كفى تشويهاً للإسلام
بقلم/ د.عائض القرني
نشر منذ: 17 سنة و 6 أشهر و 15 يوماً
الجمعة 20 إبريل-نيسان 2007 11:15 ص

ما ذنب سائق التاكسي الفقير الذي يُذبح كما تُذبح الشاة في شوارع الدار البيضاء والجزائر، بحجة الجهاد في سبيل الله؟ ما ذنب الجندي الذي يحرس عمارة بمرتب زهيد يعول أطفالاً ينتظرونه في البيت، ثم يُفجّر في صدره الرصاص بحجة أنه مرتد؟ ما ذنب العامل البسيط ونادل المطعم وموظف الشركة والشيخ الكبير والعجوز الكسيرة والطفل البريء؟ ما هو الجُرم الذي ارتكبوه حتى تُمزّق أجسامهم بالقنابل بذريعة حماية الإسلام والذَّب عن حياض الملّة؟

الإسلام بريء من هذا العمل الشنيع البشع، الإسلام أشرف من أن ينحط حملتُه إلى هذا المستوى الدنيء الممقوت، الإسلام دين ربّاني عالمي حضاري إنساني. أخبر رسوله الأعظم صلى الله عليه وسلم، أن امرأةً حبست هرةً حتى ماتت فعذّب الله المرأة بسبب الهرة، الإسلام حرّم الاعتداء حتى في قتال المحاربين يقول سبحانه «وقاتلوا في سبيل الله ولا تعتدوا إنه لا يحب المعتدين». كان عبد الله ابن أُبّي بن سلول رأس المنافقين وحربة غدر في ظهر الرسول صلى الله عليه وسلم، والصحابة وفعل الأفاعيل ضد المؤمنين حتى قال الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم: ألا تقتله يا رسول الله؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه، يالروعة الكلمة ويالجمال مدلولها، كيف يتحدث العالم أن رسول الهداية الربّانية ونبي الرحمة، يقتل مَنْ صاحبه ساعةً من نهار، ولو كان منافقاً بل رأس المنافقين حينها لن يدخل أحدٌ الإسلام، سوف تشوّه صورة الإسلام الجميلة لو حصل من الرسول صلى الله عليه وسلم، تصفيات جسدية لمن كان معه، فما بالك بمن أتى بسلاحه وقنابله ومتفجراته إلى العزَّل إلى الأبرياء إلى الطفولة إلى الشيخوخة إلى طبقات الضعفاء الكادحين وراء لقمة العيش إلى صفوف المساكين المعذَّبين بقهر الغلاء والوباء والمرض والدّيون، فأتى من يذبحهم بدمٍ بارد ليشوِّه صورة الإسلام الجميلة عبر شاشات الفضائيات ومواقع الإنترنت، ويشمت بنا الأعداء ويُضحِك علينا الأمم، ويجعل مليار ونصف المليار مسلم في موقف لا يُحسدون عليه، خجلنا والله من هذه التصرفات، نأسف لهذا العمل الأرعن السفيه، نبرأ إلى الله من هذه الأفعال الشريرة ونعزِّي الأمهات المسلمات في الجزائر والمغرب والعراق وكل بلد أُبتلي بهذه الآفة، ونقول لهؤلاء الغلاة: كفى تشويهاً للإسلام، وكفى إساءة لحملته الصادقين، وكفى إضراراً برسالتنا الخالدة، ألا عقل يردع؟ ألا ضمير يستفيق؟ ألا بقية من إسلام؟ ألا ذرة من حياء؟ شاهدتُ عجوزاً في مكان الانفجار تصرخ وتولول وترفع يديها إلى السماء وتقول: اللهم انتقم لنا منهم، شاهدتُ عاملاً بسيطاً يكدح في طلب الرزق قد انفصلت قدمه وسالت دماؤه وهو ينتحب، شاهدتُ فتاة في ريعان العمر تغيّرت معالم وجهها وذهبت عيناها وأنفها ودماؤها تبلُّ الثرى، الآن يشمت بنا المحتلون الصهاينة واليوم يضحك علينا أعداء الإسلام ويصفِّقون طرباً بما فعله السفهاء منّا، كلما قام عقلاؤنا بتصحيح صورة الإسلام، ودفع الشّبه عنه، قام السفهاء بتشويه هذه الصورة وطمسها، كيف ندعو العالم الآخر للإسلام وهم يشاهدون بعض المنتسبين إليه يفجِّرون المطاعم وملاجئ الأيتام والمدارس والمستشفيات ودور الرعاية؟ ويا حسرتاه على من فعل بالإسلام الدين الخاتم دين الرحمة والعدل والسلام، الدّين الذي اعترف بجلالته وسموِّه وعالميته حتى أعداؤه، كل يوم نضع أيدينا على قلوبنا خوفاً من تشويه السفهاء وأفاعيل الحمقى وتصرفات الأغبياء، ارفعوا فوَّهات البنادق وأغمدوا سيوف الغدر، وضعوا السلاح فقد سفكتم الدم الحرام وقتلتم النفس المعصومة، وشوّهتم الدين العظيم وأبكيتم الأصدقاء وأفرحتم الأعداء، وأشمتم بنا أمم الأرض، اخرجوا إلى النور وأقبِلوا على طلب العلم وصحِّحوا مسيرتكم وعودوا إلى رشدكم، وتعالوا إلى جماعة المسلمين وادعوا إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وشاركوا في التعليم والبناء ونفع الناس والوقوف مع المساكين وإغاثة الملهوفين، وساهموا في صُنع حضارة الإسلام فباب التوبة مفتوح وكلنا خطّاء، وخير الخطائين التوابون.