بعد أنباء الاغتيال.. مصادر تكشف مكان الرجل ذات 9 الأرواح خسائر شركات الرقائق تتجاوز 500 مليار دولار وسط مخاوف تجارية صينية غارات أميركية بريطانية تستهدف مطار الحديدة قرارات جديدة على الأبواب.. منع تدخلات الانقلابيين في المساعدات الأممية تحذيرات من طرق احتيالية جديدة لاختراق حسابات فضيحة جنسية جديدة تهز هذا المنتخب مجلة أمريكية : مليشيات الحوثي استهدفت ناقلة نفط روسية بلومبرغ تتحدث عن 4 بنود رئيسية تعثر المفاوضات بين حماس والكيان الصهيوني الزبيدي يعرض على واشنطن 3 استراتيجيات لهزيمة المليشيات الحوثية رصد بقعة نفطية في البحر الأحمر تمتد على 220 كلم قبالة السواحل اليمنية
في الثاني من ديسمبر 2017 ظهر الرئيس الراحل علي عبدالله صالح في خطاب مسجل معلنا فك تحالفاته مع الحوثيين وداعيا أنصاره لانتفاضة شعبية، وعلى إثر ذلك اندلعت معارك حول منزله انتهت بمقتله في الرابع من ديسمبر، ولست هنا في معرض سرد تاريخ الرجل فتلك مهمة تحتاج إلى مؤرخين منصفين يتناولون حياته التي حملت ما سيذكره الناس عنه وله، بعد أن ظل محور حياة اليمنيين لأكثر من ثلاثة عقود خلق له خلالها أنصاراً ومعارضين، محبين وكارهين، وهذا أمر لا يمكن الاختلاف حوله.
تبقى الظروف المحيطة بمقتل صالح غامضة وكذا الأسباب الحقيقية لاتخاذ توقيت قرار فك الشراكة، ولكن الأخطر من ذلك ستبقى الأسئلة المحيرة: كيف يمكن لرجل بذكائه وعلاقاته ومعرفته تركيبة القبيلة في محيط صنعاء وثقافة زعمائها أن يتخذ خطوة إلى المجهول؟ هل كانت لديه ضمانات وتطمينات داخلية أو خارجية لاتخاذ مثل هذا الموقف؟ من الذي كان في محيطه الأقرب ومصدر معلوماته؟. هذه وغيرها كثير قد تميط اللثام عن أيّام الرجل الأخيرة وتكشف كيف أصبحت معلوماته شحيحة عن الموقف الحقيقي على الأرض بعد استيلاء الحوثيين على المؤسسات الأمنية ورصد اتصالاته الداخلية والخارجية، ولكن لا شك أن حياته انتهت بطريقة خطط لها وتليق بنفسيته وتكوينه الإنساني الرافضتين لفكرة الاستسلام رغم براعته في التراجع قبل الانزلاق في معارك غير محسومة سلفا.
من المحتم أن تأثير صالح أو «الزعيم» كما يطلق عليه أنصاره سيظل حاضرا في المشهد السياسي بسلبياته وإيجابياته، فمن الطبيعي أن حاكما ظل يدير شؤون البلد لأكثر من ثلاثة عقود سيترك بصماته على كل المسارات التي تلي حكمه لفترة زمنية تطول أو تقصر بحسب مهارات من يخلفه، ولعل أكثر ما ميز صالح الإنسان قدرته على كسر الحواجز بينه وبين مخالفيه، وللأسف الشديد أن هذه القدرة العجيبة في القفز فوق ركام الخلافات لم يختزنها أحد من الساسة اليمنيين الذين جايلوه كما فعل هو، وكان بارعا في استخدام العنف السياسي المغلف بقفاز من حرير ضد معارضيه، ورغم أنه كان يمتلك مفاتيح القسوة ضدهم لكنه كان ماهرا في الاحتفاظ بالمسافات التي لا تسمح بتحول النزاع السياسي إلى سيل من الدماء كما فعل أقرانه في أكثر من جمهورية عربية تصارع فيها الرفاق فأحالوا بلدانهم خرابا.
أحزن أن يتحول يوم استشهاده إلى ذكرى لإعلاء أصوات دعوات استئصال وكراهية وبعث لمزيد من الأحقاد وسفك الدماء، وأتألم أيضا أننا لم نسمع أي صرخة لمصالحة وطنية شاملة بين اليمنيين جميعا تمكنهم من تأسيس خطوة نحو المستقبل الذي تحتاجه أجيال قادمة عانت من كوارث الحاضر والماضي، ولا أتصور أن أحدا من أنصاره ومحبيه قد أبرز وجها يتماهى مع نفسية صالح البعيدة عن الأحقاد الدفينة، بل إن كثيرين يريدون أن يجعلوا من ذكراه وسيلة يمتطونها للانتقام وللحصول على المكاسب مادية أو سياسية، ومن المؤكد أن محاولات استغلال اسم الرجل واستخدامه كعلامة تجارية لتحقيق طموحات شخصية يدل بجلاء على عجز سياسي وعن عدم القدرة على الخروج من عباءته ميتا كما فعلوا وهو حي، وهي إساءة لتاريخه كيفما قرأه المحب والكاره، كما يفعل من يريدون أن يكونوا ورثة عبدالناصر أو صدام.
رحم الله صالح.