الرَّد الإماراتي المُفترض على أحمدي نجاد
بقلم/ د عبدالله الحاضري
نشر منذ: 12 سنة و 7 أشهر و 21 يوماً
الجمعة 04 مايو 2012 05:50 م

منذ بدايات عام 86 تقريباً اتخذ الرئيس السوفيتي حينها قراراً بإصلاح منظومة النظرية الشيوعية وتبعاتها الاقتصادية والسياسية بعد أن بدأت ملامح الإنهيار الكامل فيها وأطلق على مشروعه حينذاك مُسمَّى (البروستاريكا) وكان صريحاً في أنَّ الاقتصاد السوفيتي وصل إلى نهايته ولم يعُد قادراً على إشباع الحاجات الضرورية للحياة، ممّا أثَّر على كُل مؤسسات النظرية الشيوعية وبدأ (غرباتشوف)أولى خطوات تنفيذ نظرية الإصلاح – البروستاريكا - فاتخذ قراراً بسحب القوات السوفيتية من أفغانستان عام89 تقريباً وتقليل الإنفاق على المؤسسة العسكرية وبذلك وصل مشروع غزو أفغانستان إلى العدم كنتيجة حتمية لانهيار الوضع السوفيتي من الداخل وأصبح وجود الجيش الأحمر في حدّ ذاته يُشكّل عبئاً على الإتحاد السوفيتي، فشرع في إغلاق قواعده العسكرية حول العالم وتسريح وسائطه البشرية من الخدمة، حينها فقط أدركتُ شخصياً أن الإتحاد السوفيتي انتهى بانتهاء نظرية البروستاريكا ولفض أنفاسه الأخيرة فعلياً وأصبح الإتحاد السوفيتي تاريخه وكأنهُ لم يكُن وكان لهذا الانهيار تبعات على المستوى الدولي، فقد انتهت دولاً كانت محسوبةٍ عليه في الشرق وفي الغرب وتَفرخَّت جُغرافيتهُ إلى كُتل سياسية ولم يبقَ منهُ سوى موسكو تحت مُسمَّى روسيا والفراغات الجُغرافية التابعة لها, واليوم يتكرر نفس سيناريو الإنهيار السوفيتي في الولايات المتحدة الأمريكية، فاقتصادها أصبح في وضع كارثي ولم تعد النظرية الرأسمالية قادرةً على مواكبة تغيُّرات العصر الاقتصادية خاصةً بعد أن وصلت أدواتها التنفيذية إلى أفق مسدود وانخفض معدل النمو إلى أدنى مستوياته إلى أقل من اثنين في المائة وتبعهُ إعلان الرئيس الأمريكي أوباما نظريته في إصلاح الأوضاع الاقتصادية بحزمه من القرارات تماماً كما فعل سابقه الرئيس غرباً تشوف وماهذه القرارات من وجهة نظري إلا بروستاريكا أوباما تماماً كبروستاريكاغرباتشوف, وعلى نفس السياق انسحبت القوات الأمريكية من العراق ومن أفغانسان كما فعلت سابقتها موسكو حين انسحبت من أفغانستان, وفي الأيام القليلة الماضية قررت الإدارة الأمريكية إغلاق نصف قواعدها في العالم لعدم قدرتها على الإنفاق عليها، فقد بلغ حجم الدَّين الأمريكي عشرين ترليون دولار واستبقوا فقط من القواعد العسكرية ما هو ضروري لمواجهة الخطر الذي قد يأتي من آسيا.

إنَّ هذا السيناريو الأمريكي يكاد يتماثل تماماً إلى درجة التوحّد مع سيناريو انهيار الإتحاد السوفيتي وما تبقَّى سوى ترقُّب ما ستسفر عنهُ بورستاريكا أوباما وإن كانت دلالاتها تُشير إلى أنها ستصل إلى ما وصلت إليه بورستاريكا غرباتشوف.. أقول هذه الكلمات قاصداً منها التنويه بأن هذه هي نفس مُعطيات الإستراتيجية الإيرانية التي تخلُص إلى أنَّ ميزان القوى العالمي الذي كان لصالح أمريكا حليفة دول الخليـج بدأ يختل لصالحها، هذا الإختلال هو أساس النظرية السياسية الإيرانية القادمة التي تُراهن عليه في تفعيـل مشروعها الأيدلوجي والجُغرافي في المنطقة والشرق الأوسط، فأمريكا ستكون مُنشغلة بوضعها الداخلي ولن يكون لديها القدرة على الوفاء بالتزاماتها الدولية خاصةً مُعاهدات الدِّفاع المُشترك المعقودة مع دول الخليج العربي.. هذا من جانب ومن جانبٍ آخر إيران ترى أنَّها وبشكل أفضل عالمياً قادرة على حماية المصالح الأمريكية في المنطقة وبذلك لا يوجد ضرورة أمريكية في الدخول معها في صراع عسكري، على فرض أنها في أحسن حالاتها مادامت ستحمي مصالحها، فالنتيجة واحدة بل وربما تكون أمريكا أفضل مع الحليف الواقعي الجديد, هذا الاستقراء الإيراني للمستقبل هو ما جعل أحمدي نجاد يضع قدميه على جزيرة أبو موسى الإماراتية التي يحتلها، إنه يؤكد بهذه الزيارة أن معطيات الوضع الدولي أصبحت لصالحه وأن ميزان القوى يعتدل على كُل المستويات لفائدته أيضاً خاصةً ميزان القوى السياسي والعسكري, نجاد بزيارته لأبوموسى يوجّه رسالةً للخليج العربي مضمونها: "لم يعد هناك جدوى من أي اتفاقيات دفاع مُشترك مع الغرب ونحن أسياد المنطقة, والخليج العربي وفقاً لثقافتنا هو جزء من الجغرافية الإيرانية والسيادة الإيرانية ستمتد حتى العُمق الخليجي، فانسوا الجُزر الثلاث فهي إيرانية وفي حال دخولنا في نزاع مسلح معكم سنكون نحنُ الخيار الواقعي الأمثل للغرب بحسب مُعطياتهم الحضارية المأزومة ووضعهم الهش الآيل للسقوط".

 لم يعد حقيقة أمام العرب وفقاً لهذه المعطيات والمتغيرات الدولية وبروز دولةً مثل إيران تُنافس بقوة وبأيدلوجية على توسيع رقعتها الجغرافية لتمتد لمنابع النفط، لم يعد أمامها سوى خيار إستراتيجي وحيد ألا وهو الوحدة العربية، ليس أمام الإمارات من حل للوقوف أمام التعسُّف والاحتلال الإيراني لأراضيها سوى البدء بخطوات تنفيذية جادة تصُب في وضع مبادئ للوحدة العربية,إنَّ كُل المُعطيات والمتغيرات على المستويات السياسية والعسكرية والحضارية للدول العربية والخليجية بالذات وكذلك المُعطيات والمتغيرات على المستوى الدولي تُشير إلى حتمية إقامة وتفعيل خيار الوحدة العربية ويجب البدء بخطواتها التنفيذية، خاصةً مع توافر كُل مقومات هذه الوحدة وعدم وجود مانع من أي نوعٍ يقفُ حائلاً أمام إقامتها، إن الوحدة العربية اليوم هي الرَّد الأمثل على طموح المشاريع الأجنبية التوسعية وفي نفس الوقت هي الوسيلة المُثلى لاستعادة الحقوق العربية المغتصبة، لن تستعيد الإمارات جُزرها إلا وفقاً للسُنن الكونية التي تُشير وفقاً للتجارب البشرية التاريخية بأنّهُ يجب أولاً العمـل على تعديل ميزان القوى الاجتماعي المائل لصالح إيران لصالحنا وفقاً لأُسُس حضارة وهذا لا يُمكن أن يتأتَّى إلا بالوحدة العربية حتى نصل إلى مستوى معقول من الاندماج والتَّكامُل على المستوى البشري والمادي ويكون لدينا مشروع قادر وفق هذه المقومات أن يقف أمام أي مشروع كالمشروع الإيراني.

وفي الأخيـر أقول: بعدَ أن وصلّ الطموح الإيراني في اليمن إلى البدء بهرمزة مضيق باب المندب وهرمزة خليج عدن وبعد الإصرار الإيراني على احتلال الجُزر الإماراتية وبعد أن احتل سيلفاكير مدينة هيجلج السودانية, وفي ظل استمرار الاحتلال الصهيوني لفلسطين بعد كُل هذا إذا لم نسعَ لإقامة الوحدة العربية، فنحنُ لا نستحق حتّى مُجرد الذكـر فضلاً عن الوجـود..!