وأن حادثة الإسراء التي فرضت فيها الصلاة كانت قبل الهجرة بعام واحد، ومنهم من قال كانت بخمسة أعوام. وما يهمنا هنا أنه من المؤكد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علم المسلمين التشهد في هذه الصلاة بعد فرضها؛ أي في مكة قبل الهجرة بسنوات، وأن رواة أحاديث الصلاة الإبراهيمية –على علة أحاديثها- كانوا في المدينة بعد الهجرة، وأشهرهم حديث كعب بن عجرة الأنصاري، الذي صار مرجعاً في ذكر تلك الصلاة، والذي أخذ عنه المحدثون؛ فقد كان متأخراً هو وأبو مسعود الأنصاري أو أبو حُميد الساعدي أو غيرهم، وهذا يقوي حديث عبدالله بن مسعود في أمر التشهد، في أنه ورد بغير صلاة على النبي، وكذلك تشهد عائشة وعمر من الذين أسلموا بمكة قبل الهجرة، وفرضت الصلاة وهم مع الرسول في مكة قبل الهجرة.

 

كما نجد أن الإمام أحمد بن حنبل انفرد بكثير من هذه الطرق؛ فقد أورد زيادة عن الأولين طريق زيد بن خارجة (وإن كانت ألفاظ هذا الحديث غير ألفاظ الأحاديث السابقة)، وطلحة بن عبيد الله دون ذكر سلسلة من السند، كما في بقية الأحاديث!

 

- نجد اضطراباً في صيغ الأحاديث بين رواية وأخرى، من زيادة ونقصان، حتى في إطار الحديث الواحد من طريق الرواية الواحدة والراوي الواحد؛ كرواية ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة. مرة يقول كعب: قيل، ومرة قال: قلنا، ومرة قال: سألت رسول الله، ومرة قال: خرج علينا رسول الله.. وهناك توضيح من أبي مسعود أن بشير بن سعد، وهو أحد الصحابة، أنه هو كان السائل للنبي عن كيفية الصلاة...وفي رواية أبي مسعود أيضاً فيها زيادة ونقص، في بعض ألفاظ الحديث، كما جاء عند مسلم وعند النسائي؛ فمرة يقول: قيل يا رسول الله، ومرة أوضح قال: سأله بشير بن سعد، وهكذا دواليك.

 

- في كل صيغ التشهد، وتعليم النبي -صلى الله عليه وسلم- للصحابة، كما في الأحاديث (لقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن) لم يرد أي تعليم للنبي صحابته إضافة الصلاة إلى التشهد ولا صيغتها، ولو كان ورودها بعد التشهد لعلمهم إياها كما علمهم بقية الألفاظ الأخرى، والأدعية الأخرى، لكنه لم يفعل، فهو صحح ألفاظ التشهد لابن مسعود، ولكان عند هذا التصحيح أضاف إليه الصلاة الإبراهيمية، لكنه لم يفعل!

 

- وكذلك فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلم أصحابه اختيار الدعاء بعد التشهد، ولكنه لم يعلمهم الصلاة الإبراهيمية بعد التشهد، ولم يلحق الآل بها، ولو كان الأمر صحيحاً لكان حرص على تعليمهم إياها، كما في بقية الأدعية. فمثلاً هناك حديث رواه أبو هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم: "إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر المسيح الدجال"(الفتح الرباني في مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني: ج2/صـ15)، وكذلك نفس الحديث عن عائشة -رضي الله عنها. 

 

- كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يعلم الصحابة أدعية في صلواتهم، ولم يُذكر أنه علمهم الصلاة على آل النبي في هذه الصلوات، ومنها حديث أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أنه قال للنبي -صلى الله عليه وسلم: علمني دعاءً أدعو به في صلاتي، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم" (متفق عليه من حديث أبي بكر –رضي الله عنه).

وكذلك رواية علي بن أبي طالب نفسه: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم والمؤخر لا إله إلا أنت (رواه مسلم من حديث علي –رضي الله عنه).

وحديث معاذ بن جبل -رضي الله عنه: "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" (رواه أحمد وأبو داود والنسائي وقال الحافظ: بسند قوي من حديث معاذ بن جبل –رضي الله عنه).

 

- من يقرأ ويتعمق في هذا الباب يجد أن من يروي هذه الصلاة ويعينها في التشهد هم بعض الأئمة والفقهاء في عصور متأخرة ولم تسند إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أو إلى عموم الصحابة من بعده، وحتى ما ورد من بعض الصيغ التي تقول بورود بعضها عن الصحابة فهي قليلة نادرة ليست مشهورة، والتأويل فيها أكثر من الثبوت.

 

- أورد الإمام مسلم -نفسه- الصلاة على النبي في عنوان "باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد" مجردة من ذكر الآل ولم يعمل به في كل موضع ذكر فيه النبي –صلى الله عليه وسلم- من صحيحه.

 

- عنون الإمام مسلم هذا الباب بـ"الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد التشهد"، ولم يورد مطلقاً أية إشارة أو لفظاً له عن مصادر وسلسلة الحديث، والأحاديث التي أوردها في ذلك، عن مكان هذه الصلاة؛ أي إنه لم يحدد المكان في السياق، كما في العنوان، ولم يورد أي دليل على ذلك من لفظ الأحاديث.

 

- ألفاظ الأحاديث التي وردت في تلك الصلاة، سواء عند البخاري أو مسلم، أو الشافعي أو أحمد ليست متساوية في ذكر الآل، فقد أورد الأحاديث كلها بأنها تتلفظ على آل إبراهيم ولم يذكر إبراهيم قط في الأحاديث، وهو الأولى بالذكر من آله وهو الأصل وآله الفرع!

 

- هناك حديث واحد بسنده إلى أبي حُمَيد الساعدي خالف هذه الألفاظ، وذكرها بشيء من الإيضاح والتفصيل من يكون الآل والأهل (اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد)، وهذا يظهر اضطراباً في رواية أحاديث الصلاة الإبراهيمية كما لو كان مفتعلاً، ولم يرد عند بقية الرواة والموثقين المحدثين. 

ورواية الساعدي إيضاح كامل من المقصود بآل النبي أو أهل بيته؛ فهم أزواجه وذريته. وآل إبراهيم، كما هو معروف هم الأنبياء من ذريته؛ إسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف والأسباط، ولذلك لا غرو أن يتم الثناء عليهم والصلاة عليهم، لكن أن يتم مقارنة قرابة النبي وهم أناس عاديون بآل إبراهيم، فهذا تعسف في القول ولا يصح البتة؛ فمن أقرباء النبي -صلى الله عليه وسلم- كان من أشد الناس عداوة له كأبي لهب وبعض بنيه، وسفيان بن الحارث بن عبدالمطلب وبنيه وغيرهم، فهل يدخلون في الصلاة عليهم؟!

وحتى العباس، عم النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي ذكره بخير فقد كان ضمن محاربيه في بدر ووقع أسيراً ولم يسلم إلا في زمن متأخر في عام الفتح، بينما تعلم المسلمون التشهد والصلاة على النبي قبل الهجرة؛ كون التشهد لازمة من لوازم الصلاة ومن أركانها. أما الصلاة الإبراهيمية فهي لا تصح، وفيها خلاف كبير؛ في ألفاظها، ومواضعها، وروايتها، وطرق نقلها... وغيرها من المآخذ.

 

وحديث أبي حُميد الساعدي هذا الذي يوضح من تكون الصلاة عليه عن النبي –صلى الله عليه وسلم- لم يرد عند الشافعي، كما ورد عند جميع المحدثين، وعلى رأسهم الإمام مالك بن أنس؛ أول الأئمة والمدونين للحديث. وعلى الرغم من أن مالك بن أنس أحد شيوخ الشافعي الذين روى عنهم إلا أن الشافعي لم يروِ حديث أبي حميد الساعدي كما عند مالك، الذي يفصل من هم المقصودون بالأهل الواردة الصلاة عليهم (اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد)!

....يتبع