بين حفتر وكورونا!
بقلم/ محمد كريشان
نشر منذ: 4 سنوات و 5 أشهر و 21 يوماً
الأربعاء 27 مايو 2020 05:35 م
 

حفتر وجماعته في ليبيا صاروا ملهمين لدول العالم بأسره في صراعه مع جائحة «كورونا»!!

ماذا تقول؟!! ما علاقة هذا بذاك؟!!..

الجواب بسيط : الانسحاب التكتيكي» التي تتحدث عنه قوات حفتر في مواجهة قوات حكومة الوفاق في ليبيا واشاراتها المتكررة إلى «اعادة التموضع» و«اعادة الانتشار» هو بالضبط ما تفعله كثير من دول العالم حاليا في مواجهة «كورونا» وفق صياغات مختلفة من قبيل «الانهاء التدريجي للاغلاق» وغيرها من التسميات.

حفتر لا يريد أن يقول إنه انهزم بل نراه يهدد بالمزيد من العمليات والناطق باسمه لا يحرجه تفلسف القول إن «الجيش الوطني الليبي» لا يقيم أداءه بمعيار بسط السيطرة على مزيد من الأراضي والمناطق أو الحفاظ على ما كان بحوزته(!!)، في فتوى غير مسبوقة في علم الجيوش والحروب…

وهكذا هم قادة العالم، يرفضون الاعتراف بفشلهم في القضاء على الجائحة ولا يتحدثون عن اكتشاف لقاح إلا بصيغة حذرة للغاية مع تواريخ بعيدة وغائمة، بل هم يروّجون لانخفاض أعداد الوفيات على أنها انجاز، ولمرور بضعة أيام دون إصابات جديدة على أنه مؤشر إيجابي.

ومقابل «ساعات الصفر» التي لم يملّ حفتر من إعلانها أكثر من مرة، طالما أن عدّاده يُصفّر بسرعة، نجد أن قادة العالم لا يكلّون هم أيضا من تحديد «ذروة» الفيروس بين هذا الأسبوع أو ذاك وأن منحنى العدوى سيعرف نزولا قبل هذا التاريخ أو بعده.

وكما تكرر الأمم المتحدة، ومعها محللون سياسيون لا حصر لهم، ألا حل عسكريا في ليبيا ولا مفر من جلوس الليبيين مع بعض للتوصل إلى تسوية سياسية، نرى منظمة الصحة العالمية تتحدث، ومعها خبراء صحة كثيرون، أن المعركة مع هذا الفيروس اللعين طويلة ولن تحسم بسرعة والمرجح أننا سنتعايش معه لسنوات مقبلة.

الواضح الآن أن رأي العالم استقر تقريبا على أن هذه الحرب على الفيروس لن تحسم في القريب وأن «تراجعاته التكتيكية» للدول في مواجهته قد تكون حدت من الخسائر لكنها لم تغير المعادلة. لم يبق الآن سوى البحث المضني عن اخراج جيد لهذا التسليم عبر سلسلة من الاجراءات، في الشوارع والمقاهي والمطاعم والمدارس، على الناس السعي إلى سرعة التأقلم معها لأن لا حلا آخر بيدها.

   حفتر لا يريد أن يقول إنه انهزم بل نراه يهدد بالمزيد من العمليات والناطق باسمه لا يحرجه تفلسف القول إن «الجيش الوطني الليبي» لا يقيم أداءه بمعيار بسط السيطرة على مزيد من الأراضي والمناطق أو الحفاظ على ما كان بحوزته

عندما خرج رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في بداية الأزمة ليقول إن علينا أن نستعد لفراق كثير من الأقارب والأحبة مراهنا على ما اصطلح على تسميته بـ»مناعة القطيع»، أحدث كلامه صدمة كبيرة وبدا كمن لا يبالي بأرواح الآلاف من شعبه مقابل أن تستمر عجلة الاقتصاد والانتاج وفق المنهج الرأسمالي الذي لايرحم. الآن، يبدو أن الناس قد شرعوا في الاستيعاب التدريجي لصدمة ما حل بالعالم وأنهم سلموا أنفسهم للأقدار التي ستغيّب من تريد وتبقي على من تريد.

وحتى لا يكون هذا التسليم قبيحا ومخيفا ومذلا من عالم ظن أنه وصل مرحلة الألوهية، جاءت اجراءات التباعد الاجتماعي، وما اتخذته عديد الدول مؤخرا من قرارات لعودة تدريجية للحياة الطبيعية، بمثابة المساحيق الضرورية للهزيمة لاسيما وأنه لم يعد بالامكان تحمل المزيد من توقف أنشطة الحياة دون ضوء في نهاية النفق.

ربما كانت لوبيات الصناعة والتجارة والأعمال هي الأكثر حرصا واستعجالا في هذا المضمار لكن ذلك لا يعفي من الاعتراف أن الناس بدورها سئمت من المكوث في البيوت وما خلفه ذلك، وفق دراسات عديدة، من مشاكل عائلية وآثار نفسية مختلفة، فباتت أميل إلى أن علينا أن نعيش كما نريد أو نموت!!.

هل معنى ذلك أننا عدنا مكرهين في نهاية المطاف إلى نقطة البداية التي استبطنها جونسون وركن إليها ترامب كذلك أيضا قبل أن تفلت الأمور من بين يدي الأول والثاني؟؟ هل المراهنة على المناعة الجماعية للشعوب هي الملاذ الوحيد والاجباري المتوفر حاليا؟ الأرجح نعم، ولكن مع احتياطات مختلفة وطوارئ صحية لاستيعاب المصابين حتى لا يبدو الساسة كمن لا يهتمون بمن يحيا أو يموت وهم من جاؤوا لقيادة الناس إلى الازدهار والتنمية وليس إلى القبور.

يبدو ألا حل متوفرا الآن سوى هذا: عدم الاختباء الجبان من الفيروس ولكن الخروج إليه بشجاعة محسوبة بدقة في انتظار أيام أفضل. هذا لن يمنع سقوط ضحايا جدد لكن يفترض أن تكون الأعداد أقل إذا ما تم احترام اجراءات الوقاية والحذر التي تنصح بها السلطات الصحية في كل بلد.

ما باليد حيلة، لكن الخوف كل الخوف أن يراوغ الفيروس الجميع ويقوم بهجوم معاكس مباغت يُدخل فيه الناس إلى بيوتها من جديد ويعيد إغلاق المصانع وكل مظاهر الحياة فتتحول الحياة إلى انتظار للموت في حالة من العزلة الكئيبة، هذا احتمال وارد أيضا.

ملاحظة أخيرة: تشبيه ليبيا مع حفتر بالعالم مع الفيروس لا يعدو أن يكون من باب الشيء بالشيء يذكر وليس علامة حمى أصابت الكاتب ويخشى أن تكون من علامات إصابته بالفيروس!!. نسأل الله السلامة لي ولكم.

كاتب وإعلامي تونسي