بألف هجوم شهريًا.. العبوات الناسفة كابوس أمريكا بالعراق
بقلم/ براد نيكربوكر
نشر منذ: 17 سنة و 10 أشهر و 4 أيام
الخميس 04 يناير-كانون الثاني 2007 10:23 م

ترجمة: شيماء نعمان

مع ما أعلنته مؤخرًا الولايات المتحدة من أن قتلاها في العراق قد بلغ 3000 جنديًا، وهو العدد الذي يتنافى تمامًا مع الأرقام الحقيقية للخسائر الأمريكية- ألقى الصحفي الأمريكي "براد نيكربوكر" الضوء على الصلة بين وفيات الجنود وتصاعد عمليات زرع العبوات الناسفة، التي يلجأ إليها المقاومون العراقيون كوسيلة فعالة لاستهداف الأرتال والدوريات العسكرية الأمريكية، حيث أشار إلى أن أكثر من ثلث العدد المعلن للوفيات الأمريكية قد تسببت فيه العبوات الناسفة.

واستهل نيكربوكر مقاله الذي نشرته صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" الأمريكية بتصوير لقطة من حياة عريف أمريكي متقاعد ، فقد ساقه في العراق، يعتمد على ساقه البديلة ويأتي يوميًا إلى قاعدة "فورت ستيورات" بولاية جورجيا حيث يقول:

يأتي العريف المتقاعد "جويل جاكوبس"، بشكل يومي تقريبًا، إلى حقل "واريرز ووك" التابع للفرقة الثالثة مشاة بقاعدة "فورت ستيوارت" بجورجيا ، حيث يجد بين أشجار البراعم الحمراء الشرقية – التي ترمز كل واحدة فيها إلى جندي بالفرقة التي لقي منها 300 جندي مصرعهم في العراق- فرصته لإحياء ذكرى زملائه.

ومع العام الجديد، وبلوغ أعداد المجندين والمجندات الأمريكيين الذين قتلوا بالعراق إلى 3000، يرى نيكربوكر أن الأمة بأسرها لديها المناسبة للتوقف والتأمل في ضريبة الحرب.

وكمثل الكثيرين يتلقى جاكوبس أنباء الخسائر الأمريكية في العراق بحزن وأسى ولكن بإصرار في نفس الوقت. وكان قد تقاعد من الجيش منذ شهور قليلة، بعد أن شارك في مهام في هايتي والبوسنة وأفغانستان والعراق.

وينتقل صحفي "كريستيان ساينس مونيتور" للتعليق على معدلات الوفيات بين الجنود الأمريكيين التي يُرجع غالبيتها لتفجيرات العبوات الناسفة، حيث يعتقد أن:

أغلب الثلاثة آلاف جندي الذين فقدهم الجيش بالعراق بحلول منتصف نهار يوم الأحد الماضي، قد قتلوا بالقنابل التي تزرع على جوانب الطرق والتي يطلق عليها "العبوات الناسفة" أكثر من كونهم قتلوا عن طريق أية وسائل أخرى من طلقات نارية أو هجمات بالهاون أو انفجار سيارات مفخخة.

إنها خطر أنهك مخططي الحرب بوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) لشهور، وقد حاولوا التصدي له بتخصيص مجموعة عمل رفيعة المستوى يترأسها جنرال متقاعد بأربع نجوم، ومبلغ 6.7 مليار دولار لإجراء الأبحاث، إضافة إلى توفير معدات ومركبات حديثة عالية التقنية و- ربما الأهم- الاعتماد على جهود استخباراتية لاختراق المقاومة العراقية المعقدة، بالرغم من اعتمادها على تقنيات منخفضة.

ويؤكد نيكربوكر إن الخطر يتزايد بالرغم من الجهود المبذولة للتصدي له، في إشارة إلى الخطر الذي تمثله العبوات الناسفة للجنود الأمريكيين .

وكان الجنرال "جون أبي زيد"، قائد القوات الأمريكية بالشرق الأوسط، قد أخبر لجنة الخدمات المسلحة بمجلس الشيوخ الأمريكي في مارس الماضي إن العبوات الناسفة هي "أكثر أسلحة العدو فاعلية"، مضيفًا: "إنها السلاح النموذجي غير التقليدي، فهو رخيص وفعال ومجهول الهوية".

وقد تصاعدت في الوقت الراهن الهجمات التي تستهدف القوات الأمريكية بعبوات ناسفة وصلت إلى أكثر من 1000 هجمة شهرية، وهو معدل يعادل أربعة أضعاف المعدل الذي كانت عليه تلك الهجمات عام 2004. فالمقاومين العراقيين أصبحوا أكثر تعقيدًا في تصنيعهم للقنابل وأماكن زرعها ووسائل تفجيرها.

وكان موقع DefenseNews.com قد أفاد في تقرير له أن الجيش البريطاني يعتقد أن هناك مخزون كافٍ من المتفجرات غير الشرعية لدى العراقيين يمكنه مواصلة نفس معدل الهجمات لسنوات دون إمدادات جديدة.

ومنذ بداية حرب العراق في مارس عام 2003، فإن العبوات الناسفة يُلقى عليها اللوم في 45% من الوفيات الأمريكية الناجمة عن أسباب عدائية، وهو المعدل الآخذ في التصاعد. حيث من بين 100 جندي أمريكي سقطوا مؤخرًا بالعراق، قتل 67 منهم في انفجار عبوات ناسفة.

وقد شهد شهر ديسمبر الفائت أعلى معدلات الوفيات في صفوف الجيش الأمريكي بالعراق منذ عامين.

ويقول المحلل العسكري "لورين تومسون" من معهد ليكسينجتون للبحوث إن "المتفجرات المدفونة من السهل زرعها ولكن من الصعب العثور عليها"، مضيفًا: "فمن الممكن زرعها وتفجيرها عن طريق وسائل متوافرة بسهولة، الأمر الذي يجعلها وسيلة جذابة".

وقد اتسعت أزمة العبوات الناسفة التي تواجهها قوات الاحتلال لتتخطى العراق . ففي أفغانستان تضاعفت الهجمات التفجيرية التي تُستخدم فيها العبوات الناسفة عما كانت عليه عام 2005. إنها كما أطلق عليها نائب رئيس هيئة الأركان الأمريكية الجنرال "ريتشارد كودي": "صواريخ كروز الرجل الفقير".

ولا تُعد العبوات الناسفة ظاهرة جديدة على الحروب، فقد واجه العريف جاكوبس إحداها في الصومال عام 1993، إلا أن المعدل الذي تُستخدم به في العراق فريد من نوعه وغير مسبوق.

من جانبه، قال "جون بايك"، مدير موقع "جلوبال سيكيوريتي" المختص بالسياسة والأخبار العسكرية، إنه: "من زاوية أخرى، فإن أزمة العبوات الناسفة جاءت نتيجة للصعوبة التي يواجهها العدو في مهاجمة القوات الأمريكية بوسائل أخرى".

ويشير المقال إلى أن الجيش الأمريكي في طريقه حاليًا لدفعة جديدة من شأنها التصدي للقنابل المزروعة على جوانب الطرق، حيث أنفق أكثر من 3 مليار دولار في ذلك الاتجاه هذا العام.

وسوف تتضمن الجهود الجديدة طرقًا حديثة للتشويش على أدوات التفجير التي تعمل عن بعد، وروبوتات لوقف عمل العبوات الناسفة أو تفجيرها دون تعرض أي شخص للإصابة، إلا أن تشويش تردد موجات الراديو به صعوبة، نظرًا لإمكانية أن يتداخل مع نظم الاتصالات الخاصة بقوات "التحالف" مثل تلك الترددات المستخدمة في تشغيل الطائرات بدون طيار. كما أن الجنود يجب أن يعثروا أولاً على العبوة الناسفة قبل أن يتمكنوا من إيقافها أو تدميرها.

ومن وجهة نظر رجل المشاة، فإن أهم الأشياء التي يجب أن تصل إلى القوات هي الزي المقاوم للاحتراق، والدروع الأكثر ثقلاً، وآليات أكثر قوة لتحل محل عربات الهمفي التي يسهل إعطابها. 

وكان العديد من الجنود وعائلاتهم قد كتبوا خطابات حماسية بشأن المركبات الجديدة من طرار "كوجار" و"بافلو". وكتب الرقيب "جيه. أدام بيرك"، تقني إبطال متفجرات بسلاح الجو، لشركة "فورس بروتيكشن انكوربوريشان" التي تنتج المركبات: "لقد رأيت هذه الأشياء تضربها عبوة ناسفة بينما تواصل سيرها دون أن تقابلها مشكلة".

إلا أن 300 آلية فقط من ذلك النوع هي المتاحة حتى الآن في منطقة القتال، بينما تحتاج القوات على الأرض لآلاف الآليات.

ويعتمد كذلك المعنيون بمكافحة العبوات الناسفة على الخبرات التي تتوافر لدى الجنود المصابين الذين نجوا من انفجار عبوات ناسفة.

وكان نحو 22 جنديًا بمركز ولتر ريد الطبي العسكري قد انضموا لبرنامج "" Operation Warfighter للعمل بالتعاون مع مسئولين عسكريين ومدنيين في محاولات لتقليص تهديد العبوات الناسفة.

ويتحدث الصحفي نيكربوكر عن أعداد المصابين الأمريكيين في العراق حيث يقول:

وإلى جانب الوفيات في صفوف الجيش الأمريكي في العراق التي وصلت إلى 3000 جندي (وربما أكثر من ذلك إذا ما تم تضمين المصابين الذين ماتوا بعد فترة من نقلهم من أرض القتال)، فإن عدد القوات المصابة نتيجة لأعمال عدائية يقترب حاليًا من 23.000 جندي، إصابات نصفهم تقريبًا ناجمة عن انفجار عبوات ناسفة. إضافة إلى ذلك، فإن نحو 24.000 قد لزم إجلائهم نظرًا لتعرضهم لحوادث أو أمراض.

ويرى الكاتب أنه دون تحسين استعدادات الحماية الخاصة بالجنود، وتوفير المساعدة الطبية في ساحة المعركة، والنقل السريع للمستشفيات الميدانية، فإن أعداد القوات الأمريكية التي قتلت بالعراق كان من المحتمل أن تصل لأكثر من ضعف العدد الحالي.

وتُعد تلك التقييمات، التي يمكن أن يُنظر إليها كعدد منخفض نسبيًا في الخسائر البشرية الناجمة عن أفعال عدائية، محبطة في حد ذاتها. كما أنها تعني، وفقًا لما أعلنه مكتب المحاسبة الحكومي هذا العام، أن العديد من الجنود "يعودون إلى الوطن بعجز قاسٍ، من بينها الإصابات الدماغية، وفقدان الأطراف".

ويوضح صحفي "كريستيات ساينس مونيتور" أن القوات الأمريكية قد تغري أحيانًا الأطفال العراقيين بالألعاب والحلوى ليدلوهم إذا ما اكتشفوا مكان اختباء عبوة ناسفة حيث يقول إن:

مجموعة من الأطفال العراقيين كانوا يلعبون خارج بوابة قاعدة العمليات المتقدمة ماريز أخبروا جنودًا من الكتيبة الثانية بفوج الفرسان السابع عن وجود جسم مريب، تم اكتشاف أنه عبوة ناسفة، وتمكن فريق لإبطال المتفجرات من تدميرها.

وقد كافأ جنود الشئون المدنية الأطفال بالألعاب والحلوى وكرات القدم.

إلا أنه في النهاية، فمن المحتمل أن يصبح ذلك النوع من المعلومات الاستخباراتية التي يتم الحصول عليها من قبل العراقيين أنفسهم أهم سلاح في مواجهة العبوات الناسفة الفتاكة، على حد ما أورد نيكربوكر في مقاله.

وتستعد حاليًا الفرقة الثالثة للمشاة بالجيش للانتشار في العراق للمرة الثالثة، حيث من المقرر أن يتوجهوا إلى محافظة الأنبار- أحد أخطر المناطق التي تنشط بها المقاومة السنية- في غضون أسبوعين.

ويختتم الصحفي الأمريكي تقريره بمشهد الأشجار التذكارية بقاعدة "فورت ستيوارت":

حيث تلمع الأضواء ليلاً على كل منها، بينما هناك أمنية ألا يتم زراعة المزيد من تلك الأشجار. ويقول جاكوبس: "إنها أسلوب طيب للتذكر، ولكنه كذلك تذكرة قاسية في بعض الأحيان".

 (*)صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور " الأمريكية ـ 2 يناير 2007.

* مفكرة الإسلام