خليجيون وراء النهدين والأزمة
بقلم/ أحمد عايض
نشر منذ: 13 سنة و 3 أشهر و 10 أيام
الإثنين 08 أغسطس-آب 2011 11:37 ص


المتابع لحديث صالح في أكثر من خطاب وأكثر من موقف يجد أن الرئيس صالح لا يفكر في نقل السلطة حتى في قمة المواجهات أثناء تواجده في العاصمة صنعاء, بل وصل به الحد متحديا العلماء والمشايخ يوم أن قال لهم "لن يكون هناك أي حديث نقل السلطة", بل أكد لهم أن الدماء ستكون إلى الركب.

إضافة إلى أحاديث صالح المستمرة وعبارته المشهورة بين الزعماء العرب "سنواجه التحدي بالتحدي", وكان آخرها تحديه للشعب اليمني وللثورة في اليمن وللمعارضة من غرفته المغلقة على الزائرين من مشفاه في الرياض, في7/7/2011, وهي العبارة التي وجدت انتقادا كبيرا من آل سعود عندما طالبوا صالح بعدم تكرار تحدي الشعب اليمني من على الأراضي السعودية.

دماء على صفيح الغفلة

صالح لا يحمل لليمن ولا أهلها أي حب أو تقدير أو أي احترام, ولو كان يحمل شيئًا من ذلك لكان أول من يبادر للتوقيع على المبادرة الخليجية التي سترفع عن اليمن وأهلها شر الحرب الأهلية التي طالما هدد نظامه بوقوعها إضافة إلى زوال التوتر الأمني إضافة إلى رفع كل عناصر التوتر في العاصمة صنعاء وبقية المدن اليمنية ناهيك عن انتهاء الأزمة الاقتصادية التي تعصف باليمن من أقصاها إلى أدناه.

صالح اليوم وفي أكثر من مرة وأكثر من مناسبة يكشف في خطاباته التي تبث عبر وسائل الإعلام الرسمية أنه أكبر شخصية جشعة في الوطن العربي على كرسي الحكم, حتى عندما يقرأ التقارير اليومية ويعلم "أن هناك أنهارا من الدماء تسيل يوميا في كل من تعز وأرحب وأبين وبقية المدن اليمنية, لا يهتز له طرف ولا يبالي بأي قطرة دم, كما لم يبال من ذي قبل".

الثورة قدر من أقدار الله

ثورة 26 سيتمر اليمنية وقبل نصف قرن تقريبا قام بها بضعة آلاف فقط من أبناء اليمن, وقد نجح الأحرار في تحرير نصر كبير وسحب البساط من تحت آل حميد الدين وتم الاعتراف بالجمهورية اليمنية, وكذلك كل الثورات العربية لم يكن فيها مقياس أو مقدار معين كم نسبة من خرج أو من أيد الحاكم أو المعارض.

 

الثورات في هذا الكون هي قدر من أقدار الله وقوة جبارة لا يمكن لأي حاكم أي يقف أمامها أو أن يوقف مدها أو يغير مسارها. الثورات العربية هي قدر إلهي وغضب عربي على الحكام العرب الذين ستقتلعهم واحدا تلو الآخر ولا يمكن أن يقف أمامها أي طاغوت مهما بلغ جبروته.

ولنا عبرة في الرئيس المصري الذي تعد محاكمته هي ثورة أخرى في قلوب الثوار العرب, فمن كان يتصور أن يأتي يوم يجلس حسني مبارك في قفص الاتهام, وليس ذلك فقط بل ممدا على سرير المرض وبجواره نجليه اللذين كانا كل واحد منهما يمثل دولة, ولو أحدثنا أي مقارنة بين صالح ومبارك لوجدنا أن صالح "لم يكن يمثل سوى قزم سياسي بجوار ما يملكه مبارك من قوة سياسية وأمنية واقتصادية واعتراف ودعم دولي".

صالح الهروب إلى الخلف

اليوم صالح يماطل ويهرب, لكن هروبه دوما إلى الوراء وفي كل خطوة يتمرد فيها عن التوقيع على المبادرة الخليجية "التي تعد المنقذ الوحيد له", فإنما يعزز دعما للثورة في اليمن ويعجل بإثبات خطاياه يوما بعد يوم وقرب دنوه من القضاء مهما حاول بقية النظام الاستخفاف بذلك, فنظام صالح اليوم لم يعد له أي تواجد سوى على قناة اليمن وسبأ أو تصدير بقايا النظام عبر مجموعة من المتحدثين في وسائل الإعلام العربية. النظام اليوم محصور كما كان محصورا صالح في عز قوته وجبروته في ميدان السبعين وما حواها أو بعض شوارع العاصمة, أو القدرة على تحريك آليات عسكرية من مكان إلى آخر تتعرض للضرب وللتنكيل من رجال القبائل في شارع وحارة سواء في صنعاء أو تعز أو أي مكان آخر.

صالح في كل يوم تنتزع الشرعية منه, وكان أول نزوع لها هو يوم "جمعة الكرامة", 18/3/2011, وهي الجمعة التي استحل فيها صالح دماء شعبه, وأمر بارتكاب مجزرة في حق شعبه لن ينساها التاريخ, وثانيا يوم الخميس الماضي الذي مر على صالح أكثر من 60 يوما غائبا وعاجزا عن ممارسة مهامه الرئاسية مهما حاول بعض البقية الباقية من أنصار النظام وضع تفسيرات واجتهادات في عدم انتفاء شرعيته.

ترى إلى متى سيصمد صالح هاربا عن مواجهة الحقيقة؟ وهاربا من لحظة المواجهة مع هذا الشعب؟ وإلى متى سيهرب من دماء الأبرياء؟.. مهما ماطل وماطل نظامه في سرقة الوقت من الشعب اليمني حتى لو كان الهروب إلى عام 2013م.

حينها سيكون الوضع محرجا ومخزيا في حق صالح ونظامه أكثر من ذي قبل.

اليوم الملايين من أبناء اليمن يرفعون أكفهم بالدعاء على الرئيس صالح الذي أحال حياتهم إلى جحيم وتوقف نبض الأمل في قلوبهم.

القاعدة هي خصم صالح وليس الشعب اليمني

لقد أثبتت الأيام والأحداث بعد حادثة الرئيس أن هناك توجها رسميا في استغلال ذلك الملف والتلاعب بنتائج التحقيقات في لي ذراع المعارضة والدفع بالثورة اليمنية إلى المربع ما قبل الأول وكأن شيئا لم يكن.

توجيهات صالح بالتكتم المطبق على نتائج التحقيقات التي تنفرد حاليا أسرته وبعض المسئولين اليمنيين بنتائجها. إضافة إلى إقصاء كلي لأي طرف معارض أو محايد أو عربي أو إقليمي في معرفة نتائج تلك التحقيقات, لا يمكن أن نعطي ثقة كاملة في نتائج التحقيقات خاصة ومن يقوم بالتحقيق حاليا كطرف أجنبي هو أحد الشركات الأمريكية المتخصصة في مثل هذه الحوادث.

تسريبات التحقيقات التي تتحدث عن ضلوع دولة عربية في حادثة اغتيال صالح يمكن الأخذ بها خاصة وأن هناك رعبا خليجيا من مسمى ثورة, وقلقا عاما يسيطر على كل زعماء الخليج من "تسونامي الثورات العربية", فما بالك أن تكون ثورة عربية في عمق الجزيرة العربية! فزعماء الخليج لا يرغبون في التعامل مع الربيع العربي على أساس ثورة وإنما في سياق أزمات سياسية؛ لأن كتم الثورة في اليمن يعد مكسبا عملاقا لدول الجوار بحد ذاته.

السجون الخاصة بالنظام في اليمن تعج حاليا بالمتهمين بمحاولة اغتيال صالح بأفراد تنظيم القاعدة وليس اللقاء المشترك, ولو امتلكت أسرة صالح مثقال ذرة من دليل على ضلوع المشترك أو أي أطراف في المعارضة اليمنية لكانوا أحرقوا الأرض ومن عليها في العاصمة صنعاء أو غيرها؛ لأنهم يملكون مبررات الإبادة, فهاهم اليوم يقتلون كل من يقول لا دون أي وازع أو رادع, فما بالك لو كانوا يملكون دليلًا في ضلوع أطراف أخرى.. فإن الواقع سيكون قطعة من جهنم.

التحقيقات تؤكد أن قتلة صالح هم رجال القاعدة التي اعترف النظام وفي مقدمته نجل شقيق صالح العميد يحيى محمد عبد الله صالح, لوسائل الإعلام الدولية, أن عملية النهدين يقف وراءها تنظيم القاعدة, لكن التكتم في إعلان نتائج التحقيقات يؤكد أن هناك محاولة في البحث عن أي خيوط مهما كانت وهمية لجر المعارضة في ذلك الجرم.

أنا في هذا السياق لا أدافع عن المشترك أو أي ضالع في تلك الجريمة, بل أطالب بإحالة أي طرف مهما كان ومن يكون إلى القضاء ليأخذ جزاءه العادل.

إن السعي إلى أن تكون هناك مقايضة بين جريمة جمعة الكرامة ومحرقة تعز مقابل جريمة النهدين محاولة لن يكتب لها النجاح مهما حاول النظام العبث بهذا الشعب في توجيه العقاب الجماعي له في مأكله ومشربه وفي يوميات حياته.

على الرئيس أن يكف عن الاستماع إلى النصائح التآمرية من بقية رموز نظامه, هذا إن كان يسمع, وعليه أن يعي إلى أين وصل, كما عليه أن يفكر في هذه اللحظة في ذاته الشخصية وكيف سيواجه هذا الشعب وبأي مقال سيكون الرد؟.

إن الشعب اليمني سيكون كريما في الرد؛ لأنه شعب جبل على العاطفة, لكن لن يكون ذاك إلا عندما يحس أن الرئيس صالح يشعر بأنين الجوعي وألم المقهورين في كل محافظات الجمهورية. على صالح أن يفكر بجد أن شخطة قلم منه على المبادرة الخليجية ستجعل منه زعيمًا جديدًا في قلوب اليمنيين رغم أن قلوبهم قد أحرقها طيلة ستة أشهر بالتعنت والجبروت في الأرض.