من فتاوي الجوع الجنسي إلى فتاوي الشعوذة والتكفير والتخوين
بقلم/ راسم عبيدات
نشر منذ: 17 سنة و 5 أشهر و 8 أيام
الإثنين 28 مايو 2007 04:56 م

مأرب برس ـ القدس – فلسطين ـ خاص

....... بداية لا بد لنا من القول ، أنه سابقاً كانت مؤسسات الإفتاء الديني ركيزة هامة من ركائز المجتمع المدني ، ولكنها غدت اليوم جهازاً من أجهزة السلطة الحاكمة توظيفاً وتعييناً وتمويلاً ، وهي مجندة لخدمة السلطة الحاكمة ، وتجهد في إيجاد الحجج والذرائع والمبررات والمصوغات ، للسياسات والممارسات التي تقوم بها وتنفذها ، وأغلب الدوائر والمؤسسات الفقهية ، إن لم يكن جميعها ، هي ما يصطلح على تسميتها بمؤسسات الفقه والإفتاء السلطوي ( حكام وفقهاء السلاطين ) ، مما أفقد المؤسسات الفقهية ودور الإفتاء استقلاليتها وعلميتها ونجاعتها ، وأصبحت تستخدم كأدوات للصراع السياسي والاجتماعي ، ولعل طرحالأمثلة ، قد يساعدنا في تعليل وتدعيم وجهة النظر هذه ، حيث أننا نشهد ظاهرة خصخصة الإنتماء الديني ، كما هو الحال في سياسة الفوضى الخلاقة ، التي تعمل أمريكيا على نشرها وتسويقها وتطبيقها وتعميمها على كامل المنطقة العربية والإسلامية ، والتي تأتي ظاهرة الخصخصة الدينية ، كأحد نتائجها وتجلياتها ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ، الوصول إلى حالة لا تتوافق أو تتوحد فيها الشعوب العربية والإسلامية على الصوم الموحد والأعياد الموحدة والعطل والمناسبات الدينية الموحدة ، وكذلك إيجاد فقهاء وفتاه ينظرون لوجهة النظر الأمريكية في القضية الدينية ، كجواز تعديل القرآن مثلاً ، والذي قامت بها الإدارة الأمريكية ـ حيث أعادت صياغة القرآن الكريم ، ضمن كتاب سمته الفرقان ، وبالعودة لاستخدام الفتاوي والإفتاء ، كأحد أدوات الصراع السياسية ، فلعل الجميع يذكر أنه عندما وقع الرئيس المصري الراحل أنور السادات إتفاقية " كامب ديفيد " مع إسرائيل ، وأخرج مصر بثقلها العسكري والسياسي والبشري من دائرة الصراع مع إسرائيل ، وجدنا هناك من يبرر هذه الاتفاقية من علماء وفقهاء السلاطين ، ويشبهها بصلح الحديبة ، ويستقدم الأدلة المدعمة لذلك من كتاب الله ، بالاستناد للاية الكريمة " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله ..... " رغم الفارق الكبير والجوهري بين الحدثين ، وكذلك عندما غزا العراق الكويت ، هناك من أفتى بجواز استقدام القوات الأجنبية ، إلى الديار الإسلامية والاستعانة بها ، لضرب العراق ، وأيضاً هناك من أفتى وشرع الغزو الأمريكي للعراق واحتلاله ، هذه فتاوي لأغراض سياسية ، وهناك فتاوي لأغراض دينية ، أي خدمة نهج أو رؤيا أو تيار ديني أو مذهبي ، مثل قضايا التكفير بين السنة والشيعة ، وقضايا التكفير والتخوين بين أنصار التزمت والانغلاق وأصحاب الفكر التنويري ، حيث أن دور الإفتاء دأبت على تخوين وتكفير ، كل من له اجتهادات وتصورات ومواقف دينية تتعارض مع رؤيتها وتصوراتها ، وتحديداً القوى العلمانية أو من هم محسوبين على التيار الديني المتنور ، مثل الشيخ بن باز في السعودية ، وحسن الترابي في السودان ، والاستاذ الجامعي المصري حامد أبو زيد ، وفرج فوده ، والشهيد حسين مروه في لبنان ، وصادق جلال العظم في سوريا وغيرهم ، وهناك الفتاوي التكفيرية والتخوينية ، والتي تجري على أساس مذهبي وعقائدي وفكري وسياسي ، مثل الفتاوي المتبادلة بين المراجع الدينية السنية والشيعية في العراق ولبنان وغيرها ، وفتاوى المفتي شاكر الحيران بتكفير حركة حماس ، والدعوة إلى قتلهم ، وتبشير من يقوم بذلك بالجنة ، وهذه فتاوى بالأساس تهدف إلى بث الفتنة والفرقة بين أبناء الشعب الواحد وغالباً ، ما تكون هذه الفتاوي لها مقاصد ومرامي وأهداف خبيثة ، تدمير وحدة المجتمع وهتك نسيجه الإجتماعي وبث الفرقة والخلاف بين أبنائه ودفعه للاحتراب والاقتتال الداخلي وغيرها ، والإفتاء ليس قصراً على هذه الموضوعات ، بل أن الكثير من هذه الافتاءات له علاقة بالمرأة والعلاقات الجنسية في المجتمع ، مما يشير إلى عمق الأزمة التي تعيشها الشعوب الإسلامية والعربية في هذا الجانب ، رغم أن الشعوب العربية في أغلبها متدينة ، ومرجعها في هذا الجانب القرآن والسنة والاجتهاد ، إلا أن ما يجري على الأرض – أرض الواقع – يشير إلى أنه لم تكن هناك حلول ناجعة لهذه المشكلة ، فتقارير المنظمات والهيئات الدولية أشارت مؤخراً ، إلى أن في طليعة الدول المتاجرة في الذهب الأبيض ، دولتان عربيتان هما المغرب والإمارات العربية ، ورغم أن الدين أتاح للمسلم الزواج بأكثر من واحدة ، لحل هذه المشاكل ، ولمنع انتشار الرذيلة والبغاء في المجتمع ، إلا أن ذلك لم يشكل حلول جدية ، لمجتمعات تعاني من حالة عدم الاستقرار السياسي ، والفقر ، وأزمات عميقة في الجوانب الإجتماعية ، لها علاقة بالتخلف والموروث الإجتماعي ، وكذلك الرؤيا والتصور والنظرة الدونية للمرأة ودورها ووظيفتها ومكانتها في المجتمع ، ناهيك عن أن الطفرة النفطية والغزو الفكري والثقافي ، ساهما إلى حد كبير في فتاوي النهم والجوع الجنسي ، مثل فتاوي زواج المتعة والمسيار والكيف وغيرها ، والمسألة لم تقف عند هذا الحد ، بل توجت بفتاوى رئيس قسم الحديث في الأزهر السيد عزت عطية ، فتوى إرضاع الكبير في أماكن العمل ، وهذه فتوى صريحة وواضحة ، ولا تحتمل التأويل ، تشريع للدعارة والبغاء في المجتمع ، وبشكل غير منظم ، والمسألة ليست قصراً على الفتاه والفقهاء ، بل أعمق وأبعد من ذلك ، فالكثير من محطات العري العربية وغيرها ، هي ملك لأمراء وسلاطين ، وكذلك من يقضي معظم وقته في الوعظ والتثقيف بالحور العين وأعدادهن في الجنة ، بإختصار مجتمعات تعاني من جوع مزمن في هذا الجانب ، وبالتالي فتاوي هدفها الإساءة للمسلمين وإظهارهم على أنهم وحوش بشرية ، لا هم لهم إلا النساء والقتل ، ويندرج في هذا الإطار فتاوى الشعوذة " والتهابيل والتساطيل " من طراز فتوى على جمعة ، تبرك الصحابة ببول النبي ، رغم المعرفة والإدراك بطهارة النبي ، وبأن البول يعد من النجاسة والذي يعد إحدى مبطلات الصلاة ، والغريب أن الكثير من هذه الفتاوي له مقاصد ومرامي سلبية وتخريبية ، ولم نسمع على سبيل المثال لا الحصر ، من يفتي بتكفير كل من يشارك من الحكام العرب والمسلمين في حصار الشعب الفلسطيني ، ولم نسمع بفتاوي الجهاد بأنه فرض عين على كل مسلم من أجل تحرير بيت المقدس ومسرى الرسول صلعم ، ولم نسمع بفتاوي تخوين كل من يبيع شبر أو سنتمتر من أرض العرب والمسلمين للأعداء ، ولم نسمع فتاوي بتكفير وتخوين ، كل من يؤيد الإحتلال الأمريكي للعراق ، ولكن كل يوم نسمع انشغال الفتاه بقضايا المرأة ، هل يحق لها قيادة سيارة أم لا ؟ هل يحق لها المشاركة في الإنتخابات أم لا ؟ ويحق لزوجها تطليقها إذا ما انتخبت قائمة غير التي يريدها زوجها في الإنتخابات ، وهل يحق لها ركوب حافلة مشتركة أم لا ؟ وغيرها من هذه الفتاوي التي تشغل الناس عن القضايا الكبرى المحدقة بالأمة العربية ، والتي يجب على مؤسسات الإفتاء إذا ما أرادت أن تستعيد جزء من هيبتها أن تتنبه لها وأن تكون شغلها الشاغل ، لا فتاوي ارضاع الكبير ولا التبرك ببول النبي وغيرها ، وأن حل هذه المعضلة لن يكون بمجرد التنسيق بين المجامع ودور الإفتاء ، ولا حتى بإستراتيجية التقريب بين المذاهب الإسلامية ، وإنما مرهون بعملية إصلاح فكري وتربوي وجذري ، يطال البنية المؤسسية للإفتاء ، وإستراتيجيات التأويل والقراءة ، وبدون هذه العملية الإصلاحية الجذرية ، تبقى فتاوي فقهائنا أدوات للصراع السياسي والاجتماعي الملتبس، إن هي خرجت عن أطراف الجرائد ومزاح العامة .

27/5/2007