عندما أصبح الذئب راعياً..صارت الثورة نسيا (!)
بقلم/ د. حسن شمسان
نشر منذ: 11 سنة و شهرين و 10 أيام
الأحد 25 أغسطس-آب 2013 05:10 م

إن اليد الغادرة التي تصفعك ليست بخطورة اليد ذاتها التي تمسح فوق رأسك ولا توجعك؛ فالأولى توقظك والأخيرة تخدرك وتخذلك؛ فلا تأمن غدرها وإن تجملت أو تلونت فنونها؛ فليست الغاية إذا في المظاهر أو المسميات بل في المضمونات وما تؤدي إليه من الغايات؛ فكلنا نسمع -مثلا- عن مسمى /البيت الأبيض/ الذي مسماه فيه الرحمة ومضمونه من قبله العذاب، إذ يحوي باطن بياضه كل معاني السواد ولعل أسود شيء فيه الكذب؛ وفي المقابل نسمع عن /الصندوق الأسْود/ في حين أن مضمونه أو حقيقته بياض، وأبيض شيء فيه الصدق والشفافية؛ فهو كالِمرآة تنقل الحقيقة ولا تبالغ فيها. وفي سياق الموضوع نسترجع المثل الشعبي القائل: "الكلب كلب أسودْ والاَّ ابيضْ" والكذب كذلك أسود لا بياض فيه مع أننا نسمع عبارة "كِذْبة بيضاء" ولا تكون كذلك إلا إذا كان مردودها أبيضا أي تحدث في سياق الإصلاح والتوفيق بين المتخاصمين وما عداه فكله كذب أسود وكله عار وكله في النار

ولا نذهب بعيدا فكلنا سمعنا عن /أسد السيسي/ الذي أكل المصريين، وأسد سوريا الذي التهم السوريين؛ ليتضح لكل ذي بصيرة أن أولاد جيش السيسي ليسوا المصريين من ناحية أو أن جيشه ليس أسدا ولا ذئبا ولا ما دون ذلك من أكلة اللحوم من ناحية ثانية؛ فالمفترسات بمختلف أنواعها لا تأكل أبناءها بل تؤُمنُّهم من خوف وتُطعمُهم من جوع. إذا تسمية السيسي جيشه أسدا وهو ملتهم؛ جاءت على غرار تسمية البيت الأمريكي أبيضا وهو سوادا مدلهم. فالجيش السيسي بدا للمصريين في صورة رجل آلي خال من المشاعر يقتل شعبه بدوسة زرّ ، فلا ينتظر ليفكر بل سريعا لإسرائيل ينتصر وهو للأسف بما حدث ويحدث لجيش بشار لم يعتبر. والبيت الأبيض الأمريكي بدا للمسلمين ساقطا وحالكا سوادا. وإذا ما اعتمدنا مثل "الكلب كلب" أي لا يؤثر على مضمونه لونه؛ فإننا نقول على غراره "الذئب ذئب" أي لا يؤثر في حقيقة تآمره تلون فنون مظاهره؛ فلا يمكن أن نصدق بحال أن /ذئب المؤامرة/ في مصر يمكن أن يكون نفسه /حمل المبادرة/ في اليمن؛ وعلى الرغم من أنه لا يختلف اثنان حول [بياض ابن عمر وسوداوية الإبراهيمي الأحمر]؛ -عفوا- الأخضر؛ فإن كليهما الأحمر وابن عمر في النهاية رسولا المجتمع الدولي المتآمر أو رسولا الذئب الأكبر. فالذئب إذا يضل ذئبا سواء كان أسودا أو كان أبيضا فكل ذلك التنوع لا يلهينا عن أن الذئب يضل رمزا للفساد وسفك الدماء إذا خلا القطيع من الراعي القوي الأمين؛ لهذا جعله سيد المرسلين رمزا أو مشبها للطغاة الفاسدين "ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه". وهنا ليس القصد في اختيار الذئب بيان قوة الافتراس بل بيان تماديه والمشبه به في الفساد وسفك الدماء وعدمية احترام الحياة؛ وإلا فإن الأسد أقوى منه افتراسا لكن الذئب اقترن بالعبث في الحياة وعدم احترامها ؛ فالذئب يأكل فريسته حية وليس الأسد كذلك بل يذبحها ثم يأكلها فهو يشعر ويحترم حياتها. والذئب لا يقنع بغريسة واحدة بل يعبث بالقطيع كله إذا غاب الراعي القوي الأمين، والأسد ليس كذلك فيكتفي بواحدة أو حسب جوعة فلا تغويه مثل الذئب أطماعه فيكثر في القطيع أوجاعه لكن الأسد يكتفي بما يسد جوعه، فليس بعد فساد الذئب فساد! فأين أسد السيسي وأسد سورية من الأسد بل حتى من الذئاب وأين قانونهما من قانون الغاب ففي هذا القانون لا تأكل المفترسات أبناءها لا الأسود ولا الذئاب. وإن ما يسمى ببشار الأسد قد عبث بحياة السوريين وأكثر في سورية الفساد فالذئب على الرغم من رمزيته على الفساد فإننا ننقص من حقه عندما نشبهه بجيش السيسي وكتائب بشار.

وبناء على ما سبق فإن تسمية ما يحدث في اليمن مبادرة لا يميزها هذا الإسم شيئا ولا يزيدها شرفا عن مسمى مؤامرة؛ فالأولى تجعل الثورة تغط في نوم عميق في حين أن الأخيرة للثورة نعم الذخيرة حيث تجعلها متيقظة باستمرار ولا يطغى عليها -كما حدث في اليمن- الاعتلال! فالذئب إذا اكتسى حلة بيضاء يضل مضمونه محمرا وإذا المؤامرة في اليمن قد لبست ثياب المبادرة التي انتهت إلى حوار فنحن في ذات المضمار، ما دام راعيها هو ذئب مؤامرة مصر؛ فمتى صار الذئب راعيا ! وحتى إذا بلغت نتائج الحوار درجة عالية من الصفاء والشفافية فإن كل هذا لا يعني أن نقول أن

فالذئب الذي يمتص دماء السوريين وشرع يمتص دماء المصريين يستحيل أن يكون لليمنيين الحمل الوديع الذي يحمي حقوقهم ولا يضيع ويحقن دماءهم ولا يميع. أنما هو الآن يقضي وقت التخدير فإذا انقضى انتظر منه كل عسير فهذا الذي يمثل دور الحمل الوديع الأبيض عندما يأتيه الضوء الأخضر سيكشف عن لونه الأحمر فذلك في السيناريو مستطر؛ أوليس من أسقط حسني ثم عاد ليقيمه هم ذلكم الغفر! فلا تطمئنوا لنتائج الحوار فليست الأوراق التي كتبت فيها نتائج الحوار اليمني أقدس من تلك الأوراق ذاتها التي كتب فيها الدستور المصري؛ كما أن الدماء المسلمة سواء؛ فقد يخرج الحمل الوديع عن دوره في أي لحظة فيكشر عن أنيابه ومخالبه؛ فيتحول سياق الحوار إلى شقاق؛ فيمزق الأجساد وتلك الأوراق ثم لا تملك الدماء إلا أن تراق. وحينها ليس هناك ثمة اندهاش أو مفاجأة لأن حمل الوداعة عاد ليمارس وظيفة سباعة وإنما كانت ساعة الدهشة يوم تخلى الذئب عن دوره وتحول من ذئب مصاص للدماء إلى راعٍ يقوم بحراستها حتى لا تراق ! فقد يعمل فجأة أظفاره ذلك الحمل الوديع وقد يأتي على الحبر أ وذلك الورق الذي كتبت فيه نتائج الحوار فيخدشها ويأتي على دماء اليمنيين فيسفكها ولا أظن الحبر الذي كتب به نتائج الحوار اقدس من الحبر الذي كتب به ذلك الدستور المصري فهل نأمن أو نطمئن لنتائج المبادرة ورعاتها هم أنفسهم أعينهم ذئاب المؤامرة التي أتت على كل مكتسبات الثورة فا بالله عليكم هل يتميز كلب عن آخر لمجرد أنه تغير لونه وهل في الوقت نفسه نغير حكمنا في ذئب لأنه تغير فنَّه، وبناء عليه أقول مسمى المبادرة لا يغني ولا يسمن من جوع فمثله مثل مسمى المؤامرة إذا كان الذي كتب سيناريو المبادرة هو نفسه من كتب سيناريو المؤامرة ؛ بل إن المبادرة توفر على الراعي الكثير من الوقت والجهد والمال فقد خسر سيناريو المؤامرة على مصر المليارات من الريالات ووفر عليهم سيناريو المبادرة في اليمن الكثير من الوقت والجهد والمال فوفر تلك الخسارة وأضف أليها الحسرة .. بل في حالة المبادرة في اليمن رأينا الشعب كله ينقلب على مكتسبات الثورة فيختار رئيسا يمثل طموح الرعاة -الذين حقيقتهم ذئاب- رئيسا طالما حارب الفساد بلسانه ووقع قرارات تعين الفاسدين ببنانه.

لهذا أنا على يقين أن من نسميهم رعاة مبادرة سينقلبون في اللحظة المناسبة التي يعطون فيها الضوء الأخضر من أمريكا إلى ذئاب مؤامرة تتحول فيها السرية إلى علنية فيظهرون عيانا جهارا ويعملون مخالبهم ليلا ونهار؛ فسريعا ما سنجد الانقلاب على نتائج الحوار التي هي أشبه بدستور؛ وسرعان ما سوف يتجسد إعلامهم حتى نراه في صورة عجل له خوار .. اللهم احمِ بلادنا من تقلب الأدوار ومن تآمر دول الجوار وقنّع أهلنا وشعبنا بنتائج الحوار وأطفئ فيهم شهوة حب الريال والدولار.