صواريخ تضرب تل أبيب في مدارس الحوثيين.. التعليم يتحول إلى أداة لترسيخ الولاء بالقوة الأمم المتحدة تتحدث عن توقف وصول سفن الوقود إلى ميناء الحديدة فيتو روسي صادم في الأمم المتحدة يشعل غضب الغرب الحوثيون يبدّلون المنازل المستولى عليها إلى مراكز احتجاز بعد اكتظاظ سجونهم بالمعتقلين الحوثيون يبدّلون المنازل المستولى عليها إلى مراكز احتجاز بعد اكتظاظ سجونهم بالمعتقلين المحكمة الجزائية في عدن تصدر حكمها النهائي في المتهمين بتفجارات القائد جواس شهادات مروعة لمعتقلين أفرجت عنهم المليشيات أخيراً وزارة الرياضة التابعة للحوثيين تهدد الأندية.. واتهامات بالتنسيق لتجميد الكرة اليمنية أحمد عايض: ناطقا رسميا باسم مؤتمر مأرب الجامع
المتأمل للانتاج الإبداعي للكاتب والناقد والشاعر/ عبدالرحمن مراد يلمس دون عناء حضور مفردة الوطن في جل الإصدارات وكأن هذه المفردة هي العنوان الأبرز للمشروع الإبداعي الذي يشتغل عليه عبدالرحمن مراد منذ ظهوره في سماء المشهد الثقافي في النصف الثاني من عقد التسعينات عن طريق صحيفة (البريد الأدبي) التي كانت هي الحاضن الأبرز لجل الأصوات الإبداعية التي ظهرت في عقد التسعينات من القرن الماضي، وقد توج رئيس تحريرها الشاعر والناقد/ عبدالودود سيف نشاطه ذلك بكتاب توثيقي بعنوان (ديوان الشعر اليمني المعاصر... الشعر التسعيني)) الصادر عن مؤسسة العفيف – صنعاء وقد جاء في تصدير المؤسسة للكتاب ما نصه: (مؤسسة العفيف الثقافية تفخر كل الفخر بالتعاون مع الأستاذ/ عبدالودود سيف في إصدار هذا الكتاب الذي يوثق لعشرات من المبدعين ويوفر نتاجهم للدارس والمتابع.. ثمة دافع آخر لاهتمام المؤسسة.
بهذا الكتاب ينبع من كون أبناء هذا الجيل هم أكثر الأجيال الإبداعية في اليمن إثارة للإهتمام والجدل، من أكثر من ناحية... فهم الأكثر عدداً، والأكثر تعدداً، ثم هم الأكثر تمدداً...، واختلافاً ومغايرة... ونحن نعتقد أننا من خلالهم نقدم صورة جيدة للمشهد الإبداعي في جانبه الشعري.
وقد وثق الكتاب الصادر عن مؤسسة العفيف لأكثر من ستين شاعراً ظهروا في عقد التسعينات، ولعل ذلك شكل وضعاً إستثنائياً في حركة التاريخ الثقافية لليمن، كونها تزامنت مع قيم الحرية والانفتاح والاختلاف والتغاير التي أشتغل عليها المشهد السياسي مع أنبلاج صبح الوحدة اليمنية.
وعبدالرحمن مراد، واحد من أولئك الجيل الذي تفاعلوا مع المعطيات الحضارية الجديدة لليمن ولم تذهلهم الصدمة الحضارية من التغاير والتمرد والاختلاف، ولعل مجموعته ((وطني غائب كأبي)) تحمل من ملامح ذلك التغير والتمرد الشيء الكثير، فناً وموضوعاً وقد يوحي العنوان بالتعالق بين الذاتي والموضوعي وتشابكهما في التعبير عن حالة التية، بل وحالة الوجد الصوفي، وحالة الغياب وما تفضي إليه من ألم وضياع وتشرد، وهو ما حمل مضمونة المتن النصي كما يتجلى ذلك بوضوح في نص (دفاع) حيث يقول:-
أدافع عني
أنام على رصيفي في المساء
وأهدي
ما الذي أهدي تباريح النساء؟
سأطرق بابي...
أقول لها لعلي عائد هذا المساء.
هذا الضياع والتشرد تركه في النفس جرح غائر، ربما خوفاً من مواجهة موضوع الغياب، الذي لم يترك في الذات سوى البكاء، والسهر والقلق، والحاجة والخوف:-
نامت على مخدتي نوافذ البكاء
والليل والنجوم، والـ.......
أظن أنني بغير ماء
لو أطرق ... طق .... طق
تستيقظ الإماء
من يقترب من دارها... تريقة الدماء.
هذا الشعور بالإنكسار والنكوص والضياع والتشرد خلق شعوراً مقابلاً مبعثة التشبث بالبقاء ومقاومة عوامل الفناء، كما يفصح عن ذلك نص (رثاء رجل لم يمت بعد) حيث يقول:-
نودعكم...
فأنا ملنا تعبت من التصفيق
وعيوننا تسمرت في شاشات التلفاز
ونحن نرثي مآسينا
ونضيق...
نودعكم، وخلفنا رايات التسكع
والشوارع والحارات، والزقاق
وألف معنى وطريق
نودعكم...
سنذهب بعد الآن إلى وطننا الحبيب
وإلى أمة آن لها أن تفيق
نودعكم
شاكرين بك إمتنان،
ما أسديتموه لهذا الشعب
من رفات
وما أشعلتموه من حريق.
ندرك أثناء قراءتنا للنص وبقليل من التأمل أن الذات الشاعرة أصبحت على قدر من الوعي بذاتها والوعي بمكامن القوة في تلك الذات ولذلك نجد الشاعر في مجموعته يحلل مفردات المأساة من أجل إدراك المتسبب فيها والباعث لها وقد يفصح نص (الله حي) عن ذلك حيث يقول في مطلعه:-
وطني أيها الغائب مثل أبي
والساكن كالعاهرة في بيوت الأثرياء
أيها الرصيف الممتد من الماء إلى قدمي
الجوع... ينام في جواري.
هذا التوصيف الذي تقرأة الذات الشاعرة عن الموضوع/ المكان وتفاعلاته ومدى ما يتركه من أثر في الروح التي تتفاعل به ومعه وكيف فسد به الحال إلى الدرجة التي أصبح تعبيراً عن طبقة اجتماعية بعينها، والقضية غياب مفردات النماء ومفردات السلام، والروح التي تعشق أطياف الحياة بكل تموجاتها فلا تجد إلا تكريساً للرمزية، واستبداداً وأبوية مفرطة، وقمعاً ومصادرة ولذلك نجد النص يختم بالقول:-
يبقى الله
ويفنى البوليس
والقائد العربي
والنظام العربي
والرمز العربي
الله حي، الله حي، الله حي
وقد نجد هنا أن الهروب إلى الصوفية في تجلياتها التي بدت في نهاية النص والمفردات التي توحي بها إنما هو محاولة لبعث قوة موازية تقهر قيم التسلط والفناء التي يعمل الواقع العربي ومفرداته ورموزه على الأشتغال عليها مما أفضى ذلك الاشتغال على مثل تلك المفردات إلى تناقض العلاقة بين الثنائيات الجدلية في النسيج الاجتماعي والثقافي والسياسي هذا التناقض من نتائجة الفناء للوطن كما يفصح عن ذك نص (الضوء):-
هل يعلم سيدي الرئيس
ان النور يفر من نافذتي
كل مساء
وأن بلادي، تنام كالعصافير
وأن علاقتي بالنظام
تشبه علاقة الذبالة المحترقة
بالمادة الشمعية
كلانا يحترق ويذوب
إلى أن نصبح دون ... وطن.
النص يفصح عن حلقات مفقودة بين الذات التي هي تعبير عن الجموع وبين النظام الذي أصبح تعبيراً عن ذاته فقط وفقد كل علائقه التي يستمد منها شرعية وجوده وهي علائق وجدانية ربما أنه مع طول الأمد ظنها ترفاً لا يمكن الأستناد عليه أو التفاعل به أو من خلاله، فالضوء هنا دال على أفق واسع من تعدد الإيحاءات الحسية والمعنوية كما يفصح هذا المقطع من ذات النص حيث يقول:-
ذات مساء...
وأنا أقرأ أوراقي على ضوء الشموع
قررت أن أصبح شيخاً
وأقود القبائل التي تقع مهامها
خارج دائرة الضوء
وتنام على الأرصفة
لعل فخامة الرئيس
يدرك أهمية مثل هؤلاء الناس
فيرسل فريقاً من المهندسين
ليعيد الضوء إلى منازلهم
فالضوء هنا يوازي الحياة بكل تموجاتها وإرهاصاتها وهو قد يتجاوز الضلال الأقرب إلى الذهن إلى الأشمل والأوسع فعموم الشعب كما ندرك أصبحت في شظف عيش وعناء حياة، مع أنهيار العملة الوطنية أمام جبروت الدولار، لذلك أضحت الحياة ظلاماً دامساَ لا ترمق الغد إلا بصبر الكادحين ومعاناة الفقراء فيها في ظل غياب الرؤية الوطنية الصادقة لتجاوز تلك العثرات... يقول:-
عشر ساعات تمر
عشرة أيام تمر
عشرة أعوام تمر
وما يزال القمح في بيادر الرئيس
وما يزال الرئيس يخطب
ولم ينته من خطابه بعد
إذن القضية لم تتجاوز الخطاب الإعلامي والخطاب السياسي ولم تتحول إلى قضية وطنية يمكن الوقوف عليها ومعالجة جذورها حتى نجتاز عثراتها ونجتاز المعاناة، أصبح الأمن النفسي والامن الغذائي منذو خطاب الربادي في مطلع التسعينات وحتى صدور هذه المجموعة في العقد الأول من الألفية الثالثة العنوان الأبرر في قضايا المرحلة والسبب الأبرز في جل الاحتقانات والصراعات سواءً العسكرية منها أو المناوشات السياسية بين مختلف القوى الوطنية في الساحة السياسية اليمنية، لقد كان الشاعر في هذه المجموعة الأصدق تعبيراً عن ملامح المرحلة وضروراتها الاجتماعية والسياسية والثقافية لذلك نجد الشاعر في هذه المجموعة وفي نص بعنوان (أسماء) يناقش المشاريع السياسية من قومية وعقائدية ويسارية ويمين ووسط ويرى أنها كانت تعبيراً عن مرحلة زمنية بعينها وأنها غير قادرة على التعبير عن المرحلة الراهنة لذلك فقد ختم النص بسؤال (الأنا) الدال على (النحن) أو المعبر عنه حيث يقول:-
وأنا ...
أنا رجل عادي جداً
جئت من أقصى المدينة
مرت أربعة أعوام
وما زلت أخطب في الناس
أيها الناس ...
ما لكم كيف تحكمون
ولماذا أنتم خائفون
هل ستقفون على الأطلال
وتبكون كالخنساء؟
إلى أن يقول:-
والوطن ينتظر الطوفان
ويغرق بالطوفان
ولا عاصم اليوم من أمر الله
فهل نصنع فلكاً تجري بأمر الله
والمتأمل في النص يجد التناص مع بعض آيات القرآن ذلك أن الخلاص من الموبقات بدون رؤية جامعة وإطار تطري واضح يستوعب مفردات اللحظة ومتطلبات ما سوف يأتي ما هو إلا ضرب من العبث الذي لا طائل منه، ونكاد ندرك أن جل الأحزاب السياسية في الساحة الوطنية اليمنية فقدت قدرتها على التفاعل مع مجريات وتجليات الواقع الوطني وأصبحت تعبيراً عن ذاتها فقط وفقدت خاصية التعاطي والتفاعل مع المعادلة الجوهرية للجماهير، لذلك نجد الجماهير تبحث عن المخلص لكنها بالتأكد لا تجده في التيارات السياسية الحالية لأنها لجأت إلى العنف في أكثر من مكان بحثاً عن المخلص حين خاب ظنها في مؤسساتها السياسية تلك المؤسسات التي خاب ظن الجماهير فيها لأنها لم تدرك ميول الناس ولا حاجاتهم ولا متطلبات المرحلة وحين وقفت عاجزة عن التعبير عنهم ... وهذا ما يفصح عنه نص ( ؟ .. ) حيث يقول:-
بلادي عاجزة
وفي أهدابها صرخة
ما تزال تنام في تلالي
أقول يا جبالي
يفر من أمامي
كل معنى للجبال
لذلك فقد رأت المجموعة في نص (بيان رقم 1)
أن جماهير الشعب هي الأصدق تعبيراً عن ذاتها وهم الأقدر على صناعة لحظتها وبيان حاجتها إذا تحررت من رق الخوف واحساس العجز يقول:-
أيها الفقراء
الحزن سحابة كالوطن المطعون في كرامته
بالسكين
الغيم دمعة مسكين يذرفها
وهو يتكفكف الناس في إحدى جوالات التائهين
البرق قنبلة موقوته قد تنفجر في أي لحظة
من قلوب الجائعين
والوطن أغنية تتمدد كدخان سيجارة
في فضاء اليقين
والجموع الغاضبة شجرة قد تؤتي ثمارها بعد حين
والجوع صخرة صلدة إذا تكالبت عليها
فؤوس المجرمين
قد ننجس الصخرة عن أعين صائغة
للشاربين
لا شئ يقتلكم يا أصدقائي الفقراء
إلا جموع الخائفين
فكونوا قادرين
تلك هي أبرز ملامح المجموعة الشعرية // وطني نحائب كأبي // الصادرة عن مركز عبادي – صنعاء – عام 2009م ، وتلك هي خواطري التي أوحت بها المجموعة ، ولعلي قد أعود إلى المجموعة في قراءه أكثر تبصراُ في العمق الفني والموضوعي بيد أني أحببت أن يشاركني القارئ في هذه السياحة شيئاً من شجني ووجدي ونحن نسمع سوياُ شاعر المجموعة وهو يردد على مسامعنا:.
الرجل الذي يدوس أخشاب كوخي
ليس أكثر من تراب
والرجل الذي يأكل فاكهتي
ليس أكثر من حيوان
والرجل الذي لا يشعر بمأساة الوطن
ليس أكثر من صخره
والوطن الذي لا أشعر بوجوده
ليس أكثر من سراب
ونحن بطبيعة الحال لسنا صخوراُ ولكننا ندرك مأساة هذا الوطن ولعل
تفاعلنا مع القضايا التي طرحتها المجموعة يوحي بذلك .
يبقى القول أن الشاعر/عبد الرحمن مراد من الشعراء من القلائل الذين يشتغلون على قضايا الوطن , كما قال بذلك الدكتور عبدا لعزيز المقالح في إحدى يومياته بصحيفة الثورة وأيضا من الشعراء الذين أصبح حضورهم فاعلاُ وتفاعلهم أكثر جدية مع مدركات الواقع وتطلعات اللحظة.