الحديدة... رمضان شهر الحر
بقلم/ مأرب برس
نشر منذ: 11 سنة و 5 أشهر و 20 يوماً
الأحد 07 يوليو-تموز 2013 07:26 م

الحديدة/ حسن مشعف:

ما هي إلا أيام قليلة، ويحلّ علينا شهر رمضان المبارك, ومع دخول هذا الشهر الفضيل الذي يتميز ببركته إلا أن الاهالي في الحديدة يتجرعون الامرين وذلك إثر انعدام أبسط الخدمات الأساسية في هذه المحافظة المنكوبة..

وتعتبر محافظة الحديدة من أشد المحافظات ارتفاعًا في درجة الحرارة، وتشهد هذا العام صيفًا ساخنًا غير مسبوق يتزامن مع انطفاءات متكررة للكهرباء تعكر عليه أجواء رمضان المبارك ناهيك عن الطفحات الهائلة للمجاري، التي أصبحت مستنقعا خطيرا يهدد أرواح الناس في الحديدة.

فعلى مدى عقود من الزمن يعيش أبناء تهامة "المسالمون" في أزمات مستديمة، وهي متعددة "أزمة الغاز المنزلي وأزمة الكهرباء وأزمة التلاعب بالأسعار، خصوصاً في رمضان"، بعد أن أصبحت تحتل مكاناً وحيزاً كبيرين من الهمّ التهامي المثقل بالكثير من الأزمات والآهات، ومأساة من أعظم المآسي التي ألمّت بهم.

فالطوابير الطويلة تتعدد وتستوقفك أينما ذهبت وربما قد تشكل في بعض الشوارع زحمة للمارة، ومن جهة أخرى الأصوات التي تعلو والشجارات والمشادات الكلامية بين "المطوبرين" رجالاً ونساء وأطفالاً أمام معارض ومحلات بيع الغاز من جهة ومن جهة أخرى طوابير الباحثين عما يسمى بـ" حق رمضان" والمتسولين الذين أنهكهم الفقر وأعياهم، فتجدهم أمام الجمعيات الخيرية والمحلات التجارية، والبعض الآخر يتحدث إليك وهو يجلس على الرصيف أمام منزله يفتح عليك مباشرة "الكهرباء طافية".

مشاهد بؤس وحرمان وظلم يعيشها أبناء تهامة في ظل غياب العدالة وامتهان المواطن وسحقه، وفي ظل أزمات مفتعلة تسحق هذا المواطن المغلوب على أمره، مشاهد مخيفة ومرعبة لأبناء المحافظة "المسالمين" وظهور حادثة غريبة لم يألفوها من قبل، وهي "ظاهرة الانتشار المسلح" في الشوارع والجولات والأسواق وداخل الحارات وإشهار السلاح بالعلن.. فلا يكاد يمر يوم إلا وتسمع خبر "تبادل لإطلاق نار.. مقتل شخص أو (..).. إصابة شخص أو أكثر بطلق ناري".. آخرون تجدهم وأنت خارج إلى أقرب بوفية لتناول كأس من الحليب وهم يفترشون الرصيف يغطون في نومهم العميق ويشعرون بالراحة بعد أن أعياهم التعب طوال نهارهم بحثاً عن لقمة العيش.. (وأيّة راحة تلك).

آخرون تجدهم هجروا قراهم وأهلهم وأطفالهم ودخلوا مدينة"الحديدة" ليبحثوا عما يسد رمق أفراد أسرهم التي تركوها خلفهم.. تنوعت معاناة التهاميين ورمت بظلالها عليهم، فلا شيء في وجوه هؤلاء الذين يتكومون في هذه الطوابير القائمة سوى تطلعاتهم لأن ترتفع هذه الغمة ويتوقف مسلسل انهيار المعيشة للمواطنين والأزمات المفتعلة التي تدفع بهم إلى طوابير أصبحت هاجسا "مؤرقا" لحياتهم ومعاشهم اليومي..

مشاهد تتكرر يومياً وقد يرمي المواطن بزمام الامر على السلطة المحلية بالمحافظة ويطالبها بالمعالجات ومحاسبة المتسببين في افتعال الأزمات وحرمان المواطنين من أبسط الخدمات الأساسية.

"مأرب برس" اقتربت من هموم المواطنين وتلمست معاناتهم وأوضاعهم في ظل الأزمة التي يمرون بها وكان لنا هذا الحوار معهم فإليكم الحصيلة..

البداية كانت مع المواطن"علي فتيني" الذي عندما التقيناه وسألناه أجاب علينا من أين أبدأ؟، حيث نستقبل رمضان في الحديدة بأزمات متعددة، منها أزمة في مادة الغاز المنزلي ولا ندري من يقف وراء تلك الأزمة الخانقة التي أرهقتنا كثيرا"، ليضيف لنا هماً ثقيلاً وكابوساً مزعجاً، ما اضطرنا إلى استقبال شهر الخير والبركة بوجوه عابسة يملؤها الحنق والغضب والأسى من هذا الأزمات، وهذه الدولة التي عجزت عن توفير أبسط الخدمات الأساسية للمواطن المسكين والانطفاءات المتكررة التي تشهدها كهرباء الحديدة دون مراعاة للجو الحار جداً، والذي سلب من الجميع نعمة الراحة، أضف إلى ذلك أزمتي الغلاء والفقر.

ويضيف "فتيني": يدخل رمضان هذا العام علينا مع تزايد مخيف للأسعار وخاصة المواد الاساسية، حيث أصبحنا لا نبحث عن التحسينات في التغذية، ولكن المهم أن نتمكن من أن نأتي باليسير من المواد الأساسية..

الحال يعلمه الله

وبينما أنا أمشي في شارع شمسان لـ"ألتقي" بأكبر عدد ممكن من المواطنين لننقل همومهم أستوقفني شخص شارد الذهن، سلمت عليه وسألته عن حاله، فأجاب: "نشتي حق رمضان، الجيب فاضي، والحال يعلمه الله".. سألته عن اسمه فأجاب: حسن عوضة جراد، وأنشد يتحدث عن معاناته شعراً، فقال: 

أنا الفقير في دنيتي ... الماء يشبع معدتي

 وآ قلب آه من الألم .. والدمع قرح مقلتي 

أين القلوب الحانية .. بالمال ظلت قاسية 

وأنا الفقير ما حيلتي .. في رمضان ضاعت فرحتي 

أهل الغناء في حالهم .. وأنا الفقير ما حيلتي 

من ذاك يفهم قصتي .. ويداه تمسح دمعتي. 

ثم واصل حديثه: أنا خريج ثانوية عامة في عام 99م، ولم أجد فرصة عمل، ولم يدرج اسمي ضمن كشف الدرجات، وقد شاركت في عدة مهرجانات وطنية وكرنفالات وعدد من الانشطة التوعوية بعدد من القصائد الشعرية لكنها لم تشفع لي في ظل هذه الحكومات المتعاقبة..  

(المحافظة المنكوبة) 

من جانب آخر التقينا الاستاذ عبدالرحمن شاوش، الذي بعد أن قدم شكره لصحيفة "مأرب برس" على اهتمامها بمعاناة وهموم أبناء المحافظة المنكوبة "الحديدة"، أكد لنا دون سؤال عن ذلك أنه ليس متحزباً لفئة وإنما حزبه الوطن الغالي، وقال: لو كنت في سطح القمر فالهموم التي أطرحها لا يكفي سردها في هذه العجالة، وقال: من أين أبدأ؟، من معاناتي الخاصة أو العامة، فأنا رئيس لجمعية الصم والبكم بزبيد، حيث تم إقفال مقر الجمعية من المؤجر في ظل غياب السلطة المحلية، وعدم اهتمامها بشريحة المعاقين، حيث إن الجمعية تحتضن العديد من الصم والبكم تعليمياً وتدريبياً من زبيد والجراحي والتحيتا.. وأضاف: لقد تم إقفال الجمعية من قبل المؤجر جراء تأخر إيجار عدة شهور، التي بلغت ثلاثمائة ألف وكسور عن طريق النيابة، ولا يوجد من يقف بجانبنا رغم تواصلنا مع أكثر من جهة معنية؛ مما جعلني أغادر مدينة زبيد إلى الحديدة، وأسكن فيها.. وذووا الاحتياجات الخاصة الآن يتسكعون في الشوارع، وأنا موظف ولي راتب 56 ألف ريال مستأجر بيتاً بثلاثين ألفًا، ناهيك عن زوجتين و7 أطفال، وفاتورة الكهرباء عليّ أربعمائة وخمسين ألفاً، إلى وقت لقائي بكم خلاف ديون البقالة والصيدلية ومصاريف رمضان في ظل ارتفاع جنوني للأسعار..

(القادم.. ربنا يستر)

ويضيف أحمد معجب قائلًا: الناس في حالة فزع كبرى من الاوضاع في الحديدة، والوضع المعيشي يزداد سوءاً يومًا بعد يوم، وتزداد معاناة المواطن الحديدي مع دخول شهر رمضان، غلاء الاسعار من جانب، والبطالة من جانب آخر، وانتشار عدد من المسلحين.. ويضيف باللهجة المعروفة: "هنا الناس يشتوا حق رمضان بس من فين.. خلق الله مطوبرين قدام المحلات والجمعيات، حتى الجمعيات شكلها مفلسة شوية، والقادم ربنا يستر"..

أما المعاق حسن جحجوح الذي ترك قريته ونزل إلى الحديدة تاركاً والدين طاعنين في السن وأختين وخمسة من الإخوة قال: نزلت إلى الحديدة للبحث عن عمل يتوافق مع إعاقتي لأغطي مصاريف أسرتي، ولكنني لم أجد حتى الآن وتلاحظ ارتفاعاً للأسعار مع اقتراب شهر رمضان يذهل الجميع دون ضبط من الجهات المعنية وعمليات سطو واحتيال.  وتساءل عن الجهات التي تقف مع المعاق أو تقوم بدعمه ولم يواصل حديثه معي، معتبراً النشر غير مجدٍ، وأخذ يمشي على عكازته ويتمتم بكلمات غير مفهومة..

أبناء تهامه لا يعرفون لغة العنف 

فيما يرى المواطن/ عمر شوعي بأن أزمة الغاز وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وكذا أزمة الكهرباء في الحديدة ما زالت تمتد وتزداد يوماً بعد يوم، بل وتلقي بظلالها الكئيبة على حياة المواطنين في عدد من المناطق والأحياء بتهامة دون أي إجراء أو تدخل من الجهات المختصة، والتي لا تزال تعيش حالة غارقة في النوم العميق.. وأضاف شوعي قائلًا: "لأن أبناء تهامة مساكين ولا يفقهون لغة العنف والغضب والبهررة فهذا جزاؤهم.

وواصل حديثه: هذه الازمات المتعلقة بالكهرباء وارتفاع اسعار المواد الغذائية تعد جريمة من الجرائم.. وتساءل: لم هذه العصابات المسلحة المنتشرة في الاسواق والشوارع واشتباكات مستمرة وسقوط قتلى وجرحى وانتشار ذلك بكثرة، ومن يقف وراءها، وأين الجهات الامنية والرقابة؟.

فواتير حمراء 

ويضيف الصحفي بسيم الجناني قائلاً: الحديدة تدفع فاتورة السلم والوفاء "كهرباء، مرضى، بطالة فقر، أسعار، غاز"، فواتير حمراء تضاعف معاناة الظروف المعيشية الصعبة، وحرارة مناخية قاسية.. غلاء يهوي بالسكان إلى سحيق ما تحت الفاقة والفقر الكافر.. وفواتير كهرباء تضاعفت إلى النصف من حجم كارثة تتكور مأساتها في الشوارع والجولات، حيث آلاف المتسولين الذين يجوبونها ويتكومون أمام الشركات والأسواق والشوارع والمساجد، صور تزداد قتامة.. ثمة ما يوحي في وجوه المواطنين بأن هناك تحولات مخيفة في حياتهم المعيشية تدلف بهم إلى سحيق الهاوية.. ومن المؤسف أن نعيش رمضان الكريم هذا العام في ظل تفاقم وتزايد مخيف للأسعار، وخاصة المواد الاساسية، وهو ما يضاعف معاناة السكان في هذه المحافظة التي أصبحت شبه منكوبة، والحال قد غلب على أبنائها..

 صراع من أجل البقاء

 ويتحدث محمد القيم من أبناء مديرية القناوص قائلاً: معاناة أبناء الحديدة ليست وليدة الساعة، وإنما مستمرة طيلة العهد الإمامي وبعد مجيء الثورة السبتمبرية وأبناء الحديدة يعانون ويكابدون مرارة العيش ومتطلبات الحياة اليومية، ومع ذلك لم يستسلموا لواقعهم المر والصعب، بل بذلوا كل ما بوسعهم في التغلب على المعاناة وشظف المعيشة، وصبروا كثيرًا، ولكن ازدادت تلك المعاناة خلال العقود القليلة الماضية الذي تعامل مع ابناء الحديدة، وكأنهم مواطنون من الدرجة الثالثة أو الرابعة، بل صادر كل حقوقهم ولم يكتف بذلك، بل نهب أراضيهم وصادر ثرواتهم السمكية والزراعية.. وانعكست المعاناة لأبناء الحديدة على مختلف الخدمات الصحية والتعليمية والمعيشية، ومع ذلك ابناء الحديدة ما زالوا يصارعون من أجل البقاء والحياة الكريمة..

 الحرارة تغتال أحياء القش والصفيح

لا يزال سكان القش والصفيح في حي السلام بالحديدة يُغتالون بجحيم الحر والظلام والفقر، ينعمون برؤية خطوط الكهرباء التي تمر من بين أحيائهم إلى الجهات المعلومة والمجهولة، وإلى أماكن بعيدة ومناطق وعرة، الفارق أن هؤلاء الغلابى البسطاء سقطوا عمداً من ذاكرة الوجود، وشُطبوا من خارطة الدولة اليمنية لأنهم بلا قبيلة، ولا سلاح، ولا يتقنون البهررة، ولا يجيدون فن الخطف وحمل السلاح.. هؤلاء يُستخدمون كورقة للعب بها لصالح "الدواشين" وتجار السمسرة، ويبقى هؤلاء في منازلهم الصفيحية والكرتونية يتسلون بالملصقات الدعائية التي نصبت بين أحيائهم، وعلقت صوراً على منازلهم الصفيحية لبعض الرموز.. كما هو الحال في حي الكدف وحارة البيضاء وحي السلام والزهور وجزء من السلخانة والربصة - أشبه بنازحين قادمين من القرن الأفريقي، وليسوا يمنيين.. مرارات وآهات وبشر يموتون في صمت بسبب المعاناة المختلفة "الحر والأسعار والفقر والبطالة"، هؤلاء هم ابناء عروسة البحر الأحمر التي تعيش أسوأ حالاتها منذ أكثر من 30 عاماً.

الكهرباء.. المجاري.. القمائم.. ثلاثي يؤرق المواطنين

ويضيف عبدالكريم دمدم "حارة غليل" بقوله: إن المشكلة الرئيسة في حارة غليل هي الانطفاءات المتكررة والمقصود لهذه الحارة لا تقل عن 6 ساعات في اليوم هذا في حالة أن تكون الشبكة الرئيسية (مأرب) سليمة، ولكن أهالي مربع 9 في الحارة لا تعتبر هذه مشكلة رئيسة لوحدها، بل هناك مشكلة أخرى ويعانون منها لما ما يقارب خمس سنوات، وهي ضعف التيار الكهربائي مما يؤدي إلى انطفاء مصابيح الإنارة وتلفها بشكل كبير ناهيك عن إتلاف معظم الاجهزة الكهربائية، وفي رمضان بالذات، حيث وإن الناس بأمس الحاجة للمكيف، ففي مربع 9 لضعفها لا تستطيع أن تشغل المكيف المنزلي (طن إلاربع)، وقد قدمنا شكاوى إلى المحافظة، وهناك ملفات بالخصوص، ولم نجد حلاً لهذه المشكلة، إضافة إلى تلف الشبكة الكهربائية في هذا المربع، وقال باللهجة التهامية: "مسلكين بس بدون كهرباء".. وأضاف دمدم.. هناك مشكلة أخرى تؤرق أبناء الحارة "غليل"، وهي طفح المجاري وانسداد الخطوط الرئيسة مما أدى إلى انبعاث روائح كريهة ومؤذية وانتشار الامراض بسبب ذلك في الحارة، وأغلقت الشوارع داخل الحارة ولطول فترتها نبتت فيها الطحالب، حيث ولها أكثر من 15 يوماً، وقد بلغنا طوارئ الصرف الصحي مراراً وتكراراً، تارة يردون بالقول: البوابير معطلة وتارة الديزل لم يصرف من المحافظة .. وأوضح أن من المشكلات التي تؤرق المواطنين في حارة غليل هذه الايام هي تكدس القمائم في الحارة، فهم حالياً لا يقومون برفعها مثل خطتهم المعهودة ما قبل رمضان، ولكن الآن تتراكم وتصير أكواماً وربما قد تقطع الشارع في الحارة وجوار سنترال غليل خير شاهد.. واختتم قائلاً: لا توجد في الحارة خطوط انترنت نهائياً.. هذه بعض من معاناة المواطنين في حارة غليل بمدينة الحديدة..