آخر الاخبار

بعد إيقادهم لشعلة سبتمبر... كيف تعاملت مليشيات الحوثي مع المحتفلين بثورة سبتمبر في الضالع ؟ اللواء سلطان العرادة يدعو إلى ضرورة تصحيح المسار السياسي والتزام الجميع بميثاق شرف وطني يؤسس لمستقبل آمن وعادل للجميع مأرب: مسيرة حاشدة لعدد من قيادات المقاومة الشعبية بمحافظتي إب ومأرب لزيارة ضريح قائد ثورة سبتمبر. التحالف الوطني يجدد العهد بمواصلة النضال للدفاع عن الجمهورية السفارة اليمنية بسلطنة عُمان تحتفل بثورتي 26 سبتمبر و 14اكتوبر المجيدتين  توكل كرمان: نفتقر اليوم لقيادة وطنية شجاعة وشعبنا قادر على قلب المعادلة وسيفعلها في الوقت المناسب في أكبر عملية عسكرية لاستعادة العاصمة الخرطوم .. الجيش السوداني يشن هجوما غير مسبوق على قوات الدعم السريع إيران تتوسط في صفقة صواريخ .. تعرف على الدوافع التي تدعو موسكو إلى تسليح مليشيا إيران في اليمن الإعلام تنعي الصحفي الكبير حسن عبدالوارث وتصف رحيله بالفاجعة برأس مال يبلغ 20 مليار ريال وفرص عمل لعدد 100 موظف.. العرادة وبن مبارك يفتتحان ثاني بنك أهلي بمحافظة مأرب

خطيئة التأويل عند الحوثيين
بقلم/ د. محمد جميح
نشر منذ: 14 سنة و شهر و 28 يوماً
الخميس 29 يوليو-تموز 2010 07:08 م

اهتمت القيادات الحوثية ضمن تنظيم «الشباب المؤمن» بتربية أتباع هذا التنظيم تربية أصولية، تقوم على تأويل لكامل التراث الإسلامي وللتراث الشيعي بشكل خاص، سواء كان هذا التراث نصيا أم عمليا، بما يخدم التوجهات الفكرية والسياسية لهذه الحركة الخارجة من عباءة الأصوليات الشيعية المعاصرة.

وفي هذا الخصوص، فقد اهتم الحوثيون بأمرين لهما علاقة بـ«الأصولية الخمينية» في بعدها التأويلي. الأمر الأول هو تدريس مادة عن «الثورة الإسلامية» - ضمن المنهج التربوي للحركة الحوثية - كان يدرسها محمد بدر الدين الحوثي، الأخ الأكبر لحسين الحوثي قائد التمرد المسلح عام 2004م، والأمر الثاني على علاقة وثيقة بالأمر الأول وهو نشر وتدريس كتاب «عصر الظهور» لمؤلفه الشيعي علي الكوراني في الحوزة العلمية في مدينة قم الإيرانية.

لماذا؟.. وما العلاقة بين الأمرين؟

بشكل مختصر تلقى أعضاء في هذا التنظيم دروسا مفادها أن الإمام المهدي يتهيأ للخروج، وأن من علامات خروجه أو «ظهوره» على حد توصيف الشيخ الكوراني ثورتين تمهدان لهذا الظهور: الأولى «إيرانية» والثانية «يمانية» حسب ما جاء في كتاب «عصر الظهور» المذكور آنفا.

ثم ماذا؟

اعتنق الحوثيون ما جاء من آثار حول رجل «يماني» يخرج (يثور) وتكون ثورته ممهدة لخروج الإمام المهدي، ولا أريد هنا حقيقة أن أستفيض في سرد النصوص الواردة في هذا الشأن، غير أن ذكر نص واحد أو اثنين مع التعرض للمقاربة الحوثية في «تأويل النص» قد يفيد في فهم طبيعة التأويل الحوثي للنصوص التراثية المختلفة.

يقول الكوراني في كتابه المذكور آنفا: «وردت في (ثورة اليمن الإسلامية) الممهدة للمهدي عليه السلام أحاديث متعددة عن أهل البيت عليهم السلام.. وهي تؤكد حتمية حدوث هذه الثورة، وتصفها بأنها راية هدى ممهدة لظهور المهدي عليه السلام وتنصره». وأضاف الكوراني نصا آخر دفع بقوة باتجاه اعتناق الحوثيين - الذين عنوا بنشر كتاب الكوراني وتدريسه - لتأويلهم الخاص الذي سنكشف عنه في السطور اللاحقة. يقول الكوراني: «أما قائد (الثورة اليمانية الإسلامية) المعروف في روايات باسم (اليماني) فتذكر رواية أن اسمه حسن أو حسين.. وأنه يخرج من اليمن من قرية يقال لها كرعة، وكرعة منطقة في بني خولان في اليمن قرب صعدة».

وقد أدى تدريس كتاب الكوراني إلى تسليط الضوء على «الثورة الإسلامية في إيران» وربطها بـ«الثورة الإسلامية في اليمن» التي أصبح الحوثيون مع اقتراب المواجهات مع الحكومة اليمنية في 2004 لا يشكون في أن قائدها حسين بدر الدين الحوثي هو الذي يقع عليه تأويل أحاديث «اليماني» التي أوردها الكوراني ودرسها أساتذة تنظيم «الشباب المؤمن» الذي أريد له أن يكون نواة «الثورة الإسلامية في اليمن» حسب التصور الأصولي الشيعي لهذه الثورة.

وهكذا ومع مطالع 2004 لم يعد لدى الحوثيين شك في أن حسين الحوثي هو صاحب الراية اليمانية، وأنه سيظل يرفعها حتى يسلمها للإمام المهدي الذي سيخرج في مكة بعد أن يمهد له «اليماني» بثورته التي يذكر الكوراني أنها أهدى الثورات أو أن رايته أهدى الرايات. كل ذلك من دون أدنى تمحيص لمحتوى الروايات وسندها وصحة تأويلها.

وعلى الرغم من أن مقتل حسين الحوثي على يد القوات اليمنية قد شكل ضربة قوية لأصحاب هذا التأويل، فإن الكثير من الأتباع سعوا ليس إلى نسف «التأويل» من أساسه كما كان متوقعا، لكن إلى تعميقه بتأويل أكثر غرابة، وهو أن حسين الحوثي لم يمت، وإنما اختفى، وأنه سوف يعود لإكمال المهمة التي ستنتهي بظهور «إمام الزمان المهدي عليه السلام».

والعجيب أن بدر الدين الحوثي والد حسين كان قد شكك في مصرع ابنه في حوار له مع صحيفة «الوسط» اليمنية بعد مقتل حسين بفترة وجيزة، مما دعم فكرة «الغيبة» لدى العامة الذين لا يصعب عليهم تقبل ما يقوله «سادتهم» في بيئة محفوفة بالفقر والجهل والأمية. وقد كان الإيحاء بأن حسين لم يقتل محاولة من أصحاب «نظرية التأويل» لاستعادة زمام المبادرة ضمن ما يمكن تسميته بـ«تأويل التأويل»، بعد أن اصطدم التأويل الأول بواقعة مقتل حسين في الجولة الأولى من الحرب عام 2004، وذلك في محاولة لإعادة إنتاج تأويلات غير محدودة لنصوص شاء مؤولوها أن يكيفوها لتوائم توجهاتهم السياسية، حيث لا يعدو التأويل أن يكون خادما للأغراض السياسية للمؤولين بعيدا عن مدى دقة التأويل وصحة قواعده العقلية واللغوية.

وتماشيا مع هذه النظرية في التأويل فإن نصوصا كثيرة وجدت لدى أتباع الحوثي يشهد أصحابها الله على أن «سيدي حسين بدر الدين هو حجة الله في أرضه في هذا الزمن» ويبايعونه «على السمع والطاعة والتسليم» والإقرار «بولايته، وأني سلم لمن سالمه وحرب لمن حارب».

وللإنصاف فإن مثل هذه الشطحات التأويلية تعد دخيلة على البيئة الزيدية التي أعلت إلى حد كبير من مكان العقل، حيث وصفت مدرستها بأنها «معتزلية الأصول حنفية الفروع»، فهي من ناحية الأصول تغترف من معين الاعتزال بما عرف عن المعتزلة من إعلاء لمكانة العقل، وهي من ناحية الفروع تصدر عن مدرسة أبي حنيفة الذي كان يقول بالرأي، الذي لا يعدو كونه أحد تجليات المنهج العقلاني في الفكر والفقه الإسلامي.

هذا الشطط في التأويل هو الذي أدى ضمن - عوامل أخرى - إلى نتائج كارثية كان ضحيتها أصحاب هذا الفكر الأصولي المنغلق والمتأثر بـ«الأصولية الخمينية» في نظرتها الخرافية للتأويل. يدعم ذلك سفر الحوثي الأب والابن لإيران ولبنان ولقاء عدد كبير من المراجع الخمينية ومكوثهما في «قم» لفترة غير قصيرة.

وحقيقة أخرى ينبغي التنويه بها وهي أن «الحوثية» ليست بدعا من الحركات في اتخاذ «تأويل المقدس» مطية لأهداف سياسية خالصة من دون الاستناد إلى أسس عقلية منطقية في التأويل، فقد سبقت هذه الحركة كثير من الحركات الأصولية المتطرفة في التاريخ الإسلامي، تلك الحركات التي يجمع فيما بينها رابط «التأويل العنيف» المرتبط بـ«الفعل العنيف» كالحركات الباطنية الثورية التي انبثقت من الظروف ذاتها التي انبثقت منها الحركة الحوثية: أعني بيئة الفقر والجهل والخيال الخرافي.

والغريب أيضا أن شخصية «اليماني» أو «القحطاني» المذكورة في بعض كتب الأحاديث يتنازعها مع تنظيم «الشباب المؤمن» تنظيم آخر لا يقل خوضا في التأويل عن أقرانه الحوثيين، ذلك هو تنظيم القاعدة الذي يذهب تيار من أتباعه إلى أن «القحطاني» الموعود ما هو إلا أسامة بن لادن الذي يعود في أصوله إلى اليمن، في الوقت الذي يرى فيه بعض أتباع الحوثيين أن حسين الحوثي هو «اليماني» الذي سيسلم الراية للإمام المهدي حال خروجه.

هكذا - إذن - يمكن للتأويل أن يكون كارثيا، وهكذا ينشأ «التأويل الخرافي» في البيئات المنغلقة الفقيرة التي يسهل على الطامحين سياسيا استغلال فقرهم وجهلهم وتدينهم لتمرير مخططات تكون نتائجها وخيمة على هؤلاء البسطاء الذين انساقوا وراء التأويل والسراب والأحلام.

* كاتب يمني - مقيم في بريطانيا