جزائرية تكتب عن 17 عامـا مــن الوحـدة اليمنية
بقلم/ مريم أم الخير دلومي
نشر منذ: 17 سنة و 5 أشهر و 14 يوماً
الثلاثاء 22 مايو 2007 04:01 م

مأرب برس - خاص

شهد اليمن ظروفا صعبة عبر مراحلعدة من تاريخه , إذ كانت البداية مع الاحتلال البريطاني و وضع أقدامه على أرض الجنوب سنة1839م و وصول القوات العثمانية إلى الشمال سنة 1848م. 

في سنة 1918م نال اليمن الشمالي استقلاله بعد انهزام الدولة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى, و رغم خروج العثمانيين من الشمال بقي نظام الإمامة والسلاطينمسيطرا علىالمنطقة هذا النظام 

الذي كان مدعوما من طرف الاحتلال البريطاني لحماية مصالحهبالمنطقة و قد رفض الإمام يحيى فكرة توحيد اليمن و فرض حالة من العزلة على الشمال , الأمر الذي أدى بالشعب اليمني للتصدي ضد هذا النظام و ضد الوجود البريطاني .و في 26 سبتمبر 1962 خاض الشعب اليمني الثورة ضد حكم الإمامة بالشمال تحت تنظيم الضباط الأحرار وتم القضاء عليه. و من جهة أخرى حصل الجزء الجنوبي من اليمن على استقلاله بعد توحيد الشعب اليمني صفوفه و التفافه إلى قضيته المصيرية و كان ذالك سنة1963.و بقيت فكرة توحيد اليمن بشطريه الشمالي و الجنوبي هدفا لابد من تحقيقه.

و رغم تعرض اليمن إلى مؤامرات داخلية و خارجية و التي كانت تهدف أساسا إلى زعزعة أمنه و استقراره إلا أنه وقف صامدا شعبا و حكومة حتى تحقق العرس الأكبر بتاريخ 22 ماي 1990 إذ تم الإعلان عن الوحدة اليمنية التي مثلت نقطة تحول هامة في تاريخ اليمن وفي تاريخ الأمة العربية .

1- اليمن قبل الوحدة..

لقد كابد الشعب اليمني كغيره من البلدان العربية ويلات الاستعمار البريطاني الذي وطئت أقدامه أرض الجنوب سنة 1839 و وصول العثمانيين أرض الشمال ستة 1848 و بعد انهزام الدولة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى, نال الجزء الشمالي استقلاله سنة 1918 ,إذ كان هذا الانتصار دافعا قويا لليمنيين بالجنوب في نضالهم ضد الاستعمار البريطاني و أعوانه . إلا أن حكم الإمام يحي خيب آمال اليمنيين في الوحدة هذا من خلال توقيع اتفاقية صنعاء مع الحكومة البريطانية يقر فيها بحق الوجود البريطاني بعدن مقابل الإبقاء على الوضع القائم بالنسبة إلى الحدود كما هو عليه . فما كان على الشعب اليمني إلا التصدي لسياسة الإمام التي فرضت العزلة والجمود على الشطر الشمالي

وهنا برز حزب الأحرار الذي طالب بضرورة الإصلاح بالشمال ثم ظهوره بعد ذلك بثوب جديد تحت تسمية الجمعية اليمنية الكبرى عام 1946 وقد بذلت هده الجمعية جهدا كبيرا تحضيرا للقيام بثورة ضد الأمراء والسلاطين إلا أن الأمير أحمد أحكم السيطرة على الوضع وسانده في دلك الاستعمار البريطاني بممارساته القمعية ضد الشعب اليمني بهدف حماية مصالحه التي تعتمد أساسا على وجود الأمراء والسلاطين في الشمال . ومع انفجار الثورة في مصر سنة 1952 التي كان لها صدى كبيرا حيث تأثر بها اليمينيون لا سيما في الشمال بحيث نوقشت الكثير من الأفكار والتصورات الجديدة وأصبح من الضروري تغير نظام الحكم إلى نظام جمهوري ديمقراطي تتحقق به أمال الشعب وطموحاته وأيضا الوحدة والعدل بدلا من نظام الإمامة الذي فرض حالة من الجمود والعزلة على الشطر الشمالي من اليمن وعليه كان قيام ثورة 16 سبتمبر 1962 بقيادة تنظيم الضباط الأحرار التي قضت على حكم الإمامة باليمن واعتبرت هده الثورة أهم انجاز للشعب اليمني في الجنوب والشمال وكانت الوحدة اليمنية أهم الأهداف التي كانت الثورة تسعى إلى تحقيقها , وحصل الجنوب على استقلاله 1963 إذ اعتبرت مسألة توحيد اليمن بشطريه الشمالي والجنوبي هدف لابد من انجازه وكان دلك في كل الوثائق النظرية مند الاستقلال قد تجسد ذلك من خلال قانون الجنسية الذي لا يفرق بين اليمنيين وتوقيع اتفاقية الوحدة في القاهرة سنة 1972 وبعدها بيان طرابلس الذي نص على دستور الوحدة وليس هدا فحسب بل استمرت الخطوات إلى الإمام أكثر من ذي قبل بحيث عقدت عدة اتفاقيات في مختلف المجالات وإيجاد أرضية واحدة لانجاز مشاريع البنى التحتية المشتركة ولاشك أن استغلال المنطقة النفطية المشتركة وتسهيل انتقال المواطنين بالبطاقة الشخصية خير دليل على نية اليمنيين حكومة وشعبا في الوصول باليمن إلى وحدته وتزامن دلك مع التغيرات الدولية الجديدة وانعكاسها على العالم لاسيما اليمن وكان الحدث التاريخي الذي تمثل في اتفاق عدن بتاريخ 30 نوفمبر 1989 بين قيادتي اليمن الشمالي والجنوبي وتم من خلاله الإعلان عن تأسيس دولة يمنية واحدة.

وفي سنة 1990 م تم الإقرار على مبدأ التعددية السياسية وحق القوى الوطنية والشخصيات الاجتماعية الوطنية في ممارسة نشاطها السياسي في إطار دستور الوحدة . وفي 22 مايو 1990 كان الانتصار الأكبر لليمنيين إذ تم الإعلان عن قيام دولة اليمن الموحدة بشطريها الشمالي والجنوبي .

2/ الوحدة اليمنية مسيرة قائد محنك

سيظل تاريخ 22 مايو 1990 راسخا في الذاكرة الجماعية للشعب اليمني إذ يعتبر أعظم انجاز في تاريخ اليمن الحديث في ظل الحكومة اليمنية بشطريها وعلى رأسها الرئيس عبد الله صالح ,فهو اليوم الذي ارتفع فيه علم الجمهورية اليمنية الموحدة معلنا عن بداية عهد جديد وهو نجاح ليس على مستوى اليمن فحسب بل على مستوى المنطقة العربية ككل وعلى مستوى الشرق الأوسط , وعندما نذكر تاريخ 22 مايو 1990 نتذكر جيدا الوحدة اليمنية التي أعلنها الرئيس عبد الله صالح رغم القوى الإقليمية والدولية التي كانت ترى من مصلحتها عدم وحدة اليمن إلا أن الإرادة اليمنية ممثلة في شخص الرئيس الذي استطاع بحنكته وفلسفته وعزيمته الفولاذية أن يحقق أعظم انتصار وهو إنشاء دولة يمنية موحدة وعصرية تديرها مؤسسات منتحبة من طرف الشعب تتمتع بالديمقراطية والحرية .

لقد نجح اليمنيون شعبا وحكومة في تحقيق المصلحة العليا للبلاد من خلال تمسكهم بمبدأ الوحدة التي تعتبر نموذجا لانتصار إرادة الوحدة على كل النزوات والضغوطات الخارجية التي تهدف إلى زعزعة امن واستقرار البلد وعليه فقد كانت الوحدة اليمنية الحالة الاستثنائية الوحيدة والايجابية من حالة التمزق العربي حاليا كما أن التغيرات الدولية الجديدة التي تمثلت أساسا في انهيار المعسكر الشرقي وظهور نظام عالمي جديد كان له أثار سلبية في الوطن العربي وزاد في تمزقه , إلا أن الشعب العربي في اليمن استطاع أن يكسر كل الحواجز والعراقيل ليحقق وحدته بعد عقود طويلة من التمزق والانقسام وانتهت بإحراز أعظم انتصار شهده العالم العربي في 22 مايو 1990 بقيام الجمهورية اليمنية الموحدة .

3/ أهم الانجازات التي شهدها اليمن خلال 17 عاما من الوحدة :

لقد كان الرئيس اليمني عبد الله الصالح يعي جيدا الظروف الصعبة التي يمر بها اليمن عندما تولى زمام الأمور بتاريخ 17 يوليو 1987م و يعي حجم المخاطر والصراعات التي تحوم حوله إلا انه استطاع أن يصل باليمن إلى بر الأمان حيث تحققت اكبر الانجازات في عهده ولاشك أن تحقيق وحدة اليمن التي طالما دافع عنها في كل المحافل والمناسبات الدولية أعظم انجاز نحقق في عهده , كما عمل على تعزيز الأمن القومي من خلال حل مشاكل الحدود مع السعودية وسلطنة عمان والبحرين بالطرق السلمية دون اللجوء إلى العنف والقوة وأصبح عمله هذا نموذجا يقتدى به لفك النزاعات القومية وهذا دليل على بعد النظر الذي يتحلى به الرجل الأمر الذي أكسبه حب واحترام الجميع وسياسته التي رفعت من سمعة اليمن لدى المجتمع الدولي بحيث حول بلاده إلى دولة حقيقية لها كيانها وموقعها بين الدول واستطاع بفطنته وحنكته أن يخرج اليمن من منزلقات داخلية كادت تؤدي باليمن إلى مالا يحمد عقباه واستطاع أن يجنب هدا البلد مآسي كثيرة ومن جهة أخرى قام بترسيخ مبادئ الديمقراطية الحقيقية من خلال خوض انتخابات برلمانية نزيهة شاركت فيها جميع القوى السياسية ناهيك عن الانجازات الأخرى تمثلت في الأمن والاستقرار , وهنا لا بد لنا من ذكر قضية الحوثيين التي كادت تدخل البلاد في فوضى عارمة خاصة بعد تدخل أطراف خارجية تريد تمرير مشاريعها في اليمن عبر هذه الجماعة التي تصدت لها الحكومة بعدما فشلت كل السبل لحل الأزمة سلميا , حيث أصدر الرئيس اليمني عفوا شاملا عن جميع من حاولوا زعزعة أمن واستقرار اليمن وهذا كله من أجل تفويت الفرصة على الذين يتربصون الدوائر بأمن البلاد وجعلها بؤرة توتر في المنطقة وإفشال مسيرة التطور وهذا رصيد آخر يحسب للرئيس عبد الله صالح يبين مدى حرصه على حقن الدماء ووحدة اليمن وتسامحه وإنسانيته ورغم هذا أصر الطرف الآخر على المواجهة وخروجه عن القانون فكان لابد للجيش أن يتدخل حفاظا على استقرار اليمن وانجازاته . وإلى جانب الاستقرار السياسي الذي تحقق في عهد الرئيس عبد الله صالح بفضل حنكته , فقد نجح أيضا في المجال الاقتصادي إذ وضع برنامجا صارما تطلب تحقيقه بذل جهد كبير والتزام أعضاء الحكومة بما جاء في هذا البرنامج دون أن ننسى دعم المجتمع الدولي بمؤسساته المالية والاقتصادية خاصة دول مجلس التعاون الخليجي , وفي إطار الإصلاحات الاقتصادية قام وفد خليجي مكون من 650 مشارك بزيارة إلى اليمن للاطلاع على أكثر من مائة فرصة استثمارية في مختلف الميادين قيمتها الإجمالية 8 مليارات من الدولارات من خلال مؤتمر استكشاف فرص الاستثمار في اليمن وفي إطار التعاون الخليجي مع الحكومة اليمنية , هذا المؤتمر الذي يهدف إلى تأهيل الاقتصاد اليمني وتحضيره للاندماج مع اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي كما شدد الرئيس اليمني على توفير فرص الاستثمار في البلد مؤكدا أن باب الاستثمار في اليمن مفتوح لكل المستثمرين إلى جانب توفير كل التسهيلات لهم , و ذلك من خلال مراجعة قوانين الاستثمار منها قانون البنوك والضرائب و هكذا يكون اليمن قد استفاد من تحسين أوضاعه الاقتصادية و تأهله للاندماج في الاقتصاديات الخليجية . خاصة و أن اليمن يمتلك قدرات هائلة تؤهله للحاق بركب الدول المتقدمة و في هذا الصدد و حسب دراسة علمية أعدها د/ محمد حسين حلبوب أستاذ الاقتصاد بجامعة عدن أكد أن اليمن يمتلك إمكانيات كبيرة تمكنه لتحقيق التنمية . و تتمثل هذه الإمكانيات في الموارد الطبيعية و الموقع الاستراتيجي بحيث يتوسط اليمن قارتي إفريقيا و آسيا مما جعل هذا البلد , مركزا للتبادل التجاري , كما أن تمتع اليمن بالاستقرار السياسي و حسن الجوار و العلاقات الخارجية الجيدة , جعل منه نظاما تجاريا منفتحا إلى جانب وجود أهم عنصر في تحقيق التنمية و هو اليد العاملة

 وقد لعب اليمن بفضل رئيسها علي عبد الله صالح دورا هاما في تحقيق و تنفيذ برامج إصلاحية اقتصادية منذ عام 1995 بحيث نجحت في تحقيق معدل نمو ايجابي في الناتج المحلي بنسبة 4,8% و انخفاض العجز في الميزانية العامة , خلال الفترة الممتدة ما بين 1995 و 2005 و ظل متوسط معدل التضخم في الحدود المعقولة خلال نفس الفترة بنسبة 15,2% أضف إلى ذلك امتلاك الحكومة اليمنية احتياطيات بالعملة الأجنبية و التي تغطي الواردات السلعية لأكثر من عام و نصف العام .

و عليه فقد حقق اليمن الكثير خلال الفترة مابين 1990-2007 في المجالات الاقتصادية الاجتماعية و التنموية , فعلى سبيل المثال و في مجال الثروة النفطية و الغاز , حققت الدولة اكتشافات نفطية جديدة بفضل عملية البحث و التنقيب عن النفط بهدف تطوير الإنتاج النفطي ليصل إلى نحو 148 مليون برميل في عام 2005 و الذي يشكل 90% من صادرات اليمن إلى العالم الخارجي , أضف إلى ذلك امتلاك اليمن احتياطيات من الغاز الطبيعي يقدر حوالي 16,3% ترليون متر مكعب , و يقدر صادرات هذه المادة ما يقارب 6,7 ملايين طن سنويا. الأمر الذي يحقق عوائد مالية للخزينة العامة للدولة في المستقبل .

أما على مستوى قطاع التعليم , فقد حقق اليمن تطورا كبيرا في هذا المجال على امتداد السنوات الماضية , من حيث زيادة عدد المدارس و المؤسسات التعليمية , و تطوير المناهج و طرق التدريس ناهيك عن استعمال تقنيات متطورة في التعليم و النتيجة كانت تخرج كوادر و إطارات وطنية مؤهلة و متخصصة , فقد وصل عدد الجامعات إلى تحو 20جامعة حكومية وخاصة .

أما في ما يخص قطاع الصحي فقد قطعت اليمن شوطا كبيرا لإنجاح هذا القطاع سواء من حيث بناء المراكز و المستشفيات الصحية و كذا الاهتمام بتنمية القوى العاملة في القطاع الصحي و توفير الرعاية الصحية للمواطن , لذلك حظي و ما زال يحظى الشباب اليمني بكل الرعاية و الاهتمام من طرف الدولة باعتباره العمود الفقري لازدهار و تطور البلد.

إن الانجازات العظيمة التي تحققت في اليمن , لم تتحقق إلا بعد مخاض عسير , بحيث تعرض هذا البلد إلى مؤامرات داخلية و خارجية من طرف أطراف كانت تريد زعزعة اليمن و إعادته إلى ما وراء 1990 , و جره إلى حرب أهلية و الكل يتذكر حرب الانفصال سنة 1994 , إلا أن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بحكمته الفائقة التي شهد بها العدو قبل الصديق استطاع أن يصل باليمن إلى بر الأمان و بذلك انتصر الشعب اليمني لوحدته بفضل هذا الرئيس الذي اعتبره الجميع أب الوحدة الوطنية إذ كان يطمح لرؤية بلده موحدة و قوية في كافة المجالات رغم التغيرات الجديدة التي تعصف بالعالم , و رغم الشعارات البراقة التي تنادي بها أمريكا و غيرها كالحرية و الديمقراطية و حقوق الإنسان و ما شابه ذلك و التي تهدف في الأصل إلى السيطرة و الهيمنة على المنطقة. ورغم اختيار الأنظمة العربية السير وراء أطماعها و مصالحها التي لا حدود لها و على حساب إرادة و طموح شعوبها .

إن الوحدة اليمنية هي تجربة فريدة من نوعها و هي من أهم التجارب التي عرفها العالم العربي و الإسلامي و التطور الذي حققته الوحدة في كافة المجالات بفضل علي عبد الله صالح خلال ال17عاما من عمر الوحدة خير برهان على ذلك . و بهذا يكون الرئيس اليمني قد دخل التاريخ من بابه الواسع و استطاع أن يكتب اسمه في سجل التاريخ بأحرف من ذهب و صدق من قال .أن لكل زمان دولة و رجال . 


*إعلامية جزائرية

amanimeriam@hotmail.com