بروتوكولات المفاجأة القادمة
بقلم/ علي الجرادي
نشر منذ: 14 سنة و 5 أشهر و 3 أيام
الثلاثاء 01 يونيو-حزيران 2010 06:32 م

يلازم اليمنيين هواجس مخيفة كلما تطلعوا للمستقبل، ويتضاعف قلقهم بتصاعد توجهات العنف كخيار لدى السلطة في مواجهة إخفاقاتها وهي كثيرة وفقدان سيادة الدولة على أكثر من محافظة فالمركز مصاب بموت حقيقي كحالة سليمان -عليه السلام- لكنه يتكئ على عصاه «دولاب آلة السلطة» يعمل دون هدى ويصاب بأعطاب بالغة وشديدة الخطورة دون تعويض أو إصلاحات حقيقية «كسفينة فقد ربانها السيطرة وسط أمواج متلاطمة».

وسط هذا الإحساس بالقلق العام، هناك قلق من نوع خاص داخل القبيلة الحاكمة «حاشد» بما في ذلك أطراف في المعارضة بشقيها السياسي والقبلي. ومرد هذا القلق في أوساط قبيلة حاشد هو ملاحظة ازدياد نسبة المخاطر واحتمال التصدع وفقدان السلطة فتذهب معها المنافع الاقتصادية والثروات الهائلة، وحتى تلك الأطراف التي اتخذت من «معارضتها للسلطة» وسيلة ضغط وحاولت استخدام المعارضة «كروت تفاوضية» لتحقيق مكاسب شخصية بدأت تشعر بخطورة أن تفقد حاشد السلطة لأن أي تغيير حقيقي لن يسمح بمراكمة الثروة بالطريقة الحالية أو على الأقل لن يكون بمقدورهم الاستمرار في تقاسم حصص النفط والديزل والمواقع المالية الهامة كما هو حاصل الآن!!

المصالحة الحاشدية!

منذ بداية هذا الشهر تعمد الرئيس الظهور ومعه عدد من الشخصيات داخل حاشد التي تم إقصاؤها من قبل وارتفعت أصواتها بمعارضته وهذا الظهور كمحصلة للمصالحة التي تم التوصل إليها داخل حاشد كخطوة أولى بحيث يعاد الاعتبار والمصالح لمن تضرروا خلال الفترات الماضية وقد يتساءل البعض باستثناء التعيينات القيادية ومحاصصة النفط والديزل والصفقات الكبرى: كيف تستطيع السلطة تقديم عروض مغرية لمن شعروا بتضاؤل حجم نصيبهم من الكعكة خلال الفترات الماضية؟

تقتضي خطة المصالحة خصخصة الخدمات الاستراتيجية كـ»الكهرباء، المياه وتحليتها» وغيرها، وتسليمها كأدوات ترضية سياسية (لو تم خصخصة الاتصالات الدولية والنت على سبيل المثال فإنها تمثل إغراءات حقيقية)!!

ومثل هذه المصالحة «الداخلية» بقدر ما تمثل خطوة إضافية في استكمال السيطرة الاقتصادية للقبيلة فإن خطورتها على جناح التوريث تبدو أشد، فالتنازلات تجعل منه الطرف الخاسر حاليا والأضعف مستقبلا أمام تنامي نفوذ منافسيه في ظل سلطته الحالية. واستكمال خصخصة الاقتصاد لصالح القبيلة بمثابة آخر شهقات احتضاره.

انفراج نسبي مع الأحزاب

الخطوة الثانية هو مشروع السلطة للفترة القادمة بعد ترتيب الأوضاع الداخلية للقبيلة هي الدخول مع أحزاب المعارضة في حوار سياسي يفضي إلى إصلاحات انتخابية نسبية وإجراء انتخابات واستيعاب الأحزاب في المجالس المحلية والبرلمان والحكومة وتعيينات في مواقع قيادية وسطى في الوظائف المدنية ويصاحبها تهدئة في خطابات الرئيس تجاه الأحزاب وبقية الفرقاء والمعارضين. هذه التهدئة المدروسة من قبل السلطة تحمل مفاجآت قادمة ترتدي البزة العسكرية داخل السلطة في طريق استكمال تنفيذ المهمة الأخيرة لنقل الحكم..

الجنوب.. طلقة باهتة

المكون الآخر للخطة هي استيعاب قيادات الجنوب في الخارج وخصوصا علي ناصر محمد الذي يميل الأمريكان لتسليمه منصب نائب الرئيس وحمل هذا المقترح خلال الأسابيع الماضية شبه مبعوث لاستقصاء رأي السلطة والمعارضة.

وربما أثار هذا المقترح حفيظة شخصيات على مستوى السلطة والمعارضة لأن عودة علي ناصر ستكون بالضرورة على حساب مواقعها السياسية والتنفيذية وربما كان حيدر العطاس بوصفه لخطاب الرئيس بالطلقة الباهتة يشير إلى غياب الحلول الوطنية ومحاولات تقديم تنازلات لأشخاص لا القضايا وصفها العطاس بمحاولات إرباك في صفوف المعارضين.

أما في الداخل وخصوصا مع عودة الأستاذ عبدالقادر هلال إلى صفوف الحكومة فإن ملف الجنوب سيتجه لإعادة الاعتبار لدور الحزب الاشتراكي في الخطاب السياسي والإعلامي ومزيد من التعيينات في الجانب العسكري والمدني في سبيل التهيئة لانتخابات محلية وبرلمانية تمتص بقية جوانب السخط كما تعتقد السلطة. ولكن ولأسباب كثيرة وأهمها الارتكاز على التسوية الشخصية فإن معالجة القضية الجنوبية ستظل «طلقة باهتة» أو بتعبير أدق «طلقة فشنك» كما يقول حيدر العطاس.

الأمريكان والسعودية، نعم للترقيع لا للتغيير

ترتكز السياسة الأمريكية في اليمن على الجانب الأمني وملاحقة تنظيم القاعدة والسيطرة على خطوط الملاحة الدولية والحصول على تسهيلات أكثر من لوجستية في الموانئ اليمنية مع حرية في التحرك في الداخل وضرب الأهداف بشكل مباشر كما حصل في المعجلة ومؤخرا في مأرب والمراقبة وجمع المعلومات، مقابل ذلك يتغاضى الأمريكان عن كل ممارسات السلطة تجاه الديمقراطية وحرية الصحافة وحقوق الإنسان، وعوضا عن ذلك يرى الأمريكان دعم الحكومة اليمنية وبسط سيطرتها على كل المحافظات وإجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية لتمثيل قوى المعارضة في الشمال والجنوب، ويرون أن كلفة دعم اليمن يجب أن تكون على عاتق الخليج وبالأخص المملكة العربية السعودية التي قد تواجه أضرارا قومية في حالة انهيار الدولة اليمنية وموقف المملكة العربية السعودية لا يختلف كثيرا عن الموقف الأمريكي -رغم اكتوائها- بألاعيب السلطة في اليمن لدرجة التحالف مع خصومها على حدودها الجنوبية فإنها لا تميل إلى دعم أي تغيير من شأنه تحويل اليمن إلى دولة فاعلة وهي استراتيجية ضارة جدا بالبلدين وعلى المدى المنظور ستتحمل السعودية «كسلطة وشعب» أضرارا لا حدود لها بالاستمرار في هذه السياسة التي ستؤدي حتما إلى الانهيار وإن تأجلت بفعل ضخ الأموال سواء للسلطة أو المشائخ بعيدا عن الاشتراطات الدولية بإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية لترقيع القربة المخرومة، وخلاصة السياسات الأمريكية والسعودية في اليمن هي دعم الترقيع في برامج السلطة وملاحقة تنظيم القاعدة والاحتفاظ باليمن كدولة هشة وضعيفة تابعة لا تقوى على السير بالاتكاء على نفسها دون العكازين.

رغيف الخبز.. الحاسم الغائب

هل تحول «المصالحة الحاشدية» واستيعاب القيادات الجنوبية وتمثيل الأحزاب في المحليات والبرلمان دون استمرار الانحدار الذي يمضي فيه اليمن!؟

سننقل الإجابة إلى حيث تكمن الحقائق الرقمية التي لا تقبل المناكفات!!

حقل الاقتصاد الحاسم الغائب، يقول خبراء اقتصاديون إن اليمن في حالة استمرار الذهنية السياسية والوسائل الاقتصادية كما هي عليه الآن -ولا يوجد مؤشرات بالعدول عنها- ستواجه ارتطاماً حقيقياً عام 2013م وإذا تفاءلنا على طريقة وزارة التخطيط فإن عام 2015م ستكون اليمن مستوردا صافيا للنفط ما لم تكن هناك اكتشافات كبيرة، وبإضافة المؤشرات الأخرى وهي استمرار دعم الجانب العسكري والأمني في الموازنة بنسبة 35% وتسخير العملية الاقتصادية باتجاه شراء الولاءات السياسية وتحويل الوظيفة العامة إلى «كشف قبلي وعائلي ومناطقي» فإن الاقتصاد والإدارة في كف عفريت، أما تضاؤل سيطرة الدولة وتكالب الصراعات وتصاعد العنف فإنها عوامل إضافية نحو الانهيار، أو التغيير وأعتقد جازما أن الخطورة المحيطة ببلادنا عنوانها «رغيف الخبز» فقد استطاع الرغيف ضمن أسباب أخرى هزيمة الترسانة النووية للاتحاد السوفيتي ولم يشفع لهم حتى صعود الفضاء من حتمية انهيار الرغيف على الأرض ليودي بحياة الإمبراطورية السوفيتية!! فما بالك من يستوطن «القاع»!؟

  aligradee@hotmail.com