روسيا تستعرض قوتها بـ 20 ألف جندي و300 سفينة و50 طائرة
وعد بعلاقات أقوى من السابق.. تفاصيل أول لقاء جمع رئيس إيران الجديد مع الحوثيين وهذا ما اعترف به
الشرعية تكشف ما سكت عنه الحوثيين بشأن العدوان الغاشم على ميناء الحديدة وكيف كانت ردة فعل عبدالملك الحوثي
ترامب يخرج عن صمتة و يكشف تفاصيل الانقلاب على بايدن
الكشف عن 36 أسيرا من غزة قتلوا في سجن سيدي تيمان في صحراء التقب
بدء تقديم ملفات الترشح لرئاسة تونس.. فما أبرز الأسماء ؟
مبابي يستعين بشخصية عربية في صفقته التاريخية
الكشف عن حزم مساعدات أمريكية ألمانية ضخمة لأوكرانيا
عاجل..وزير الدفاع الإسرائيلي يتحدث عن حدث خطير يضرب الكيان الصهيوني داعيا الشرطة للتحرك بشكل فوري
تفاصيل لقاء طارق صالح مع قائد القوات المشتركة للتحالف العربي
المعارك المحتدمة في اليمن تزداد ضراوة، وتتمدد في كامل الأقاليم الجغرافية اليمنية، وبتركيز أكبر على المحافظات الشمالية، وفي مقدمتها صنعاء، والشاهد على ذلك النزوح الكبير من العاصمة باتجاه القرى والنواحي والبلدات المعلقة في قمم الجبال، وتلك المتوارية في أخاديدها وانبساطاتها في الوديان التاريخية الحضارية الممتدة من مأرب وحتى المهرة، مروراً بأبين وحضرموت.
تزداد المعارك ضراوة عند تخوم صنعاء، وفي الساحل الغربي المتاخم لمدينة الحديدة، وعلى مشارف تعز، وفي كامل الامتدادات الجغرافية القلقة للساحل الغربي، حيث يتحرك الجيش الوطني مدعوماً بفيالق المقاومة الجنوبية، وطيران التحالف العربي، لتعظيم الميزات النسبية التي تلت سقوط معسكر خالد بن الوليد، وبعض مديريات محافظة الحديدة؛ وبالمقابل يستميت الحوثيون في إثبات وجود ميداني يتمثَّل في رشقات صواريخ الكاتيوشا، والهجمات المضادة المشابهة لتلك المشهودة في عديد الجبهات الأخرى الساخنة.
بالترافق مع هذه الحالة الميدانية التي مزاجها الدماء والدموع، يقوم الحوثيون باستخدام الأطفال القصر، ورميهم في محرقة الموت المجاني، بالترافق مع أكثر أساليب الترهيب ضد الأهالي، الأمر الذي يمكن التدليل عليه من خلال الوجوم الحزين لمئات آلاف المواطنين المرهونين للحوثيين في مناطق سيطرتهم، بل وسعي الجميع للهروب من تلك المناطق، والعودة إلى مربعات القرية والقبيلة، حتى إن المراقبين الأنتروبولوجيين يلاحظون الآن كيف تتفكك صنعاء المدينة الحاضنة لكامل الأنساق الثقافية والاجتماعية اليمنية، كيما يرتدَّ سكانها إلى مرابع خيامهم القبلية القروية، بحثاً عن الأمان والسلام.
إذا نجح الحوثيون في تهجير سكان صنعاء إلى قراهم ومناطق لجوئهم الجديد، فإنهم بذلك سيعيدون اليمن إلى أسوأ مرابع البؤس القبائلي الطائفي البغيض، وسيستلبون من اليمانيين أحلامهم المتواضعة في أن يكونوا داخل العصر وضمن نواميسه، وسينجحون في تجريف العصرنة والتمدُّن والهوية الوطنية الجامعة لأهل اليمن، وبالمقابل ستنتشر هذه الحُمَّى المناطقية المدمرة، لتزول المدن المختلطة التي طالما تفاخرنا بها، ولتحل محلها أنساق قبائلية عصبوية تعيد اليمن إلى ماضٍ سحيق.
الدائرة في اليمن ليست مختصرة في مقارعة السلاح ونزف الدماء وتجفيف منابع الحياة، فحسب، بل إنها تباشر تمزيقاً منهجياً لتلك الكيانية التاريخية التي كانت رافعتها الكبرى الوسطية والتعايش، ومؤشراتها الأجدٌّ تكريس الهوية اليمانية في إطار مشروع اتحادي متعدد الأقاليم، ودولة جديدة تغادر سيئات الماضي، وتفتح الباب لتعظيم الميزات التنموية، وتعتبر المواطنة والمشاركة قدس الأقداس في معادلة تدوير الحياة المادية والروحية.
الحوثيون ليسوا مؤهلين لاستيعاب هذه الحقائق الموضوعية القاهرة لمنطقهم الضيق، واستيهاماتهم في استرجاع نظام الأئمة في أسوأ حضوراته التاريخية، وتماهيهم السلبي مع مشروع «دولة ولاية الفقيه» العابرة للجغرافيا والتاريخ، ولم نجد فيهم حتى اللحظة عقلاً نيراً قابلاً للحوار والتعاطي المنطقي مع استحقاقات الجغرافيا والتاريخ، بل جماعات ميليشياوية، تطلق يد العنان للدهماء من العوام، وتتأسَّى بالناعقين الصارخين الديماغوجيين، مع إمعان في المخاتلة والتدجيل، في المناورات الكلامية البيزنطية التي لا تسمن ولا تغني من الفقر المفاهيمي السائد.
بهذا القدر من العنجهية العصبوية النابعة من الأوهام والتأبِّي على الحقائق، والخضوع الاختياري لمشروع الإمامة الجديدة، يضع الحوثيون أنفسهم في مواجهة شاملة مع الذاكرة الجمعية لليمانيين والعرب، كما سيجرون وراء عربتهم الكسيحة مئات آلاف البسطاء المغلوبين على أمرهم.. مرةً بالإرهاب المقطَّر، وأُخرى بالأدْلجة بخطاب الماضي البغيض.
وإذا استمر الحال على ما هو عليه، ولم يرعو الحوثيون وناصحوهم الميامين، وهذا أمر أتمناه شخصياً، في هذه الحالة ستصبح العملية الجراحية الكبرى في صنعاء وتعز والحديدة خياراً قاهراً لا مفر منه، لأنه سيكون بمثابة خيار الانعطافة الحادة لتجاوز الموت السريري الذي قد يمتدُّ لسنوات قادمة.
* نقلا عن ونقلت صحيفةالخليج