الحوار الذي نريد
بقلم/ حورية مشهور
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و 4 أيام
الجمعة 20 إبريل-نيسان 2012 09:39 ص

ونحن ننطلق إلى الحوار لن نقف كثيراً أمام المفاهيم وتعريفاتها فيما إذا كان ما نقوم به حواراً أو إتصالاً ، جدلاً أو نقاشاً أو مناضرة بل سنلج مباشرة إلى غايات ومقاصد هذا الفعل الضرورة وبروح إيجابية للتعاطي معه ومعالجة أي قصور قد يكتنفه ، هذا العمل إنتظرناه طويلاً ، فلا جدل " ديالتيك dialectic " زينون أو سقراط أو هيجل أو ماركس يعنينا وإن ما يعنينا هو أن نتفق مهما كانت الصعوبات والإختلافات والتحديات. وقد جبل الإنسان على الجدل وكثيراً فيما يعرف ولايعرف ، وقد علم الله سبحانه وتعالى طبيعة مخلوقاته فقال " وكان الإنسان أكثر شئ جدلاً " سورة الكهف آيه 54 وإن أضطررنا أو تم جرنا إلى مربع الجدل جراً فلن نجادل إلا بالحسنى وبالتي هي أحسن وأقوم إن شاء الله. وفي الحديث الشريف يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلا أُوتُوا الْجَدَلَ "وهو جدل للجدل ليس إلا وقد يفضي إلى خصومة وتعميق للخلاف والإختلاف ، وهو ما ينبغي أن ننأى بأنفسنا جميعا عنه "ونحن غير ناقصين خلافات ومشكلات ".

وإلى جانب الجدل وهو مفوم ذا صلة قوية بالحوارهناك مفاهيم أخرى مثل الإتصال ، المناضرة . ويفيد معنى المناظرة المقابلة أي مقابلة طرفين وتقديم كل طرف لحججه والدفاع عن صوابيتها وصحتها أزاء الطرف الآخر لينتصر بها على خصمه مثل ما يفعله مرشحو الرئاسة الأمريكية من الحزبيين التقليديين الديمقراطي والجمهوري ومناظرتهما فحواها أن كل طرف لديه مشروعه الوطني أو القومي لتحسين البلاد ومعاش العباد ، وهو وإن كان يحمل التنافس ولكن مقاصده للصالح العام. ونحن الآن والوطن يمر في أصعب مرحلة من مراحله التأريخية ومهدد في أمنه واستقراره وتنميته لسنا بصدد مشروعات كثيرة وقد ضاقت الخيارات أمامنا ولا مشروع أمامنا إلا ما توافق عليه ممثلوا الغالبية العظمى من أبناء الشعب وأقصد بذلك المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية والقرارات الأممية والتي بني عليها برنامج حكومة الوفاق . ومن الطبيعي أن تظل هناك مجموعة من النخب أو العامة لديهم تحفظات أو رفض للإتفاق أو جماهير واسعة لا تعلم ولايعنيها ما أتفقت عليه النخب وما يهمهم سوى تحسن حياتهم الضنكاء كان من يكون من عقد هذا الإتفاق وكيفما يكون. كما أننا لسنا خصوم إطلاقاً بل مكونات سياسية وثورية وإجتماعية كل له تصوراته وأفكاره عن كيفية إعادة بناء الوطن ، ولذا لابد أن نتحاور لتتقارب وجهات نظرنا في الوسائل والأدوات لأننا متفقون كلياً على الأسس والمبادئ.

والحوار الذي يتخوف منه البعض أو يتردد أزاءه أو يشكك بنتائجه قبل أن تبدأ أعماله ويعرف غاياته وأهدافه هو بحد ذاته مبدأ يتضمن قيم إنسانية عالية ولكن الطرف الآخر قبل الثورة كان قد أفرغه تماما من هذه المضامين الرائعة وحوله إلى حوار للحوار لاستهلاك الوقت والمراوغة مع معارضيه أو حوار " طرشان" لا يفضي إلى شئ ويتم النكوص على نتائجه قبل أن يجف حبر تلك الإتفاقات الناتجة عن حوارات طويلة ومضنية. وكان رفض الشباب يقوم على أساس معرفته بتلك الآساليب والملابسات التي ارتبطت بتلك الحوارات وشوهتها ، أما اليوم فنحن نعيش واقع جديد ومن سيتواصلون وسيتحاورون أولاً الشباب ذاتهم فيما بينهم وهم جميعاً ثوار حقيقيون مهما أختلفت توجهاتهم وخلفياتهم السياسية والفكرية وقدموا أروع وأخلص صور التضحيات ، وثانياً مع أطراف هي شريكة لهم في هذا التغيير وهي تريد أن تتوافق على آليات ووسائل عمل لإنجاز هذا التغيير بأكبر فعالية ممكنة وبأقل الكلف ، وستلعب اللجنة الوزارية أو المجتمع الدولي دور الرعاية والمساعدة للشباب لإنجاز مهمتهم بنجاح ليتحولون من قوة فعل وتغيير ثوري إلى قوة عمل سياسي إنتاجي تنموي لإنقاذ وطن يحتضر.

ومن مكامن القوة لإنجاح التواصل والحوار خاصة مع الشباب أنهم مدركين إدراكاً كاملاً لتلك التحديات والصعوبات الخطيرة التي تواجه الوطن وأيضاً واعيين وعياً كاملاً بأهمية التقدم نحو الأمام للتغيير وأضرب مثلاً على ذلك قبول كثر بإجراءات المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية بالرغم من الرفض الأولى المطلق للمبادرة ودليلي على ذلك الإقبال الواسع على الإنتخابات الرئاسية التي رأى فيها كثيرون مخرجاً للبلاد وجلهم وغالبيتهم من شباب الساحات وبالتالي فإن التواصل والحوار دون شك سيكتسب هذا القبول الجماهيري الواسع لأنه في المحصلة الأخيرة حوار وتوافق تقوم مبادئه وأسسه على تحقيق أهداف الثورة.

وإذا عدنا لمضامين المفاهيم التي آمل ألا يطول بنا الوقت للبحث في مبناها ومعناها وننتقل مباشرة لأفعال تحقق روحها ومقاصدها الإيجابية فيما ينفع الناس وينقل الوطن نقلة نوعية من حالة الهشاشة والمرض والركود والضعف إلى حالة إستعادة العافية والنهوض فإن الحوار الذي نريد هو أن نستمع للآخر بإهتمام وتقدير وأن يستمع هو إلينا فلا نحن نفترض ملكيتنا للحقيقة وصوابيتنا ولا نفترض إطلاقاً خطأ الآخر، و يستند إلى قاعدة القبول للوصول إلى كثير من نقاط الإلتقاء وإستبعاد ما يمكن أن يؤثر على تحقيق أهداف الحوار وأعتقد بل أجزم بأن الآخر لديه نفس الإفتراض وهذا بحد ذاته يمثل أرضية صلبة لحوار هادف وبناء يدرك فيه المتحاورن حجم المشكلات والتحديات والمخاطر المحدقة بالوطن.