بعد دعوة ترامب لاستقبالهم...الرئيس المصري يكشف عن موقفه من تهجير الفلسطينيين الى مصر بعد وصول ترامب للرئاسة.. مجلس الشيوخ الأمريكي يعرقل مشروع قانون لمعاقبة المحكمة الجنائية الدولية الجيش السوداني يقترب من القصر الرئاسي وسط انسحابات مستمرة لقوات الدعـ ـم السريع مقـ ـتل أشهر القادة الميدانيين التابعين لقوات الدعم السريع محافظة أبين كيف تحولت الى مسرح للصراعات ودومات العنف .. تقرير ميداني يجيب على التساؤلات افتتاح مركز رعاية وتأهيل للأيتام بمأرب بتمويل كويتي تعديل جديد في توقيت ''ساعة يوم القيامة'' 13 ألف جريمة تم ضبطها: الداخلية اليمنية تستعرض إنجازاتها خلال 2024 تحطم مقاتلة أمريكية "إف 35" في ألاسكا ونجاة الطيار (صورة) السعودية تسمح للأجانب في الإستثمار بمكة والمدينة
بدا من كلامه أنه يتحدث مع فتاة أجنبية، اعتذر لأجلي، وسيعاود الاتصال بها لاحقاً، قال لي هذه فتاة هندية، سنتزوج قريباً، سائق التكسي الذي أوصلني إلى صحيفة "الشارع" أمس، شاب يمني ما بين 35-38 سنة، تقريباً، وسيم ووقور وجاد، كما تقول ملامحه، لم يكن سيتزوج بهذه الهندية إلا لأن زوجته متعبة... والغصة تكاد تذبح روحي...
أثناء المواجهات بين الأمن وآل الأحمر، في الحصبة، جاءت قذيفةٌ على الشقة التي يسكنها هو وعائلته (زوجته وثلاثة أطفال)، واشتعلت النار في البيت، تحت أضواء الجسر، ألمح آثار الحريق بادية على يده اليمنى، كان يحاول إنقاذ زوجته، لقد كانت أكبر المتضررين، هو الآن يعمل في التكسي ليقاضي الديون التي تراكمت عليه بينما هو يدور في المستشفيات وأروقة الحاجة والعوز ليعالج زوجته... ذلك قبل أن يدله أحدهم على إحدى المنظمات (أظن منظمة أطباء بلا حدود) لتتكفل هذه المنظمة بأخذ زوجته إلى الأردن حيث ما زالت هناك تتلقى العلاج حتى الآن.
بدا حزيناً وقوياً في الوقت نفسه، قال أنه سيتزوج الفتاة الهندية التي تعمل موظفة في إحدى المستشفيات اليمنية، وأنه يأمل أن ترعى أطفاله في غياب أمهم، لقد وعدته واتفقا على ذلك، سوف تُسْلِمُ وستتخلى عن أهلها لأنهم سيتخلون عنها بمجرد زواجها منه وإسلامها، (هم أبنائي سأرعاهم) هكذا قالت عن أولاده، هي طيبة وتحبه، كنت سأقول له في بداية حديثنا (أنت لستَ وفياً لماذا تتزوج لمجرد أن زوجتك متعبة؟؟) لكنه استبق سؤالي له بالحديث عن زوجته المتعبة وعن كون الزوجة الجديدة سترعى الأطفال، الطبيب أخبره أن زوجته تحتاج لأكثر من ثلاث سنوات حتى تتعافى نسبياً بما يمكنها من العناية بنفسها وأطفالها، تبادلنا أرقام الهواتف، أخبرته أنني صحفي، وقد أحتاجه، كانت الأسئلة تزدحم في رأسي وكنا قد اقتربنا من المكان الذي أقصده، مد يده إلى درج السيارة، وأخرج صورةً...
امرأة عمرها قد لا يتجاوز الثلاثين، الصورة تظهر الجزء العلوي من جسدها (الوجه وأعلى الصدر) آثار أقدام النار واضحة كالألم، لم تبقِ النار في جسدها سوى بعضٍ من خطوط الجمال والأمومة التي ما زالت صامدةً على وجهها... ما الذي يمكنني فعله؟! تراكمات يضيق بها صدر العالم، متى سيصبح للإنسان قيمة في بلادنا؟ لدينا مشكلة في وعينا، لدينا خلل في مبادئنا وقيمنا الإنسانية حتى لتكاد تكون ثقافةً مريضةً... ربما من الصعب أن نتعافى منها...
نزلت من التاكسي، وفي ذهني ليالي الرعب التي كنا نعيشها أثناء مرورنا عائدين من صحيفة الثورة، الحجارة التي حفر فيها الرصاص، النوافذ والأبواب المخلعة، المنازل التي كانت دافئةً بالحب والصغار، ظلت تنبعث منها روائح الجثث لأيام، الحي الذي كان غارقاً في نهارات أطفاله يلعبون الكرة في الأزقة، تحول إلى مدينة أشباح وأكياس من الطين، المنازل المحظوظة تحول أهلها إلى مشردين، البعض باعوا منازلهم، الأهالي وسكان الحارة يتحدثون عن صفقات كان يعقدها آل الأحمر لشراء المنازل مستغلين حاجة الأهالي وحنقهم على العالم واضطرارهم للهرب من "الحصبة" إلى أماكن بلا رصاص ولا صواريخ "لو"... الحصبة الحي الذي ارتفعت فيه المتارس وأكياس الطين، وسقط فيه الإنسان. الحي الذي ظلت صورتا علي عبدالله صالح وعبدالله الأحمر معلقتين فيه، بينما وقع الإنسان اليمني على الأرض وتهشم رأس الطفل الذي خرج يبحث عن مخبزٍ وقبل أن يقطع الشارع قطعت جسده قذيفةٌ بحجم "الروتي"، أو ربما صاروخ "لو"...
سائق التكسي الذي لم يخبرني باسمه ولم أسأله، قال أنه كان يبحث عن مساعدةٍ علاجيةٍ من الدولة لكن المعاملة لم "تخرج إلى طريق"، مجرد أوراق فيها توقيعات هذه حصيلة دوران طويل في المكاتب والمؤسسات الحكومية هو أشبه بالدوار، حكومتنا بلا ضمير أصلاً، كما أنها لا تفعل شيئاً من ذاتها، لذا سيظل سؤال الحصبة اختباراً حقيقياً أمام صحافتنا، وضمائر أقلامها، ثمة حياة في الحصبة اختفت، ثمة أناس جرفتهم "الكارثة"، وما زالت قصصهم مجهولة، الحصبة جرح كبير، ما زال بحاجة إلى من يلتقط صورةً له ويعرضها، لعلّ ثمة طبيب... بل يجب أن يكون هناك...