الرئيس‮ ‬صالح‮ ‬أرحم‮ بالاخوان من انفسهم
بقلم/ أ.د سيف العسلي
نشر منذ: 18 سنة و شهرين و يومين
الجمعة 01 سبتمبر-أيلول 2006 09:25 م

لقد تعامل الرئيس علي عبدالله صالح مع حركة الاخوان المسلمين بطريق مميزة ولافتة للنظر، لقد حرص الاخ الرئيس على ان تبقى حركة الاخوان المسلمين في اليمن كأحد مكون العمل السياسي والثقافي ..

وعلى الرغم من شطط ومغامرات بعض قيادات الحركة وتسرعهم في الوصول الى السلطة فإن الاخ الرئيس كان يتدخل لمنع ذلك الشطط حفاظاً على الاهداف الاستراتيجية للحركة وكان في نفس الوقت لايحمل قواعد الحركة اية تبعات نابعة من تصرفات بعض قيادتها.

صحيح ان من سجايا الرئيس علي عبدالله صالح التسامح والرحمة حتى مع من اظهر له اشد أنواع الخصومة والعداء إلاّ ان تعامله مع الاخوان المسلمين في اليمن كان مميزاً بشكل واضح ولا يرجع ذلك الى الطريقة التي تعامل بها الاخوان المسلمين في اليمن مع الاخ الرئيس وانما يرجع من وجهة نظري الى التدين الفطري لفخامته .

لقد كان ميل فخامته للتدين نابعاً من البيئة المتدينة التي نشأ فيها وليس نتيجة لأي تعبئة ايديلوجية.. ومن ثم فإن تعامله مع فصيل من فصائل الحركات ذات الطابع الديني لم يكن على حساب الفصيل الآخر، والدليل على ذلك هو تبنيه لمواقف تدافع عن الدين والمتدين والذي يظهر جلياً من خلال وجهات نظره في العديد من القضايا والاحداث ولكن من الملاحظ ان ميله هذا لم يتحول الى تعصب اعمى ضد و جهات النظر الاخري.. وربما كان ذلك هو احد مكامن الاختلاف مع بعض قيادات الاخوان المسلمين في اليمن.

فعلى عكس من سبقه من الرؤساء فقد اتاح الاخ الرئيس علي عبدالله صالح للتوجهات الدينية وفي مقدمتها توجهات الاخوان المسلمين حرية واسعة في ممارسة الدعوة وفي المشاركة في الحياة السياسية، ولكنه في نفس الوقت لم يقمع الحركات الدينية الاخرى غير حركة الاخوان»السلفيين والصوفيين والمتشيعين « وكذلك فإن تعامله مع الحركات المدنية ( العلمانية ) كان مقابلة الحجة بالحجة وليس السجن والاقصاء حتى ولو كان يختلف معها في العديد من القضايا والتوجهات .

تحالف في مواجهة اليسار

لقد كان من الواضح ان الاخ الرئيس يميل الى حركة الاخوان بهذا المعنى المتسامح ويتضح ذلك من خلال التحالف الذي قام في بداية الثمانينات بين الاخ الرئيس وحركة الاخوان المسلمين في اليمن لمواجهة التيارات اليسارية في البلاد وخصوصاً تلك التي لجأت الى العنف لفرض وجهات نظرها بفعل تحريض الحكومة الماركسية في الشطر الجنوبي من الوطن .. وقد بلغ هذا التحالف ذروته في المواجهات المسلحة التي دارت بين هذه الحركات والحكومة في الشطر الشمالي من الوطن .

وقد تعرض هذا التحالف لأول اختبار له عندما بدأ فخامة الاخ الرئيس يجري اتصالات مع بعض قيادة هذه الحركات لثنيها عن ممارسة العنف ولتشجيعها على الاندماج في الحياة السياسية والمشاركة فيها ولأن الاخ الرئيس كان متسامحاً مع الجميع فقد كان حريصاً على عدم التفريط بالثوابت الدينية والوطنية ولذلك فقد كان تواصله مع قيادة التمرد المدعوم من الجنوب واضحاً بحيث لايكون هناك لبس لدى أي طرف من الاطراف.. فإنهاء الاقتتال الداخلي واحلال الامن والسلام لايمكن ان يكون على حساب الثوابت الدينية والوطنية، انه فقط لانهاء العنف والسماح في المشاركة لانه لايمكن تحقيق أي تقدم في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في ظل العنف والحروب.. وقد تمت عملية المصالحة وفقاً لهذا التصور المعتدل الذي اقنع قيادات التمرد على الاندماج في المجتمع اليمني في ظل استمرار الحفاظ على الإسلام كعقيدة وشريعة.. وعلى الرغم ان ذلك كان هو ماتنادي به وتصر عليه قيادة حركة الاخوان المسلمين في اليمن في الظاهر إلاّ انها حاولت بشتى الطرق عرقلته .

ولذلك فقد واجه فخامة الاخ الرئيس ضغوطاً كبيرة من قيادة الاخوان المسلمين في اليمن للتخلي عن جهود المصلحة هذه وعدم القبول بالاتفاق الذي تم التوصل اليه، وقد اثار موقفها هذا شكوكاً حول طبيعة اهداف بعض قيادة حركة الاخوان في اليمن ومرامي تحالفها مع الحكومة، وعلى الرغم من ان كل المؤشرات التي كانت متوافرة آنذاك بأن بعض قيادة الحركة كانت لديها نية مبيتة غير تلك التي كانت تظهرها فقد تجاهل الاخ الرئيس هذه المؤشرات واستمر بالتعامل معها بحسب ماتظهر.. فقد كانت تسعى الى اقامة تحالف تكتيكي مع الاخ الرئيس وليس تحالف استراتيجياً، وقد كانت مرامي هذا التحالف ليست مقاومة تمدد الافكار اليسارية المتناقضة للحرية والاستقلال والتنمية والمشاركة السياسية كما كانت تعلن.. وانما كان بهدف استغلال احتياج الحكومة للدعم لتعمل لتهيئة نفسها للانقضاض على السلطة ومن ثم إقصاء الآخرين بما فيهم القيادة السياسية المتحالفة معها حتى ولو كان سيترتب على ذلك تحميل حركة الاخوان ما لاطاقة لها به سواء في حال نجاح مخططها او في حال فشلها.. ولقد كان ذلك مغامرة غير محسوبة كانت ستفضي الى تورط قواعد وانصار الحركة بأعمال قد تجعلهم يدفعون اثماناً كبيرة لذلك، ولأن الرئيس كان يدرك ذلك فقد عمل على تجنيب قواعد الاخوان ذلك .

نوايا مبيتة

لقد عمل الاخ الرئيس على تنبيه قيادة الحركة حول خطورة مايقومون به وارشادهم الى الطريق السليم رحمة بقواعد الاخوان وانصارهم، ولذلك فقد استمر في السماح للحركة في المشاركة السياسية ولم يعمل على استبعادهم من الحياة السياسية والاجتماعية كما كان متوقعاً علهم يعتبرون من اخطائهم ومن تسامح الرئيس معهم فيتوقفون عن مثل هذه الممارسات.. ولاشك ان تسامح الاخ رئيس هذا مع بعض قيادتهم كان نابعاً من شفقته ورحمته بمنتسبي الحركة الذي ادرك من خلال احتكاكه بهم صدق نيتهم وعدم اطلاعهم على النوايا المبيتة لبعض قادتهم وبذلك فقط أعطى قيادة الحركة فرصة جديدة ليرحموا قواعدهم مثلما يرحمهم هو فيتوقفون عن الاستمرار بأي تصرفات قد تضر بهم .

لكن لسوء الحظ فإن قيادة حركة الاخوان المسلمين في اليمن ظلت تبيت نوايا خفية واهدافاً غامضة فعلى الرغم من اظهارها امتنانها لمواقف الاخ الرئيس منهم ومن قواعد وانصار الحركة فإنها استمرت بنفس النهج السابق.. ولذلك فقد استغلت تسامح الاخ الرئيس لذلك فاستمرت في العمل على التغلغل في مفاصل الدولة ومؤسساتها بكل الطرق الممكنة وعلى الرغم من معرفة الاخ الرئيس بذلك فقد منعه تعاطفه مع منتسبي الحركة من التصرف بطريقة مختلفة معهم.. والاكثر اهمية من ذلك فقد عمل على مقاومة الضغوط الكبيرة الداخلية والخارجية لاقصائهم حتى بعد ان اتضحت نوايا قيادتهم غير الصادقة تجاه الرئيس والحكومة.. لقد استمرت معاملة الاخ الرئيس اللينة معهم حتى بعد ان انتفت الحاجة السياسية لهم بل حتى بعد ان اصبحوا عبئاً سياسياً عليه.. ومع ذلك فقد استمر اصرار بعض قيادة الاخوان في اليمن على ايصال العديد من منتسبيها الى مختلف مفاصل الدولة وخصوصاً المهمة منها تحت مبررات متعددة.. فقد حافظت على ميليشياتها التي أنشأتها بحجة مقاومة عنف الحركات اليسارية، بل انها عملت على توسيعها وتطويرها وجعلها مستقلة وبعيدة عن رقابة الاجهزة الحكومية المختصة.

فالجميع يتذكر قصة المعاهد الدينية التي بدأت تحت ذريعة تدريب الدعاة والمرشدين لتمتد لتكون جهازاً موازياً للتربية والتعليم وخاضعاً تماماً لسيطرة قيادة الحركة مالياً وادارياً وقد عملت بعض قيادة الحركة على استخدامه خاضناً تنظيمياً لها.. ومع ذلك فقد تعامل الاخ الرئيس مع ذلك بهدوء وتأني ..

ولاشك ان ممارسة كهذه ماكانت لتحدث وتستمر وتتطور بتلك الطريقة التي كانت عليها لولا تسامح الاخ الرئيس وتعاطفه مع قواعد الحركة الذين لم يكونوا على علم بنوايا قيادتهم الحقيقية.. ولايشك احد بصدق نوايا الاخ الرئيس الذي لم يكن مجبراً من الناحية السياسية للتصرف على هذا النحو وانما تصرف بما تصرف عليه انطلاقاً من حرصه على قواعد الحركة واعطائهم الوقت الكافي ليوقفوا بعض قيادتهم عن مثل هذه التصرفات.. وتتضح صعوبة موقف الرئيس اذا ما تم الاخذ بعين الاعتبار حجم الضغوط السياسية الكبيرة من قبل المنافسين لحركة الاخوان والتي كانت تدفع بقوة في اتجاه تحجيمهم وانتزاع كل ماكان تحت تصرفهم من مؤسسات الدولة ومواردها .

والجميع يتذكر الانشقاق الكبير الذي حدث في قيادة الحركة بسبب الصراع على السلطة بين اجنحتها وموقف الرئيس منه فلم يقف الرئيس مع طرف ضد طرف وترك لهم تسوية خلافاتهم بأنفسهم ..

مؤشرات الصراع

وعندما ظهرت مؤشرات الصراع الى السطح فلم يتدخل الاخ الرئيس لترجيح كفة طرف على حساب الآخر.. وبعد ذلك لم يقف مع الجناح المنهزم ضد الجناح المنتصر على الرغم من ان الجناح المنهزم قد سلم للسلطة معلومات وحقائق تدين قيادة الجناح المنتصر.. هذه البيانات كانت كافية لحظر نشاط الحركة او الزج بعناصر الحركة في السجون او على الاقل العمل على ازاحة قيادة الجناح المنتصر واعادة قيادة الجناح المنهزم الى قيادة الحركة، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث فقد تعامل الرئيس مع قيادة الجناح برحمة ورعاية ابوية لا مثيل لها.. فقد سمح للجناح المنتصر بالسيطرة على الحركة ومواردها وتعامل معه على اساس انه القيادة الشرعية وفي نفس الوقت فقد تحمل عناء وتكاليف معالجة اوضاع الجناح المنهزم ومع ذلك لم يشجع هؤلاء مقابل هذه الرعاية والاستيعاب على انشاء قيادة بديلة لمنافسة الجناح المنتصر على قيادة الحركة.. قد تصرف الأخ الرئيس على هذا النحو حفاظاً على عدم تعرض قواعد الحركة للابتزاز والاستغلال .

والأكثر اهمية من ذلك فإن الأخ الرئيس لم يبعد حتى من ظل مدسوساً من عنصر الحركة في مؤسسات الدولة وخصوصاً أولئك الذين كانوا يمثلون رموز قيادة الجناح المنتصر وعلى الرغم من تصرف بعض هؤلاء كالطابور الخامس لقيادة الجناح المنتصر.

وبعد كل هذه الممارسات والتصرفات فقد سمح الأخ الرئيس لحركة الاخوان في الاستمرار في المشاركة السياسية وبوتيرة عالية.. فعلى سبيل المثال فإن نصيب الاخوان في المؤتمر الشعبي العام قبل التعددية كان نصيب الأسد.. فالاخوان نالوا نصيبهم مثلهم مثل بقية القوى السياسية ونالوا نصيباً اضافياً من خلال الاعضاء الذين كانوا منظمين معهم سراً وكانوا في الظاهر يصنفون على أنهم من مناصري الاخ الرئيس.. وقد كان الاخ الرئيس يدرك هذه اللعبة لكنه تغاضى عنها رحمة بقواعد الاخوان.

عودة الزنداني

وبعد عودة الشيخ عبدالمجيد الزنداني الى البلاد بعد الوحدة ظهرت بوادر انشقاق جديد تجلت بعض مظاهرها في مؤتمر الوحدة والسلام ونشأة جامعة الايمان.. لقد كان من المفترض وفقاً لقواعد السياسة ان يعمل الاخ الرئيس وخصوصاً بعد كل هذه التجارب المريرة مع بعض قيادة اخوان اليمن على استغلال ذلك، لكنه لم يفعل رحمة بقواعد الاخوان ومناصريهم .

وحتى بعد خروج الاخوان من تحت عباءة المؤتمر وممارستهم للعمل السياسي تحت عباءة جديدة تسمى التجمع اليمني للاصلاح فإن الرئيس استمر في التعامل معهم برحمة ولين، لقد كان يدرك ان خروج الاخوان من عباءة المؤتمر هو ايذان ببداية انحلال التحالف التكتيكي الذي كان قائماً بينه وبين بعض قيادة اخوان اليمن، ومع ذلك لم يعمل الاخ الرئيس علي زيادة شقة الخلاف معهم ولا على زيادة شقة الخلاف بين الجناحين المتصارعين.. انه لم يعمل قط على تشجيع اي جناح على الآخر، بل انه في حالات كثيرة كان يلعب دور المقرب والمصلح بين الجناحين.. ولاشك ان تصرف الاخ الرئيس علي هذا النحو يدل على مدى حرصه على قواعد الاخوان وتجنبهم ويلات الصراعات والاختلافات والتنازعات .

ومن عجيب الأمور ان الاخ الرئيس بعد ذلك كله استمر بالعمل بدون كلل او ملل على تجنيب حركة الاخوان المسلمين العديد من المزالق التي وضعتها فيها بعض قيادة الاخوان التي كان من الممكن ان تقود لحركة الهلاك.. ومن عجيب الامور ان بعض قيادة الحركة كانت تشكك بجهود الرئيس هذه بل انها كانت تقاومها بشدة .. وقد كانت مكافأة الأخ الرئيس على عمله هذا من قبل بعض قيادة الحركة هو تعمد ترويجها لاشاعات بين قواعدها بهدف اشاعة اكبر قدر من الكراهية له بين هؤلاء .

دمج المعاهد الدينية

فعندما عمل الأخ الرئيس علي دمج المعاهد الدينية في مؤسسات التربية والتعليم كان يهدف الى ايجاد مخرج مشرف للحركة ولقيادتها، فاستمرار الوضع على ما كان عليه لم يكن في صالحها.. وحل المعاهدة بطريقة اخرى كان من الممكن ان يحدث انقسامات بين اعضائها مما قد يسبب ضعفها وتفككها.. فعلى الرغم من ان الرئيس قد حاول تبين ذلك الهدف وتبين مخاطر استمرار سيطرة الحركة على المعاهد الدينية على الحركة وعلى البلاد فإن قيادة الحركة لم تصغ وظلت تمارس دوراً تضليلياً على قواعدها.

وقد اثبتت الحقائق فيما بعد صوابية وجهة نظر فخامة الأخ الرئيس.. فلم يكن استمرار سيطرة الحركة على المعاهد في صالحها لانه سيعرضها للانتقاد من القوى السياسية الداخلية والهجوم من القوى الخارجية.. وعلى الرغم من نصح الأخ الرئيس لقيادة الاخوان بمعالجة هذه القضية بهدوء وبتدريج إلا ان بعض قيادة الحركة تجاهلت هذه النصيحة وفسرتها بسوء النية .. ولم يكتفِ بعض قيادة حركة الاخوان