عن ثورتين.. ثورة في الجنوب ألهمت ثورة في الشمال
بقلم/ أحمد الشلفي
نشر منذ: 12 سنة و 5 أشهر و 18 يوماً
الأحد 08 يوليو-تموز 2012 04:50 م

لابد من الاعتراف بثورة الحراك السلمي الجنوبي, التي انطلقت في 2007م وكانت بدايتها من عدن, ثم في حضرموت ثم اشتعلت لتعم الجنوب كله حتى 2011 ومابعدها.. حيث بدأت الثورة الشعبية السلمية في تعز وصنعاء وقبلها عدن لتعم ارجاء اليمن كلها.. ثورة الحراك السلمي في الجنوب كانت إلهاماً لليمنيين جميعا.

كانت الوسائل السلمية غريبة على المواطن الشمالي وثقافته .. وكان الجنوبي في عدن وحضرموت ولحج والضالع وابين وعدن وشبوة يبتكر الادوات السلمية التي عرفناها فيما بعد في ثورتنا الشعبية السلمية.

رأينا الأعلام الشطرية ترفرف كاحتجاج سلمي.. شاهدنا المظاهرات السلمية بعشرات الآلاف في مدن الجنوب وكنت أعجب كيف يتقاطر الجنوبيون من الريف ايضاً.

شاهدنا جنائز الشهداء.. شاهدنا الجرحى والمعتقلين.. وكان النظام يزيف الحقائق ويقول: إنهم كانوا مسلحين كما كان يقول عن ثورة فبراير 2011م.

قتل النظام متظاهرين بحجة انهم يحملون اسلحة والحقيقة انهم كانوا عزلاً وسلميين.

شكل النظام بلاطجة من مناطق معينة وسلحهم ومنحهم اموالاً لقتل المتظاهرين في المحافظات بحجة انهم انصار الوحده.

اعتقل النظام مئات بل آلاف من المتظاهرين والنشطاء.

قاومت الثورة السلمية في محافظات الجنوب كل اشكال الاقصاء والعنف والكبت المسلح وغير المسلح.. ونجحت في الوصول الى هدفها وهو التعريف بقضيتها وحركت الراكد السياسي والاعلامي والاقليمي والدولي, وهدف اي حراك او ثورة سلمية هو التعريف بالقضية وإيصالها للناس.

وبغض النظر عن مطالبها .. فإن من اهداف الثورات السلمية رفع سقف مطالبها للوصول الى ما تريد.

كانت ثورة الجنوب السلمية هي الإلهام للثورة السلمية في فبراير 2011 وجعلت الكثير من الاعلاميين والسياسيين في العالم يتنبأون بسقوط نظام صالح قبل اي نظام.

نجح النظام في تحويل صورة الثوار السلميين في الجنوب من الشكل السلمي الى المسلح, اذ سعى بطرقه الى تسليح البعض من اعوانه.. وتلفيق اخبار كاذبة للمتظاهرين وأنتج في ذلك الوقت عشرات الصحف والمواقع والوسائل الاعلامية, ولاحق الصحفيين وأوقف الصحف وفعل كل ما بوسعه لكن الثورة السلمية في الجنوب لم تهدأ.

كان هذا هو السبب منذ عام 94م.. اقصي الجنوبيون من مناصبهم.. سرح آلاف العسكريين الى البيوت.. طرد كثيرون خارج البلاد.. أممت المصانع والشركات وبيع بعضها وشرد الآلاف من موظفيها.. نهبت الاراضي وسلبت .. استحدث قانوناً امنياً في المحافظات الجنوبية.

اصبح المواطن الجنوبي مواطناً درجة ثالثة .. ثم قيل لنا: إننا في دولة الوحدة وأنه لاحل للأمر . إما الوحدة وإما الموت . . اما ان يظل نظام مستبد على رؤوسهم يقتلهم ويسلبهم حريتهم وينهب حياتهم بحجة الوحدة .. واما ضياعهم الأبدي.

من غير المقبول اليوم وبعد قيام ثورة عظيمة في اليمن شماله وجنوبه ان نسمع شخصا يقول: إما الوحدة أو الوحدة.

من غير المعقول بعد كل هذه التضحيات ان يمارس على إخوة الوطن اساليب النظام السابق ويمنعون عن التعبير بكل اشكاله.

اذا لم يشرق عصر الثورة على الجنوبيين .. إذا لم تلب مطالبهم ويتحملها الجميع فليست ثورة .. لقد جاءت الثورة السلميه في فبراير 2011م لتكون واحدة من ثمار صبر الجنوبيين وجلدهم.. ونفسهم الطويل.

من 2007 الى 2010 استمر الجنوبيون في مظاهراتهم وأشكالهم الاحتجاجية دون كلل وملل بشكل مستمر وخلال ثورة فبراير 2011 ومابعدها.

ولطالما كنت استغرب واعجب من الصبر والقوة والاصرار لهذه الثورة التي استمرت كل هذه السنوات.. ولازال مشهدها متقداً رغم ان البعض بدأ يتحدث عن انهاك وإرهاق للثورة الشعبية السلمية وطول وقت.. واليوم وبعد ان اصبح للجنوبيين مطالب واضحة وثورة تحتفي بخروجهم السلمي الاول وتعترف بشرعية مطلبهم فإنني اقول: كيف يمكن اقناع الجنوبيين بأنه حدث تغيير فعلاً وأن الوحده ضرورة اذا كان من تسبب في مأساتهم لازال في هيئات الدولة ومؤسساتها وسيشاركهم في الحوار.

اي حوار هذا الذي لا يحترم حتى مشاعرهم ويلبي مطالبهم في إبعاد من كانوا سبباً في ألمهم طوال 22عاما من مناصبهم ومحاسبتهم ومحاكمتهم امام القضاء.

بصراحة لا ادري كيف يمكن قبول ذلك دون محاسبة المتسببين.. انا مع مطالب الجنوبيين وحقهم في محاسبة هؤلاء وليس في الحوار معهم.

للجنوبيين شهداء هم أهلنا.. ولهم جرحى هم ابناؤنا .. ولهم يتامى وارامل ولهم حقوق سلبت.

على مدى خمسة اعوام كنت اغطي مظاهرات .. ذهبت لعدن اكثر من مرة واحتجزت هناك وفي الضالع تعرضت وطاقمي لمحاولة اعتداء وفي حضرموت احتجزنا في الفندق ومنعنا من العمل وفي أبين احتجزنا في الامن المركزي.

قلت هذا لأوضح بأنني شاهدت المسيرات وغطيتها وكانت بعشرات الآلاف في كل هذه المناطق .. في حضرموت شاهدت القتلى وفي عدن وفي الضالع وفي لحج .. آلاف المعتقلين من ابناء الجنوب دفعوا الثمن.. كيف يمكن إقناعهم إذن ان يتخلوا عن مطالبهم بالانفصال والاكتفاء بتقديم نقاط بمطالبهم الحقوقية دون محاسبة المتسببين..

من يطرح فكرة الحوار معهم مع استبعاد مطالبهم في محاسبة من كانوا السبب فإنه يتيح الفرصة لتأجيج نار الانفصال ولا يحل المشكلة وانما يؤججها ويبقي على الوضع كما كان.

ينبغي الاعتراف بأن الجنوبيين كان لديهم ثورة .. وينبغي الاعتراف بمطالبهم .. ويجب قبل كل شيء معاقبة من تسبب في آلامهم وآلام اليمن .. ثم يأتي بعد ذلك الحوار.

وقد اطمأنوا الى انه اصبح لهم حق وكرامة.

*مراسل قناة الجزيرة – اليمن

-الجمهورية نت