دعوة لإعادة النظر في تكوينات مجلس القضاء الأعلى
بقلم/ د.خالد عبدالله علي الجمرة
نشر منذ: 16 سنة و 10 أشهر و 18 يوماً
الإثنين 17 ديسمبر-كانون الأول 2007 04:48 م

مأرب برس - خاص

مازال مجلس القضاء الأعلى رغم شبه انتظام اجتماعاته غير قادر على ملامسة الوضع الحقيقي في المحاكم والنيابات بشكل مطلق، ويعود جزء من سبب ذلك إلى أن أهم هيئات السلطة القضائية بعيدة كل البعد عن الوضع الصحيح الذي يجب أن تكون عليه، حيث يلاحظ تواضع مستوى الأداء الوظيفي للأمانة العامة لمجلس القضاء الأعلى ويظهر هذا واضحاً في عدم استغراق مكونات المجلس الإدارية لاختصاصاتها كاملة، مثل الإدارة العامة لشؤون أعضاء السلطة القضائية، وإدارة الرقابة، وكذا إدارة السكرتارية، بل وحتى الإدارة العامة لمكتب الأمين العام والذي يفترض أن تكن في طليعة العمل الإداري النشط تكتفي حالياً بالقيام بأعمال هامشية أهمها تصيد الأخطاء الإملائية في مخاطبات تكوينات الأمانة العامة الأخرى، كما يلاحظ عدم اكتمال بناء التكوينات الإدارية الدنيا للمجلس مثل تكوينات سكرتارية المجلس، والعلاقات العامة، والشؤون القانونية، وكذا إدارة البيانات وهي التي يعهد إليها بدور كبير في جمع بيانات أعضاء السلطة القضائية واستثمارها حال صدور مقررات المجلس لاسيما تلك المتعلقة منها بنقل، وندب، وتعيين القضاة وأعضاء النيابة العامة، وكذا رفع الحصانة القضائية عنهم وإحالتهم لمجلس المحاسبة، وتفريغ القرارات التأديبية لمجلس المحاسبة وفق التقدير الذي يصل أليه أعضاء المجلس، هذا طبعاً مع عدم إغفال الدور الرسمي والرئيس لهيئة التفتيش القضائي في هذا الجانب والذي لا يجب أن يستغنى عنه باعتباره مالك الحجة، ومصدرها قانوناً.

إن الحراك الذي نتمناه أن يحدث في مجلس القضاء الأعلى وقود حجته تقوم على أنه جزء مشغل ومهم للإصلاحات القضائية المطلوبة من مجلس القضاء الأعلى، خاصة وأن الصلاحيات الرئاسية قد منحت للمجلس الحالي بكرم غير مسبوق. لذلك يجب الإسراع في استغلال هذه الصلاحيات قبل أن تأفل وهو أمر متوقع باعتبار أن هذه الصلاحيات قائمة أساساً على الثقة بأشخاص معينين في المجلس الحالي ابتداءاً برئيسه، ومروراً بوزير العدل والنائب العام وثلاثتهم يمثلون ترويكا المجلس(مجلس مصغّر+مجلس الهيئات القضائية-افتراضاً-) وعليهم يقع الثقل الكبير من مسؤولية الإصلاحات القضائية المنتظرة.

إن أهم إصلاحات يجب على هؤلاء السعي إليها هي إصلاح الجهاز الإداري لمجلس القضاء الأعلى، ومن ثم السماح له بممارسة اختصاصاته الكاملة والتي يجب أن يكون منطلقها مبدأ دستوري هو استقلال السلطة القضائية إدارة وحكما، وهذا لا يمكن أن يتم إلا برفد تكوينات المجلس بشخصيات إدارية مجربة وقوية بعيداً عن فوضى الفراغ التي تعيشها أمانته العامة حالياً، إذ أن اختيار الكوادر الإدارية المقتدرة لتحريك مياه المجلس الراكدة لهو أمر يجب أن يحدث وفق شراكة في المسؤولية تتحملها ترويكا المجلس السابق بيانها، ولا يستحسن تركها حبيسة تقديرات تنظيرية خاطئة اثبتت الفترة السابقة بكل تجاربها الحزينة عجزها عن ذلك، وقد شعر بها مراقبين وكانت محل تعجب وتندر للكثير ظهرت بشكل أوسع عند الاطلاع على الإعلان المفاجئ الذي تبنته أمانة المجلس المنشور في صحيفة الثورة والذي تضمن فتح باب المسابقة للالتحاق بوظائف مفصلية بالمجلس تتطلب في أصل طبيعتها لخبرة سابقة، ومعرفة حقيقية بوضع السلطة القضائية وتفريدات موازنتها واقعياً، ونظرياً، فلا يمكن لموظفين جدد في وظائف رقابية مالية، ومراجعة حسابية، وإحصائية تحليلية، معرفة وإدراك الطبيعة الحقيقية لعمل ووظيفة هيئات السلطة القضائية فور الالتحاق بالعمل في المجلس، إذ أن الأصل في هذا الجانب هو الاستعانة بكوادر ذات اعتبار وظيفي ثقيل بالتجربة والخبرة وهؤلاء تمتلئ بهم أروقة وزارة العدل، والنيابة العامة، فهم أجدى من موظفين جدد يحتاجون فترة طويلة لمعرفة مفردات العمل القضائي إضافة إلى تأهيل وإعداد مكثفين....

ثم لا يعقل أن يكون مثلاً مركز المعلومات المتطور بوزارة العدل خالياً هو كذلك من كفاءات فنية في بناء برامج الحاسوب وشبكاته، وهو الذي قد اكتسب النضج في وظيفته وموظفيه نتيجة المدة الطائلة التي قد قضاها منئذ تأسيسه وحتى الآن، وقد شهد له في ذلك عدد من الأعمال الفنية القيمة التي قام بها مثل اعداد موسوعة القوانين بإصداراته المتتالية، وربط بعض المحاكم النوعية والمتخصصة بشبكة داخلية موحدة، وكذا إقامة الدورات التدريبية الواسعة والمكثفة في احترافية استخدام الحاسوب الآلي التي استفاد منها الكثير من منتسبي السلطة القضائية وفي مقدمتهم أمين عام المجلس والذي يفترض أن يكون لديه إدراك كامل من أن الاعتماد على موظفي جدد عديمي الخبرة في وظائف هامة في المجلس مثل مراجعة الحسابات، وإعداد مشروع الموازنة، وإنشاء وحدة الكترونية لبيانات القضاة وأعمالهم قابلة للارتباط بشبكات الكترونية أخرى متوقعة، قد يؤخر الخطوات الإدارية التي يجب أن يقوم بها لأجل تمكين المجلس من القيام بأعماله بالشكل اللازم والذي يجب أن تكون عليه وفق حالته الطبيعية فحسب!!! حتى أن البعض رأى في هذا الإعلان من زاوية أنه تعمد مقصود لأجل إحراج قيادة المحكمة العليا، ووزارة العدل، والنيابة العامة، باعتبار أنها تمثل الأبواب الواسعة للتوظيف في السلطة القضائية والالتحاق بها، لاسيما وأنه قد جرت عملية توظيف سابقة في المجلس اقتصرت على عناصر مخصوصة ومعينة بعيدة عن مسرحية هذا الإعلان!!!.....

إن المهمة الملقاة على عاتق مجلس القضاء الأعلى في هذه المرحلة كبيرة جداً فإصلاح القضاء أولاً، وتطويره فيما بعد، متطلبات شاقة في مشوار طويل يحتاج لتكاتف الجميع بعيداً عن الحسابات والأمزجة الشخصية، لاسيما وأن جماعية العمل هي السمة التي كانت قد بدأت تظهر كمؤشر واضح لأسلوب عمل مجلس القضاء الأعلى وتحديد مسؤولياته، وهو أسلوب له حسنات كثيرة لكن له بالمقابل نقاط ضعف واضحة أدركتها بعض القيادات القضائية مؤخراً أهما البطئ الشديد في الحركة مما يعني استغراق وقت، وجهد، ومال، وبيروقراطية فنية أكثر تعقيداً مما يجب لأجل الدفع بمسيرة الإصلاحات القضائية وفق السياسات المرسومة التي يضعها المجلس ضمن خطوات منتظمة، وهي خطوات لم تقطع أمتار ولو قليلة حتى الآن في سبيل الدفع بالقضاء إلى الأمام، مع إنه لا يمكن تجاهل الخطوات الناجحة التي تمت مثلاُ في النيابة العامة في مجال المشاريع، وكذا تلك التي تمت في وزارة العدل في مايتعلق بإعادة هيكلتها، والاستفادة من كوادر اثبتت نجاح ملموس في تنظيم وترسيخ عملها الداخلي، كما لا يمكن تجاهل ماحدث من إصلاحات هيكلية، وتنظيمية، وقضائية في المحكمة العليا، إلا أنها رغم ذلك ليست بحجم التطلعات، ولا تتوازن مع الأدوات المتعددة والهائلة التي تمتلكها هيئات السلطة القضائية.

 ولذلك ولأجل على الأقل الاحتفاظ بتوزيع عادل للإصلاحات القضائية بين جميع أجهزة السلطة القضائية، فإنه يجب على ترويكا المجلس الالتفات بجديه إلى الحالة غير المطمئنة للعمل الإداري بالمجلس، ودعمها بالقرار والرأي اللازمين لسد الاختلالات الواضحة لسير عمل المجلس فيما يتعلق بتكويناته الإدارية، والتي لم تنشط حتى الآن للآسف الشديد كما سبق بيانه، رغم مرور عام ونيف تقريباً على إصدار لائحته التنظيمية بقرار رئيس الجمهورية.... وهذا يجب أن يتم من مقوم أن نجاح مجلس القضاء الأعلى أو فشله لاقدر الله هو من مسؤولية الجميع، كما أنه يظل حجر الزاوية في شرعنة أي تصرف، أو إجراء غرضه الإصلاح في القضاء.. إذ لا يجب أن يكون فقط مجلس لتصريف الأعمال أو منح امتيازات فحسب، وربما أن الحديث حول الدور القانوني لمجلس القضاء الأعلى قد يكون مثرياً أكثر، ومفيداً بشكل أغزر، لذلك سيكون دور مجلس القضاء الأعلى واختصاصاته قانوناً خاصة تلك المحددة في المواد(8، 11، 16، 34، 39،45،66،87،90، 91، وأهمها المادة109) من قانون السلطة القضائية النافذ هي محل الكتابة القادمة مع مقارنة مفصلة بين ما هو منصوص وماهو واقعً والله من وراء القصد...،،،

khaledalj@hotmail.com