انضمام اليمن للخليج .. من المستفيد الأكبر
بقلم/ عصام الذيفاني
نشر منذ: 15 سنة و 5 أشهر و يومين
الثلاثاء 02 يونيو-حزيران 2009 06:25 م

لهث اليمن وراء الانضمام لمجلس التعاون الخليجي الذي أنشأته ست دول عام 1981، لايعني أنها ستجني أكبر المكاسب مقارنة بالدول الخليجية نفسها، حتى وأن أعتقدت أن أنضمامها بمثابة الوصفة السحرية للنفاذ من شراك التدهور والتمزق.

التحديات التي تواجهها اليمن ليست معقدة ولامركبة بل أنها بسيطة وحلها يكمن في محاربة الفساد، وتطوير وسائل الادارة لإستغلال ثرورتها الطبيعية والبشرية الهائلة، ليست من الانواع العصية على الحلول كما هو حال دول الخليج التي تعاني من حيره في آمرها، حول كيفية مواجهة التحديات والمخاطر القادمة على أجندة الصراعات الدولية التي قد تجتثها من الخارطة الكونية.

الأمر لايعدو على سبيل المبالغة والغرور، فاليمن دولة معروفة لدى البشرية من قبل الميلاد بالاف القرون، صحيح أنها في الوقت الحالي تمر بحالة من الضعف والهوان قد تودي بها الى وضع لايحمد عقباه، لكنها ومن المؤكد ما أن تسقط حتى تعود مرة آخرى بصورة اكثر فاعلية وتجدد، فهي تتمتع بهوية ثقافية وحضارية غابرة، ستحميها من مخاطر الطمس والنسيان.

فالازمات الاقتصادية ليست مصير محتوم مرتبط ببلد او مجموعة من الناس، لانها في الإساس من المشاكل العابرة التي تواجهها الدول والأمم القوية والمتوسطة والضعيفة، فدوام الحال من المحال، الا أنه الارباك والتخبط الجاثم على كاهل الدولة اليمنية، بسبب سوء تدبير النظام القائم.

لكن التسأول الذي يجب أن يبحث عنه السياسيون في كلا الطرفين حول الفوائد التي ستعود على دول المجلس في حال انضمت اليمن؟! خاصة وأنها دول ذات موارد نفطية غنية، ومواطنيها يتمتعون بأعلى مستوى دخل، و الأخيرة تصنفها المؤسسات الدولية من افقر دول في العالم.

الاجابة على التسأول السابق بحاجة الى نظرات فاحصة الأولى في ماهية وطبيعة التحديات التي تواجهها الدول الخليجية مجتمعة، والثأنية ما يمكن أن تقدمه اليمن من مساعدات لتلك الدول في حال الانضمام.

اولاً: تحدي الاجتثاث والطمس

الدول الخليجية عبارة عن تجمعات كاتونية صغيرة على ارض محدودة، لكنها غنية بالموارد النفطية مع استثناء المملكة العربية السعودية والذي يقترب سكانها من الـ20 مليون نسمة، منهم جماعات اكتسبت الجنسية ذات اصول آسيوية او غيرها.

وبحسب الدراسات الاجتماعية والسكانية التي أعلنت في السنوات الأخيرة فإن عدد السكان المقيمين حالياً 45 مليون نسمة ثلاثة ارباعهم فئات عاملة من الجنسيات الاجنبية، يحتل الهنود النصيب الأكبر، وعلى سبيل المثال فأنهم يمثلون مافوق 90 بالمائة من القاطنين في دبي بدولة الأمارات العربية المتحدة.

ويصف الدكتور عبدالله النفسيي ذلك الوضع بأنه” سيناريو خطير” يستهدف الوجود الخليجي والعربي والاسلامي ايضاً.. متسائلاً ماذا لو قرر الاجانب الامساك بزمام الأمور، هل سينفع معهم استخدام الإسلحة. لكنه كما يعتقد أنه “ استئصال ثقافي وتحدي أمني خطير”.

اضف الى ذلك التهديد الزاحف من إيران التي لازالت تعتبر الخليج من موروثاتها التاريخية والفارسية، فاختلال التركيبة السكانية التي برزت بصورة لافتة مؤخراً في الكويت والبحرين ليست الا مؤشر عن دور شيعي معزز بقنبلة نووية قادمة لتغيير تركيبة المنطقة وفق منطلق فارسي جديد، و لازالت ايضاً تحتل جزر اماراتية.

وهناك تحدي ثالث يتمثل في التواجد العسكري الكثيف للقواعد الأمريكية والغربية حتى وإن جاء عن رضا وقناعة مسبقة، فانه يهدف للهيمنة والتحكم بمنابع النفط، و مؤشراته واضحة عبر عنها وزير الخارجية الامريكي الاسبق “هنري كاسينجر” عند الارتفاعات السعرية للنفط والذي دعا الدول الكبرى الى السيطرة على مخزونه، وعدم تركه في ايدي حفنة قليلة من البشر تتحكم بالاقتصاد العالمي وتستأثر بالثروة.

وما يزيد الأمر خطورة هو التصادم بين المصالح الامريكية والايرانية والتي قد تقود المنطقة الى كارثة جديدة، لن تحل ويلاتها ودمارها الا على الاراضي والمصالح الخليجية، ولذلك فان انضمام اليمن الى دول المجلس سيعمل على معادلة موازين القوى، عند اضافة عمق استراتيجي جديد يتمتع بكثافة بشرية، وموقع جغرافي شاسع ذو أهمية يقع في خلف المعركة وعلى ممرات النفط.

ثانياً: تحدي الثقافة والهوية

قال وزير التخطيط والتعاون الدولي اليمني أن وزير الشئون الاجتماعية السعودي ابلغه أن هناك أكثر من اربعة ملايين عامل في تدبير الشئون المنزلية للعائلات السعودية ما بين سائق وخادمة ومربية، يشكلون خطراً حقيقياً على ثقافة وهوية الاجيال القادمة.

هذه المخاوف ليست محصورة بالسعوديين فقط بل أنها ستقوض المجتمعات الخليجية كافة، شبهها بعض الكتاب والمفكرين الخليجيين بأنها حالة “استيطان” من نوع غير مألوف يجب مواجهتها والتقليل من تأثيراتها على المعتقدات الدينية والقيم الأخلاقية للدول الخليجية والتي ما تلبث حتى تتحول بفعل الكثافة الى الهندية او غيرها من هويات دول جنوب شرق آسيا.

عائد إحلال الايدي العاملة اليمنية بدلاً عن الأجنبية مادياً سيكون من نصيب اليمنيين ، لكنه ثقافياً ودينياً واجتماعياً وهو الأهم والأخطر سيصب لمصلحة الدول الخليجية بصورة مباشرة لأنه سيحفظها في اطار مكونها الإسلامي والثقافي ويحميها من مخاطر (الهندنه) و(الايرنه) وغيرها من الثقافات الاجنبية الوافدة.

ثالثاً: تحدي ضياع الموارد الاقتصادية

تقول الدراسات الاقتصادية المتخصصة أن هناك مايزيد عن 27 مليار دولار من الاموال الخليجية تتسرب الى دول شرق آسيا سنوياً، و خسارات غير محسوبه لكنها تعد بعشرات المليارات ناتجة عن هروب رأس المال الخليجي للاستثمار في الدول الاجنبية .

وتشير ايضاً الى أن اقتصاديات الخليج تعاني من تكدس وركود وأنها تبحث عن مجالات متجددة للاستثمار، لأن القدرة الاستهلاكية لديها ضعيفة بسبب القلة في عدد السكان والمتزامن مع وجود وفرة نقدية، مما يعرضها لمخاطر الضياع والتبدد او انفاقها في مشاريع غير مضمونة الربحية.

ولذلك تؤكد دراسات صندوق النقد الدولي أن انضمام اليمن الى الخليج اقتصادياً سيعمل على خفض هوامش الأرباح في اسواق السلع و العمل من 40 الى 5 بالمائة في اليمن والخليج على التوالي.

كما أنه يزيد من حجم الناتج المحلي الاجمالي على المدى الطويل بمقدار 18 و20 بالمائة لكل منهما، وسينتهي حينذا الاحتكار الذي تعاني منه الاسواق اليمنية وتنتعش الاسواق الخليجية بسبب المنافسة التي ستخلق زيادة في الانتاج بنسبة 14 بالمائة في اليمن 5 بالمائة في دول مجلس التعاون الخليجي.

وتوقعت تلك الدراسات أن تتحقق زيادة ملحوظة لدى الجانبين في الاستهلاك والاستثمار والتوظيف، وفي الأخير ستجد الدول الخليجية أنه حد من الاستنزاف المتنامي لثرواتها ومقدرات شعوبها بصورة منظمة وغيرها.

ومن هنا فإن اليمن بمثابة الحل الأنسب لضرورة الأمن والأستقرار الخليجي، لأنها العمق الاستراتيجي المتاح امام تلك الدول شاءت أم أبت فهي “الخاصرة الخليجية” كما يحلو للكاتب والصحافي المصري الكبير”محمد حسنين هيكل”فاستمرار لهث النظام اليمني وراء الخليجيين غير مبرر.

لان العقل يقول أن المتغيرات الجارية في المنطقة ستدفع القادة الخليجيين الى خيار ضم اليمن في اطار منظومتهم عاجلاً او اجلاً حتى يضمنون استمرار وجود دولهم ومصالحهم، ولهذا يحتم المحافظة على وحدة واستقرار اليمن في الوقت الحالي، حتى لاتضيع الفرصة والخيار الوحيد من بين ايديهم.