تجربتا الإمارات وماليزيا.. أيهما أصلح لليمن؟
بقلم/ علي ناجي الرعوي
نشر منذ: 12 سنة و 5 أشهر و 15 يوماً
الأربعاء 11 يوليو-تموز 2012 04:10 م

لست بحاجة لأن أسهب في الحديث عن التجربة الإماراتية وما حققته من نجاحات باهرة على مستوى الوطن العربي، على صعيد الانتقال من الدولة التقليدية إلى دولة حديثة، تعتمد على الحلول الابتكارية والرؤية العلمية والبناء الممنهج الذي أسس نهضة شاملة في مختلف القطاعات والميادين.

لمعرفتي بأن هذه التجربة الفريدة قد خضعت لتحليلات عميقة من قبل العديد من المتخصصين العرب، حتى أصبحت أطروحاتهم بمثابة مراجع أساسية لكل من يحاول الإدلاء بدلوه في الحديث عن الدلالات التي أسهمت في إكساب النموذج الإماراتي صفة الديمومة والاستمرارية المتميزة، التي جعلت منه إضافة ذات قيمة بالنظر إلى الإخفاقات التي صاحبت التجارب العربية الأخرى منذ القرن الخامس عشر وحتى اليوم، والتي تبرز بعض ملامحها في الفروق الكبيرة التي تبدو في الوقت الراهن بين تايوان والهند وبينهما وبين مصر.

والأمر الذي أجد نفسي حائراً في شأنه، ليس كيف نجحت التجربة الإماراتية ولماذا أخفقت كافة المحاولات التي اتخذتها بلدان عربية أخرى من أجل تحقيق أي إسهام فعال في جهود النهوض العربي.

ولكن ما يقلقني هو عدم استفادة العرب من المنظومة الأساسية التي توفرت للتجربة الإماراتية، مع أن الجميع بحاجة ماسة للتوقف أمام ذلك الإنجاز الذي نشأ في قلب الصحراء العربية، والتأمل في مجريات النهضة التي تهيأت لمدن مثل دبي وأبوظبي وغيرهما، باعتبار ذلك أهم ألف مرة من إهدار الوقت في التمني وعقد المقارنات مع تجارب الآخرين خارج محيطنا الجغرافي.

ولعل أسوأ ما في الواقع العربي هو التعامي عن رؤية أي تطور يتحقق على أرض عربية، وكأننا في هذه المنطقة نخشى أن نخاطب بعضنا بعضاً في ما يحقق المصلحة المشتركة، ويمنحنا فرصة جديدة للخروج من مرحلة التخلف وتجاوز وهدة التقوقع والجمود.. أم أن الحل هو في الاندماج الكامل في النظام الاقتصادي الغربي؟ فهل هذا هو الحل الأمثل لتعويض ما أهدرناه من الفرص وأضعناه من الجهد والوقت؟

ما يعنيني في هذا الجانب هو ما أقدمت عليه الحكومة اليمنية، والتي أعلنت مؤخراً أنها سوف تستعين بخبرات وكفاءات استشارية خارجية، تقوم بدراسة المشكلات والمصاعب التي يعاني منها اليمن، واقتراح الوصفة العلاجية التي تساعد هذا البلد المنهك على استعادة توازنه والتغلب على معضلاته التي تتضخم يوماً بعد يوم.

المؤكد أن اليمنيين قطعوا شوطاً مهماً على الصعيد السياسي، بنجاح الانتخابات الرئاسية وقيام حكومة الوفاق الوطني، وبدء التحضيرات لمؤتمر الحوار.

لكن فاعلية هذه الخطوات السياسية ستبقى مرهونة بمعالجة التدهور الاقتصادي، وتحقيق الاستقرار الأمني، وإيجاد الحلول للقضايا الشائكة كالقضية الجنوبية، والحرب على الإرهاب، والأوضاع في محافظة صعدة، وانتشار السلاح بأيدي المواطنين، وغيرها من القضايا التي لا تحتمل التأجيل.

وأمام هذا الركام الهائل من المصاعب والتحديات، فقد كان قرار الحكومة اليمنية الاستعانة بخبرات وكفاءات استشارية خارجية، ضرورياً لكسر حالة الجمود والرتابة التي تكتنف الواقع اليمني، ولكن ما يخشى منه هو أن يفقد هذا التوجه معناه ومدلوله الجوهري، تحت تأثير الاعتقاد السائد لدى البعض بأنه وبمجرد قبول رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد بالعمل كمستشار للحكومة اليمنية.

فإن ذلك كفيل بتكرار المعجزة الماليزية في اليمن، لقناعتي بأن أصحاب ذلك الاعتقاد لا يستندون إلى أية رؤية موضوعية على الصعيد الفعلي والنظري، إذ إنه بالبحث المعمق والملتزم سنجد عند التشخيص الكثير من التمايزات بين الأوضاع التي كانت قائمة في ماليزيا، والمشكلات التي تنتصب في وجه حركة التطور في اليمن.

وأظن أن من يقارن بين التجربة الماليزية والحالة اليمنية الراهنة، يجهل تماماً اختلاف الظروف التاريخية لكل منهما، وهي الظروف التي لا بد من النظر فيها عند أية محاولة للاستفادة من هذه التجربة أو تلك، ومن مصلحة اليمن أن يلتفت أولاً إلى التجارب الناجحة في محيطه الجغرافي العربي، وتحديداً إلى التجربة الإماراتية لكونها نشأت في بيئة اجتماعية قريبة حد التطابق مع البيئة اليمنية.

فالمجتمع الإماراتي الذي استطاع خلال ثلاثة عقود من الزمن أن يبني دولة عصرية ناهضة، لا يختلف عن المجتمع اليمني من حيث التكوين والثقافة، فكلا الشعبين يتناسلان من قبائل عربية واحدة، وينهلان من حضارة واحدة.

وإذا كان هناك فارق فإنه لا يتعدى حدود التعامل الكفء مع مقتضيات التطور، ومستوى التطبيق لمعايير الإدارة الرشيدة. ولا نبتعد عن الحقيقة إذا قلنا إن تجربة دولة الإمارات تستحق أن تكون مثالاً، ليس لليمن وحسب وإنما لكافة الدول العربية التي تتطلع إلى الدخول في معترك العصر..

أما إذا جئنا إلى التجربة الماليزية أو أي من دول النمور الآسيوية، فلا بد أن ندرك أن النهضة في هذه البلدان قد اعتمدت اعتماداً كبيراً على الاستثمارات الأجنبية المباشرة ( FDI )، والأمر لا يتعدى في نظر الكثير من الباحثين، ومنهم الدكتور أسامة الخولي، أن استثمارات ضخمة أجنبية أقامت صناعة تجميعية أو منتجة لمكونات ( modules )، أي أن ما أقيم هناك هو وحدات إنتاجية تتمتع بميزات تنافسية من منظور أصحاب الشركات الأم.

وبمعنى أدق، فإن هذه الوحدات الإنتاجية ظلت تعتمد على مصادر تقانة وإنتاج وإدارة خارجية، وليس هناك أي إنجاز علمي وطني يحسب للدول المستضيفة لمثل تلك الشركات، وإنتاج سيارة ماليزية بتصميم ياباني لا يمثل إنجازاً علمياً يستحق التنويه..

والآن وقد آن الأوان لكي ننتقل من تشخيص أوضاعنا البائسة في اليمن إلى مرحلة البحث عن الحلول والمعالجات، فمن الأحرى أن نستفيد من تجربة شعب شقيق مر بمثل ظروفنا، واستطاع أن يجتاز العوائق والصعاب بثبات ورحابة وطنية ورؤية شاملة، صانعاً تجربة مبهرة تتلألأ إشراقاتها في سماء دبي وأبوظبي وغيرها من مدن دولة الإمارات.

  alraawi89@yahoo.com