أوضاعنا الاجتماعية والحلول المستوردة
بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
نشر منذ: 14 سنة و 8 أشهر
الجمعة 05 مارس - آذار 2010 03:59 م

ثمة مشكلات وكوارث اجتماعية تحيط بمجتمعاتنا العربية والإسلامية ، جرتها إلينا حضارة الغرب وتقنياته التي لم تهتد بهدى الله ، وعلاها البغي والطغيان والعدوان والاستكبار ، بيد أنّ الأكثر كارثية هي تلك الحلول والمعالجات المعلبة التي تطرحها التيارات العلمانية أو تلك التيارات التي تحظى بعلاقات \"صداقة ومودة لا أكثر\" للغرب .

ومَثَل هذه المعالجات العلمانية ، وليعذرني الجميع لهذا المثل القبيح، ولكن أقبح منه ما تريده التيارات العلمانية بمجتمعاتنا وأخلاقها ودينها ، إن مثل هذه التيارات كمثل فتاة ظلت تعلمها أمها أهمية الحجاب والستر والحشمة وضرورة تغطية الوجه ، ومرة خرجت الفتاة من بيتها ، وفجأة قابلت رجلا ، فلم تجد ما تغطي به وجهها ، إلا إزارها ، فنزعته ، وغطت وجهها ، فسترت العورة المخففة وكشفت المغلظة!!!.

على أنني هنا أزعم أنّ التيارات العلمانية ومن سار في ركبها ، لا تتمتع بحسن النية أو البراءة، أو نقاء السريرة ، أو العفوية ، كما يظن البعض ، بل هذه التيارات إنما تجاهد بكل ما أوتيت من قوة لتفرض على شعوبنا ، التي طحنها الجوع والفاقة والاستبداد ، ثقافة اجتماعية وافدة من وراء البحار والمحيطات .

إنّ الأمر لا يحتاج إلى كبير أو كثير جهد لمعرفة هذه الحقيقة المرّة ، فتلك هي سنة الله في كل الأمم والشعوب والحضارات ، أن يوجد من أبنائها من يغيّر ويبدل جلده كل يوم كالحرباء ، أو الحية الرتقاء ، حسب الأجواء وهبوب الرياح والظروف والمصلحة .

لا غريب في الأمر إنما الغريب هو انجرار بعض الحكماء والعقلاء وبعض العلماء إلى بعض جزئيات هذه الثقافة من حيث لا يشعرون ، والأدهى والأمر أن تنسب بعض هذه الجزئيات إلى الشريعة السمحة .

أود هنا أن أعرج على بعض كوارثنا الفكرية التي تسببت فيما نحن فيه من مشكلات اجتماعية وأزمات واختناقات سياسية .

ففي الوقت الذي تتحدث فيه الإحصائيات عن ملايين النساء العوانس في الجزيرة العربية والخليج ، وملايين المطلقات والأرامل ، وما تعيشه المرأة العربية من ظلم وقهر بسبب القوانين القبلية والقوانين السياسية الاجتماعية الوافدة ، كحرمانها أو تعقيد زواجها ممن ترغب أو تحب ، لأنه مثلا ليس من وطنها ، ويلزم لزواجها به عشرات الإجراءات المعقدة ، ثم تأتي القوانين القبلية كوجوب تزويج البنت بأحد أقاربها ، على درجات معروفة معلومة لديهم ، فإن لم تجد فلا يجوز لها أن تتزوج إلا بأحد أفراد قبيلتها ، فإن لم تجد فمن أبناء مدينتها ، ثم تأتي بعد ذلك إجراءات الحفل والزفاف والأموال الباهضة التي تنفق ، على الأقارب والأهلين ، هذه الإجراءات المعقدة لا يتجاوزها في واقع الحال إلا الفدائيون أو الانتحاريون ، وقليل ما هم ، ثم قد تجد المسكينة زوجاً ، يقبل بتلك الشروط الجائرة من غلاء المهور والمكوس والشروط الباهضة التي ما أنزل الله بها من سلطان ، إن كان ذا ثراء فاحش ، أو ربما ظل طوال عمره رهينة لديون الزواج ، فيظل أسيراً للديون حتى يشب أبناؤه أو يشيخون ، وفي الغالب يتجه الميسورون في الجزيرة والخليج للزواج من البلدان خارج الجزيرة لأغراض مختلفة ، وهكذا ففي الغالب بل الأغلب الأعم بات الزواج في غاية من التعقيد والصعوبة ، الأمر الذي نجم عنه كل هذه الملايين من العوانس ، بفضل السياسة الاجتماعية الوافدة ، بالدرجة الأولى ، وبسبب الموروثات الجاهلية التي ما أنزل الله بها من سلطان .

وبدلاً من البحث عن أسباب تيسير الزواج نجد الكثير يتشدق بسن قوانين تحظر على المرأة الزواج إلا بعد سن ال 18 عاماً ، ولا يخفى ما في هذا من العنت الشديد والتحريم لما أحل الله، وما فيه من الظلم الفادح في حق المرأة والرجل، بالدرجة الأولى .

وبالطبع قولهم بتحديد هذه السن أي سن ال 18 ، بالذات ليس من فراغ بل لأن المنظمات الدولية تضغط على الأعراب الذين بيدهم القرار السياسي في أمتنا أن يسايروا الغرب في شئونه وأحواله الشاذة ، فاضطر الأعراب نتيجة هذه الضغوط ، أو نتيجة الهوى والمزاج الفاسد ، أن يركبوا ، موجة الغرب المدمرة .

ما احتج به بعض المشايخ وفقهم الله ، كالشيخ د./ محمد النجيمي عضو المجمع الفقهي بمكة المكرمة ، والنائب الشيخ / شوقي القاضي ، وغيرهم من القول بجواز تحديد سن الزواج ، واستدلالهم لذلك بقوله تعالى : {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ }النساء6 ، وبعض الأدلة الأخرى ، التي جمعوها ، لا نجد فيها أي دلالة على تحديد سن الزواج ب 18 عاما ، بل قصارى ما فيها تحديد الزواج بسن البلوغ ، وسن البلوغ يعلم الجميع أنه يختلف من بيئة إلى أخرى ، فقد يبلغ أو تبلغ الفتاة في 13 أو 14 عاما ، وتحديد سن الزواج بالبلوغ هو ما ذكره فقهاء الإسلام ، لما لا يخفى من وقوع أضرار نفسية واجتماعية من الزواج قبل سن البلوغ ، وبالتالي لا نجد دليلا واحداً من الشريعة السمحة ، ونتحدى أن يوجد دليل شرعي واحد ، يحدد سن الزواج بالثامنة عشرة عاما، إلا اللهم الاستئناس بالقوانين الغربية أو القوانين المستوردة من وراء البحار والمحيطات ، والتي لا تناسب أوضاعنا الاجتماعية بحال.

أيها الشيوخ ، إن الشارع الحكيم لم يكن عاجزا أن يحدد سناً معينة للزواج ، ب 15 ، أو 16 ، 17 ، أو 18 ، عاماً بل ترك الخيار للأحوال والظروف الشخصية ، فتأمل إلى عدل ربك ورحمته بعباده ، وأنظر بعين الشفقة والرأفة إلى أولئك الذين يلوون أعناق النصوص الشرعية ، لهوى أو مزاج فاسد ، أو قصور في الفهم ، وسبّح معي بكمال علم ربك وحكمته جل في علاه.

ثم أنظر رحمك الله إلى ما يحيق بالملايين من المسلمين والمسلمات من جراء هذه الاستنباطات الغير واقعية ، والمعالجات التي تصطدم مع واقع الدين والشريعة والحياة ، وانظر إلى الظلم الفادح والجرم الكاسح ، وقل معي لا حول ولا قوة إلا بالله.

أيها الشيوخ ، بين أيديكم عشرات الأمثلة من أوضاعنا الاجتماعية المضطربة بل الملتهبة ، لو أمعنا النظر في أسبابها ومسباباتها ، لرأينا أنها تعود في الأغلب الأعم إلى الحلول المستوردة ، على غرار منع تزويج الفتاة البالغة حتى تصل سن الثامنة عشرة ، والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل .