مليشيات الحوثي تختطف مواطناً من جنوب اليمن للضغط على شقيقه عاجل .. دعم سعودي لحكومة بن مبارك ووديعة بنكية جديدة كأس الخليج: تأهل عمان والكويت ومغادرة الإمارات وقطر دراسة حديثة تكشف لماذا تهاجم الإنفلونزا الرجال وتكون أقل حدة نحو النساء؟ تعرف على أبرز ثلاث مواجهات نارية في كرة القدم تختتم عام 2024 محمد صلاح يتصدر ترتيب هدافي الدوري الإنجليزي .. قائمة بأشهر هدافي الدوري الإنجليزي مقتل إعلامية لبنانية شهيرة قبيل طلاقها قرار بإقالة قائد المنطقة العسكرية الأولى بحضرموت.. من هو القائد الجديد؟ دولة عربية يختفي الدولار من أسواقها السوداء تركيا تكشف عن العدد المهول للطلاب السوريين الذين تخرجوا من الجامعات التركية
هذه هي الحلقة الخامسة من قراءة نقدية لقصيدة الأديب والشاعر والقاص والقيادي في الحزب الإشتراكي اليمني عيدروس نصر النقيب (يافع) – "فصل من كتاب الطُّهر" في رثاء الراحل عمر الجاوي –زعيم حزب التجمع الوحدوي اليمني ( حضرموت)..
القصيدة مرثية تقليدية كلاسيكية بوزن وقافية (قصيدة العمود)غير أنها قوية التجربة، صادقة الرثاء من وجهة نظري لسببين اثنين، الأول أن الشاعر منسجم مع نفسه وفكره ومبادئه التي آمن بها ولم يبع ولم يساوم بالرغم من أنه –حسب علمي المتواضع-ينتمي لعائلة فقيرة مالياً ولكن غنية بالفكر والإنسانية والصمود، ثانيا أن المرثي وهو الراحل عمر الجاوي كان أيضاَ صادقاً مع نفسه وفكره ولم يبع ولم يساوم ولم يسلم للإستبداد باسم الدين أو الحزب أو الوطن وجالد زبانية التسلط وفند أكاذيبهم بقوة وثبات وأنفة وعزة حتى رحل... أود أن أشبه عمر الجاوي بـ نعمان جمعة رئيس حزب الوفد المصري المعارض، زعيم صامد مقاوم للديكتاتورية والتوريث رغم الإعصار والحصار وفرض الإقامة الجبرية عليه...
وكان الجاوي مشهوراً بالسخرية السياسية والدعابة المنظمة الهادفة والنكات اللاذعة لتشريح خصومه الإصلاحيين تيار المتشددين باسم الدين، وتيار السلطة المتشددين باسم الوطن، في تلك الحقبة من نضال الراحل... وللجاوي ملاحظات قاسية على رفاق الحزب الإشتراكي اليمني في مناسبات مختلفة، وتنبأ الراحل عمرالجاوي أن حزب الإصلاح علماني بروجماتي نفعي مصلحي يكذب باسم الدين وعينه على السياسة النفعية ،قال هذا في حوار مع جريدة المستقلة اللندنية إبان قمة التشدد الديني للإصلاح ومهاجمته لليسار الإشتراكي اوائل التسعينيات الماضية...
أزعم أني أحاول أن أقول كلاماً في النقد مبرأًً من الميول الحزبية التي تناقض شروط العلمية والمنهجية والموضوعية والأكاديمية مؤكداً أنه ليس كل شاعرٍ رجلاً ولا (بني آدم) مهما طبل له إعلام المطبلين وحملة المباخر المأجورين أو المستأجرين،من كل أقلامٍ وأبواقٍ تحت الطلب .. كما قال الشاعر عبد الله البردوني في رائعته " من حماسيات أبي يعرب الغازاتي" :-
نشتري ألفَ كاتبٍ ** نكتري ألف حنجرة
ما رأيكم بشاعرٍ-مثلاُ- قالوا عنه "أنه كبير" وماهو بكبير سوى أنه ساكت عما يحدث للشعب من أذى وإفقار وتجويع وتنكيل،شاعر مداهن وديكور أخرس لم يكتب حتى هذه اللحظة ومنذ خلقه الله قصيدة واحدة من أجل الشعب، وأنا كفيلٌ بمناظرته علمياً وموضوعياً حسب مناهج النقد الأدبي وشروطه حول معنى كلمة (شاعر)..
الشاعر إنسان لا يرضى بالظلم وإلا لماذا قالوا أن الشاعر إنسان؟..ما ماهية إنسانيته؟ وبالمناسبة لا يوجد على الإطلاق في لغة العلم والنقد عبارة (شاعر كبير) هذا تعبير غير علمي ولا موضوعي بل يوجد نص جميل وعمل بديع..
إن تعبيرات وعبارات مثل "شاعر عملاق أو كبير أو جهبذ" كلام عاطفي إنشائي غير علمي ولا أساس له في النقد الموضوعي العلمي، والعلمي هو النص وكفى... يقول شاكوص دريدة --صاحب نظرية ما بعد الحداثة فيلسوف وناقد غربي : "لا شيئ خارج النص"..بمعنى أن أي كلام عاطفي إنشائي مجاملاتي شخصي يخرج عما هو مكتوب ومحدد في النص يفقد قيمته الأدبية وشرعيته العلمية وقيمته النقدية..
يعجز بذهول من يسمونه "شاعر كبير" أن يكتب قصيدة كقصيدة عبد الغني المقرمي (معارج الصعود) أو (عودة السندباد) أو كقصيدة عبد الفتاح سلطان (انكسارات الذات الحزينة)أو عمار الزريقي الشاعر الشاب الناشئ (شهرزاد) وهو أكثر عجزاً أن يكتب كقصيدة عبد الودود سيف (حين حطيت رحال عكازي في قرية النجيد)..هنا النص وهناك مدح وإنشاء ونفخ وتطبيل وتهريج وزفة ومباخر ومجامر ومزامير ودفوف لا أساس لها في العلم ولا النص محل النقد والدراسة..
قصيدة عيدروس نصر "فصل من كتاب الطهر" التحم فيها لأول مرة تقريباً في تاريخ الشعر اليمني المعاصر والجديد صدق ووفاء وصمود وبطولة وعظمة الشاعر(الراثي)مع عبقرية وعظمة وصمود وشهامة وإنسانية (المرثي).. أليست هذه أصدق تجربة شعرية لأصدق قصيدة وأجمل وأبدع نص شعري؟ أليست شروط النص متوفرة كلها وأن عناصر التجربة الشعرية مكتملة على أرض الواقع قبل الورق؟
قصيدة عيدروس قصة شهامة إنسانية واقعية سجلتْ نفسها قصيدةً يقرأها التاريخ......أوضحتُ فيما سبق أن عيدروس شاعرٌ مقلٌ ،ثم هو يميل الى كتابة القصة أكثر(راجعوا جريدة الثوري –الإشتراكي نت)، غير أن مرثيته التي بين أيدينا ربما تشبه مرثية الشاعر اليماني عبد يغوث الحارثي التي رثى فيها نفسه يوم أسره على أيدي بني عبد شمس ولم يكن قد كتب شعراً قبلها والتي مطلعها:-
ألا لا تلوماني كفى اللومُ مابيا *** فما لكما في اللومِ نفعٌ ولا ليا
الإشارة النقدية لهذه الحلقة إمتزاج شاعرين في النص بتجربة إنسانية منصهرة في روح شاعرية بل إنسانية مناضلة واحدة هما الشاعر(كاتب النص)من جهة، والشاعر الآخر لم يكتب النص كلمات على الورق وهو الجاوي، نص مسطور في الحياة السياسية والنضالية الخالدة، ولهذا فالنص –موضوع هذه القراءة-إنسانيٌ خالدٌ لأنه ببساطة يدور حول قضية النضال من أجل حياة إنسانية مثالية كريمة ،حياة مؤسسية ديموقراطية حقيقية حرة بلغة الإنسان الشاعر والسياسي الحبيب والقريب الى معنى الإنسان ..وأوضحت في مثال سايق لماذا يحفظ الناس قصيدة سيد قطب (لحن الخلود) أخي يامقيمٌ وراء السدود ولم يحفظوا لسواه،الشاعر الإنسان دائماً في صف الحياة وصف الجمال وصف الشعب حتى المشنقه ولهذا صارت نصوصهم خالدة..
قطوف من النص
وتطلع قبل الفجر تحشد نورهُ
تغرِّدُ جذلاناً وتعزف منشدا
وإنْ جاء سعدٌ لستَ تطلب حصَّةً
وإنْ كنتَ بين الناس أبهى وأسعدا
لأنكَ لا ترجو رصيداَ ومغنماً
ولا أنتَ من يسعى لكي يتسيَّدا
فإنْ كنتَ أوفى الناسِ قسطاً من الأذى
فإنكَ أعلاهمْ شموخاً وسؤددا
بكيتكَ حتى جرَّح الدمعُ مقلتي
ويبكي معي الأحبابُ والأهلُ والعدى
سيبكونَ دهراً في مساءٍ وبكرةٍ
وقد يذرفون الدَّمعّ سيلاً معربدا
وما كلُّ دمعٍ سال يكشف حسرةً
ولا كلُّ صوتٍ ضجَّ يحكي تنهُّدا
فقد يذرف التمساح دمعةَ نشوةٍ
وقد يطلق البوم الضجيج توعُّدا
وما أنا بالباكي عليك تصنُّعاً
فقد صرتّ عن زيف التصنع أبعدا
ولكنني أبكي مصاباً ألمّّ بي
ليحرمني كنزي ويسلبني اليدا
لقد كنت لي كنزاً وزاداً لرحلتي
ومخزن إصرارٍ وسيفاً مهندا
وأقوى من القهر احتجاجاً وحجةً
ومن صلف الأيام أقسى وأجلدا
وقد كنتَ أقوى من تسلُّط حاكمٍ
ومن عبث الأقدارِ أمضى تمرُّدا
لئن غبتَ عنَّا لست في الغيب مفرداً
وإن كنتَ بين الناس قد عشت مفردا
فمثلكَ لا يفنى وإن غابَ جسمهُ
ستبقى مدى الأجيال ذكراً مجدّدا
***
يتبع الحلقة القادمة
شاعر وناقد يمني
a.monim@gmail.com