|
التكتيك السّياسي والأمني والإعلامي الذي صاحب فترة حكم الرئيس "هادي" في إدارة الفترة الانتقالية التي تمددت معها كل قضايا اليمن ضمن برنامج الفترة الانتقالية، ثورة فبراير 2011 فهي المرجعية الاساسية للمتغيرات خلال الفترة الانتقالية. وبموجبها تم اختيار هادي رئيسا انتقاليا لليمن باعتباره ( يد أمينة ) في سبيل لتنفيذ الآلية المزمنة للمبادرة الخليجية التي انحرفت تدريجيا وتحت اشراف هادي حتى كتبت نهايتها يوم توقيع اتفاق السلم والشراكة. لم يبقى من مبادرة الخليج سوى هادي فقط وبقاؤه رئيسا فخريا او " ورقيا " هو بمثابة مكافئة لخدماته علي الاشراف بانحراف مسار المبادرة وتطبيق آليتها الزمنية .
لا يمكن أن نتجاهل المتغير السّياسي الذي افرزته ثورة 2011 الى جانب بروز التيار الاسلامي الحركي والشّعبي. ولا يمكن فصل التقاطعات السّياسية والأمنيّة التي رافقت سلطة الربيع العربي في اليمن، ولا إبعاد اليمن عن التّأثيرات الاقليمية والدّولية التي أقلقها الربيع العربي - ربيع الاسلام السياسي. ولا يمكن تجاهل الضّخ المالي والإعلامي،السّياسي واللّوجستي لدول الممانعة والرفض للربيع العربي - مقاومة حكم الاسلام السياسي - الذي تكفّلت به علنًا دول النفط الخليجية .
الثورة المضادة وعواصم النّفط الخليجي:
ما حدث في اليمن ولا زالت احداثه قائمة الى يومنا هذا، هو امتداد لما جرى ويجري في باقي دول الربيع العربي مع اختلاف في أدوات التنفيذ وتطبيق برنامج المقاومة؛ ما يُسمى بالثورة المضادة في سبيل إنهاء وجود تيار الاسلام السياسي الذي وصل للسلطة كمخاض طبيعي لثورة الشّباب ربيع 2011.
ما يحدث ببساطة في اليمن هي ثورة مضادة بكل المواصفات والمقاييس التي وضعت برامجها في عواصم النفط الخليجية وساهمت بدعمه الدول الكبرى ، من اجل هدف سياسي وامني واستراتيجي مشترك فيما بينها؛ ألا وهو الخوف من حكم التيار الاسلامي الحركي الذي قد يحول دول المنطقة الى دولة كبيرة وواسعة تصب في إطار "دولة الخلافة " - ليست دولة خلافة البغدادي.
الثورة المضادة في اليمن تم هندسة تفاصيلها بدقة عالية تماشيًا مع التعقيدات الاجتماعية والسياسية والثقافية، وترابط قوى الاسلام السياسي بالسلطة والقبيلة. هذا الترابط يمتد كنفوذ الى داخل المؤسسات الهامة كالجيش والأمن وباقي أجهزة الدّولة إضافة إلى الوجود القوي داخل القبيلة وفي أوساط المجتمع المدني. هذا الترابط والتواجد يُجهض أي محاولة لتطبيق النموذج المصري او التونسي او حتى الليبي .
حكم المُباراة وبطاقته الحمراء:
المتغيرات التي شكّلت المشهد العام وحلّت نتيجةً نهائيةً فارِضةً واقعا سياسيا جديدا في 21 فبراير 2012 كانت عبارة عن وجود فريقان يتنافسان في ملعب واحد من أجل نتيجة نهائية في الظاهر العام. لكن انحياز "الحكم" الذي يمسك الصّفارة والبطاقات الصّفراء والحمراء ويُحيك في قُرارة نفسه النتيجة النهائية للفريق الذي يعمل من أجله .
" الحكم " في اليمن هو المبادرة الخليجية وما ترتّب عليها من قراراتٍ دولية وقرار مجلس الامن الذي وضع اليمن تحت البند السابع. شَكّل هذا البند التحرّك الأهم والأخطر حيث كان بطاقة حمراء في وجه التيار الاسلامي وتحديدا حزب الاصلاح إذا ما حاول الخروج عن قواعد اللعبة التي وضعتها وصممتها المبادرة الخليجية .
رعاة المبادرة الخليجية
رعاة المبادرة الخليجية: الحوثي وعلي صالح وهادي ومن يقف ورائهم، هم أهم اللاعبين في فريق مقاومة ومكافحة تيارالاسلام السّياسي والمعروف إعلاميا بمكافحة الأخونة. يحرّكون ما يمتلكوا من ادوات كالمال والسلاح والجماهير والإعلام والمؤسسات العامة وأهمها الجيش والأمن والقرارات الدولية، وجميعها تعمل تحت اشراف السّلطة العليا التي فرضت موقف الحياد الجيش كتسهيل ضروري لتنفيذ المهمة التي كلفت بها جماعة الحوثي المسلحة للعمل كأداة ميدانية مسلحة على الارض. هذه الجماعة مصنفة محليا وإقليميا ودوليا بأنها تعمل خارج المنظومة القانونية ،هذا ما دفع الجميع للتعامل معها كحيوان هائج داخل الغابة مما منحها الغطاء لرفض أي صيغة توافق سياسية محلية او اقليمية او دولية .
الثورة المُضادة كأداة لجزِّ الإصلاح:
لا يمكن القبول والتصديق أن ما حدث ويحدث عبارة عن تمرد من جماعة الحوثي او انه بسبب دعم علي صالح وحزبه لها او انه بسبب ضعف هادي او بسبب انبطاح الإصلاح، هذه كُلّها أدوات مساهمة فيما حدث ويحدث، لكن ليس كل واحد منها يعتبر رئيسيا بمفرده .
ما حدث هو عمل منظم توزعت أدواره بين كل الاطراف السابقة باستثناء الإصلاح؛ فقد حلَّ الضّحية والهدف لبرنامج الثورة المضادة الذي هدفَ للقضاء عليه وإلغاء وجوده، لكننا لا ننسى ان برنامج الثورة المضادة تقطّع قبل ان يصل لتقطيع الإصلاح . بالتزامن حدثت مفاجآت غير متوقعة تمثلت بالوعي السياسي لحزب الاصلاح والقوى المتحالفة معه من القبيلة والعسكر. كما وأن فهم الإصلاح للمخطط كان سابقا وسباقا لتطبيق البرامج التفصيلية للثورة المضادة، فكان لهذا الفهم والوعي أهمية كبيرة في تفكيك برنامج " الثورة المضادة".
ثالوث "النصر":
إنَّ انتصار الحوثي في عمران كان أول كمين نجح الإصلاح بوضعه أمام قوى الثورة المضادة، فالنصر الذي تحقق هناك لم يكن نصرا على الإصلاح بكل المقاييس وإنما كان نصرا لمليشيات مسلحة تعمل خارج القانون ضد الدولة وسلطات الرئيس هادي " مشرف برنامج المؤامرة " ، الى جانب كونه نصرا إقليميا لقوى إقليمية لها عداء تاريخي " ايران " مع القوى الإقليمية صاحبة برنامج مكافحة الاخونة " دول الخليج ".
ما بعد الهزيمة في عمران:
هُزمت الدولة في عمران وسقطت هيبتها وانتصر المشروع الإيراني، وانكسرت بذلك هيبة الجيش المعنوية والمادية. ولم تتوقف الثورة المضادة عند عمران أو عند الاعتراف بالهزيمة إنّما دفعت بجماعة الحوثي المنتصرة والمعززة بانكسار الحاكم ومؤسسات الدولة بالتّمركز عند أبواب صنعاء تحت مبرر و ذريعة اسقاط الجرعة التي اتخذ قرارها هادي بشكل منفرد. شكّل هذا المبرر وسيلة منطقية لاستثارة جماعة الحوثي تمهيدًا للاصطدام المباشر بينها وبين الاصلاح وفقا لتوجهات هادي.
تبعًا لذلك، قام هادي برفع سقف الشعارات- صنعاء لم ولن وسأقاتل انا وأولادي وأموت في صنعاء رافعًا الاستعداد والجاهزية القتالية لقوات الجيش والأمن- للدفاع عن صنعاء. يأتي طلب الرئيس من المواطنين الدفاع عن أنفسهم ومواجهة جماعة الحوثي المسلحة كمحاولات الهدف منها هو تسخين الاصلاح واستفزازه للخروج عن قراره السياسي السلمي واتخاذ قرار الحرب لمواجهة جماعة الحوثي .
الهاوية والسّقوط:
دخل الحوثي العاصمة وسيطر على مؤسسات الدولة وهدد وتوعد وبدأ بمداهمة منازل ومنشآت ومؤسسات تابعه للإصلاح، لكنّ الاصلاح لم يتحرك ولم يتخذ أي موقف على الارض ولم يتزحزح. بدأ الحوثي يطلق قذائف المدافع، يُسيطر؛ هادي يستنجد بالإصلاح بعد ان وجه " سرًا " بسقوط التلفزيون بأيدي جماعة الحوثي ليضعهم أمام الواقع الجديد. ويعتقد هادي ان هذا الواقع لا يمكن للإصلاح التراجع أمامه او السكوت عليه .
أفصح هادي للإصلاح عن سر هم يفهمون تفاصيله قبل ان يعلم به هادي وهو ان الجيش خارج عن سيطرته وانه يدين بالولاء للرئيس السابق. كان يعتقد هادي انه بمجرد اطلاعهم على دور علي صالح فهذا كافي لتغيير قرارهم، كما وطلب منهم ضرورة تبني تشكيل وتسليح لجان شعبية مبديا استعداده تقديم الدعم المالي والسلاح بشكل مفتوح، غي سبيل اتخاذ القرار بمواجهة الحوثي .
تحطم غباء هادي وغباء من يقفون ورائه ومن يمولون، أمام حكمة ودهاء الاصلاح. سقطت صنعاء وسقط معها هادي وسلطته وسقط مشروع المؤامرة على الاصلاح وانتصر الخصم لأصحاب مشروع الثورة المضادة وفازت ايران بالسيطرة على اليمن وضمها ضمن حلفها الاستراتيجي للسيطرة على المنطقة .
ما بعد السّقوط:
ما حدث في الحديدة وحجة وذمار واب ولاحقا في تعز وغيرها من سيطرة جماعة الحوثي علي هذه المحافظات سلميًا كان بدعم من هادي وصالح لاستدراج الاصلاح. ترافقت هذه السّيطرة بالتزامن مع انشغال القوى السياسية بتعيين رئيس للحكومة، الذي لم يكون الاعلان عن اسمه سوى مكافأة حتمية لجماعة الحوثي واختيار خالد بحاح جاء بموافقة الحوثي وهو بمثابة رشوة للجماعة مقابل التوقف قليلا وعدم التوجه شمالا وشرقا وغربا وهو الشيء الذي لا يمكن الالتزام به اطلاقا.
جماعة الحوثي انقلبت على شركاء برنامج الثورة المضادة وأصبح كل الشركاء - هادي وعلي صالح والقوى الخارجية - أهدافا مشروعة للجماعة كلٌ منهم بحسب موقعه وتاريخه. وإنّ من يعتقد ان الجماعة ستسلم السلطة لنجل صالح او تبقي على هادي فهو مخطئ؛ الجماعة لا يمكن لها ان تُبقي هذه الأطراف على الحياة او على أرض اليمن. لقد تمّ استغلال التخبط السياسي لدى دول المنطقة والعالم واستطاعت أن تفرض نفسها كقوة بحجم الدولة بل هي الدولة وما سواها أدوات صغيرة ليس لها اثر عملي.
مؤشرات مُستقبلية:
المشهد الحالي في اليمن مرتبك وغير مستقر وقد يشهد تحولات كبيرة في العلاقات التي تتحكم بالأحداث، العلاقة بين جماعة الحوثي والرئيس السابق تنبئ بمواجهات قريبة، وان علي صالح قد يستغل التمدد الحوثي في المحافظات لتوجيه ضربات لها بهدف أضعاف قوتها العسكرية ويأتي هذا من ادراكه بانقلاب الجماعة عليه مستقبلا .
كما وأن علاقة الجماعة بهادي ستتأثر سلبا بسبب ممارستها الحكم عمليا. إنّ علي صالح وهادي قد يستعينان بتنظيم القاعدة لمواجهة الجماعة من خلال امداده بالسلاح والمال والدعم الاستخباري واللوجستي .
لا شك أن الانتشار الواسع لجماعة الحوثي والسّيطرة علي أغلب المحافظات هو فخ مستقبلي لضرب قوتها العسكرية، خاصة في ظل انسحاب القيادات و العناصر الموالية للرئيس السابق من الجماعة ؛ سيكون الانسحاب مؤشر علي المواجهة العسكرية بين الطرفين .
قد تتعرض الجماعة لعمليات استنزاف في جبهات متعددة ، وهذا وارد ومتوقع حدوثه في جبهات مثل: الجوف ومأرب البيضاء والشريط الحدودي مع السعودية، اضافة الى جبهات محتملة في مناطق تابعة لمركز الجماعة "صعده " وجبهات محتملة في المحافظات الجنوبية .
تبعات وعواقب:
الأحداث الأخيرة أثرت سلبا على مكانة وشعبية حزب المؤتمر ورئيسه وذلك بسبب دعم جماعة الحوثي، وعملية استعادة مكانته وترميم علاقاته ستكون فقط عبر مواجهة جماعة الحوثي .
السعودية هي المتضرر الاكبر من بروز جماعة الحوثي كقوة موالية لإيران، ولا يخفى درجة التفاعل الشعبي معها في بعض المناطق السعودية خاصة في الشرق والجنوب التي يتواجد فيها تابعين للمذهب الشيعي الاثني عشري. كما وبدأت ملامح التأثير والتأييد تظهر علنا مع قضية المرجع الشيعي السعودي نمر النمر.
مما لا ريب فيه إن توسع جماعة الحوثي سيؤثر على وجود الإصلاح على مختلف الجهات. وقد يتحول هذا التوسع الى عملية إقصاء مستقبلية، والذي سيخفف من عملية الإقصاء بحق الإصلاح هو اختلاف جماعة الحوثي مع شركائها على رأسهن الرئيس السابق وحزبه الذي تعرض لعملية استنزاف لشعبيتة ومكانته في المناطق التي سيطرة عليها جماعة الحوثي . كما ومسألة استعادة مكانته وترميم شعبيته لن تتم إلا من باب الدخول بمواجهة مسلحة مع جماعة الحوثي لانتزاع المناطق التي تنازل عنها الرئيس السابق وحزبه .
في الختام، المشهد اليمني قادم على فصل ساخن من الأحداث والمتغيرات خاصة بعد أن تكشّفت كثير من الألغاز من الفترة السابقة. مثل: حياد الجيش الذي كان حياده عمليا هو أثناء حماية المؤسسات والمواطن. وإنّ الأحداث الاخيرة أظهرت انه الداعم الرئيسي لتمدد الجماعة وان نجاح السيطرة يتحقق بسبب موقف الجيش.
توسع جماعة الحوثي يعتبر عامل استنهاض قوي لتنظيم القاعدة الذي يلاقي قبولا وتأييدا شعبيا في مناطق الصراع، خاصة حين قامت الطائرات بدون طيار الامريكية بتوجيه ضربات ضد التنظيم اثناء مواجهته لجماعة الحوثي وهذه الضربات ابطلت شعار الموت لأمريكا وحولته الى سراب، بذلك المواجهة المباشرة بين القاعدة وجماعة الحوثي ستكون قوية ومؤثرة.
في الأربعاء 22 أكتوبر-تشرين الأول 2014 10:32:41 ص