ملوك سبأ
بقلم/ عارف علي العمري
نشر منذ: 8 سنوات و 6 أشهر و 11 يوماً
الأحد 24 إبريل-نيسان 2016 09:16 ص
الحديث عن ملوك سبأ وارض بلقيس حديث ذو شجون يتشعب الحديث عن تلك الملوك التي تضرب بتاريخها في اشعاب الزمن ، ويتوارث ابنائها قيم الشجاعة وابجديات الكرامة، ويتحدون الطبيعة فيطوعونها لارادتهم ويحولونها الي جنان من النعيم يتفيأ المسافر ظلالها ويقطف المقيم ثمارها.
طيلة نصف قرن ظلت بلاد سبأ ومهد الحضارة مسلوبة من كل ابجديات الحياة المدنية بفعل سياسات النظم المتعاقبة في حقبتي الملكية والجمهورية الا ان تلك النظم الحاكمة لم تستطيع ان تسلب مأرب وملوكها ارادتهم القوية وروحهم المتحررة من قيود العبودية وبراثن التبعية والخنوع ، فظلت مارب وابنائها رافعي الرؤس أمام بطش القوة، يعانقون السماء عزة وانفه، ويطاولون بهاماتهم الثريا صمودا وتضحية وفدا.
وبمجرد وقفه سريعة علي تاريخ بعض ابنائها الذين كان قدرهم ان يعاصروا نظم الكهنوت وادعياء الحق الالاهي نري كيف كان لابناء مارب دور في مواجهة مخلفات الامامة التي اهلكت الحرث والنسل وزرعت بذور التخلف والفقر والجهل ، فيكفي مارب في التحرر من ذلك العهد الموغل في الظلام تاريخ البطل الشهيد علي ناصر القردعي الذي خلده التاريخ في ثنايا صفحاته وطبعت علي قلوب اليمنيين محبته حتي صار القردعي وثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة صنوان لايفترقان فهو بحق بطلها الذي مهدت بطولاته لميلادها مع ثلة من قيادات الاخوان المسلمين آنذاك.
ومع ميلاد الجمهورية كان ابناء مأرب درع الجمهورية وحراسها الاوفياء الا انهم كوفئوا بجزاء سمنار فعمل اعلام نظام علي عبدالله صالح علي تهميش ابنائها ومحو تاريخهم ونسبت بطولاتهم الي غيرهم، واطلقت علي ابنائها اقذع الاوصاف، الا ان تلك المفردات لم تزد ابناء مأرب الا اعتزازا بقيمهم التاريخية وموروثهم الاصيل كالذهب لاتزيده النار الا لمعانا وبريقا تزيد بها جودته ويرتفع معها ثمنه.
كان لملوك سبأ دور تحت قبة البرلمان لمواجهة ممارسة سياسات التجويع والاقصاء السياسي فكان صقر مراد وبطل مارب الشيخ علي عبدربه القاضي الصوت الاكثر هديرا الذي يزأر كالاسد يفند النصوص وينتقد السياسات الامسؤلة لنظام علي عبدالله صالح، وكان لكتلة المستقلين دورا بارزا بقيادته بل كانت الرديف الاقوي لكتل اللقاء المشترك تحت قبة البرلمان.
برز القاضي عقلية جمعت في طياتها اصالة الماضي ومدنية الحاضر فاستمد من ماضيه الشجاعة والجرأة للصدح بصوت الحق ونصرة المظلوم ومواجهة الاستبداد ومن الحاضر الانفتاح علي قيم العلم والثقافة والتجديد فكان اول قادم من صحراء مأرب يحرص علي تعليم بناته كما يحرص صاحب المدينة علي تعليم ابنائه، وشارك بقوة في المعترك السياسي ضاربا عرض الحائط بتهديدات النظام وممارسة زبانيته في اسكات صوته الشجاع.
كان ابناء مأرب موجودون في معارك صعدة طيلة حروبها الست التي كانت مجرد لعبةبين المخلوع والحوثي وقدمت مأرب خيرة رجالها وفاء لدماء شهداء ثورة سبتمبر الخالدة.
ومع استكمال تحضيرات الانقلاب ومطاردة الانقلابيين للرئيس هادي كان قدر مأرب الحفاظ علي الشرعية واحباط مخطط لاغتيال رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي وبرز العميد ذياب القبلي صاحب الموقف الشجاع الذي رفض اغراءات صالح وكان العسكري الاخير الذي انقذ الشرعية من الانهيار الكبير.
لم تسلم مأرب للانقلابيين أمرها كما سلمت الكثير من المحافظات بل وقفت امام غطرسة القوة وبطش الانقلاب ، وحملت علي عاتقها الدفاع عن الجمهورية ، فاعد ملوك سبأ مطارحهم وحزموا امرهم فتحولت الصحراء الي بركان من الغضب الهادر وسالت جبال مراد برجال لايهابون الموت او يخشون العداء، وبرز القادة الذين لاحصر لاسمائهم فكان كل واحد منهم أمة في الشجاعة واسطورة في القتال.
برز الليث الهمام مأربي الهواء عبيدي الانتماء جبل لا يتزحزح وهامة لاتلين وقناة لاتنكسر فكانت احاديث الركبان ومنشورات الاحرار تتزين بمواقف اللواء سلطان بن علي العراده، فتحطمت علي كبرياءه معاول الانقلاب وتلاشت أمام صموده أوهام الانقلاب، وكان القائد الذي يجمع ولايفرق ويعطي ولايسأل وكانت مهاراته الادارية كفيلة بلملمة الشتات وتوحيد الجهود ومقاربة الاراء وتسوية الصفوف ، فقاد المعارك باقتدار جامعا في ذلك بين عقلية العسكري الحازم والقبيلي الذي يستوعب الجميع ، فثبت السلطان حين ولاء اقرانه من محافظي المحافظات ادبارهم باستثناء الشهيد أحمد باحاج محافظ شبوه، وكانت عقلية ذلك السلطان اكبر بكثير من عقليات دولة كايران وعصابة كصالح ومليشيا كالحوثي ، فكانت مأرب رائدة في البطولة وسباقة في التصدي لمشروع سلالي طائفي يهدف الي سحل الاحرار وتحريف العقيدة وطمس الهوية العربية
وكان الشيخ مبخوت بن عبود الشريف هو الاخر بطل لم يداهن من اجل نسبه ولم يولي الادبار ، بل طغت عقيدة التوحيد في عروقه علي سلالة النسب ، فوقف مع الابطال وقاد سفينة التحرر مع ابطال مأرب، فكان شريف الموقف كما هو شريف النسب.
ومن أقصي مأرب وتحديدا من مديرية العبدية كان اللواء الركن عبدالرب الشدادي العسكري الذي تمرد علي املاءات وزير الدفاع سئ الذكر محمد ناصر احمد فتمرد حين كان التمرد فضيلة ورفض الاوامر العسكرية حين كانت الاوامر ممهورة بالذل والخنوع، وواجه الانقلاب حين سارع كثيرا من القادة الي تقديم ولاءاتهم للمشروع الفارسي الجديد، تقدم الصفوف بشجاعة منقطعة النضير وأصيب فلم تمنعه الاصابة عن مواصلة الجهاد المقدس ضد الرافضه والانقلابيين ، ودفعت العبدية فاتورة باهظه في سبيل الدين والوطن.
لم يخرج من مأرب منذ ان دارت رحي المعركة ولم يمد عينيه الي متاع الدنيا وكأن الشاعر العربي يخاطبه عندما قال :- وقفت ومافي الموت شك لواقف .. كانك في جفن الردي وهو نائم
تمر بك الابطال كلمي كليلة ..
ووجهك وضاح وثغرك باسم
فكان الشدادي رجل المرحلة وبطل التحرير مع اخوانه افراد ومشائخ وقادة مأرب.
اليوم مارب تتسع للجميع تلتقي فيها باليمنيين من صعده وحتي المهرة، لا تسمع من ابناء مأرب نغمة المناطقية ولا لهجة العلو بل حالهم ( ياضيفنا لو زرتنا لوجدتنا ... نحن الضيوف وانت رب المنزل ) وقدمت نموذجا مشرفا في الامن والتعايش، وأصبحت عاصمة اقليم سبأ الحاضنة الاولي للشرعية وقيادتها العسكرية..
وفي الختام اعتذر لمأرب فلم اوفها حقها فقد عدلت عن التفصيل الي الايجاز، وماذكرته ليس الا قطرة في بحر وذرة في رمل ، فهناك اقوام تنحني لهم الهامات احتراما، ويتشرف الثراء بوطئ اقدامهم لم اذكرهم لضيق المقام وقلة المعرفة وهيبة الموقف، ولكن مثقفي مأرب واعلامييها كفيلين بذكر مانسيناه وشرح مااوجزناه، واهل مكة ادري بااشعابها .
فسلام علي مأرب وملوكها الابطال ولو كنت مخيرا بالعيش في مكان غير مسقط رأسي ومهبط فؤادي لقلت لمأرب ( هواك او طاني ).