اليمن (الذهبي) بين ثورتين .
بقلم/ د. بسام الأصبحي
نشر منذ: 12 سنة و شهر و 9 أيام
الثلاثاء 25 سبتمبر-أيلول 2012 07:49 م

إن تحقيق الإنتقال الثوري يتطلب منا الإنتقال من إعتمادنا على الآراء في مواجهة المُشكلات إلى إعتمادنا على البحث و الدراسة في تفنيد هذة المُشكلات و إيجاد الحلول المناسبة .

فماذا سنكتب عن اليمن بين ثورتين لايفصلهما عن بعض نصف قرن من الزمن فقط , بل يجمعهما تكرار و تطابق الدوافع و الأدوات و الظروف المُحيطة بِهما , فلن نكون متجاوزين على ثورة سبتمبر المجيدة إذا قُلنا أنها لم تحقق أهدافها المُعلنة على أقل تقدير , فليس من المعيب على ثوار سبتمبر أن ثورتهم لم تنجز التغيير المنشود في ذلك الوقت , بل الأهم هو أن هذه الثورة أوجدت ذخيرة نضالية من تجارب الإخفاق و النجاح .

وحتى لا تكون مُقاربتنا لثورة سبتمبر في عيدها الذهبي مُجرد إستقراء تأريخي لن نجد فيه سوى جلد للذات وعض على الأنامل , فإننا سوف نُركز على خُلاصة تجربة ثرية مر بها شعبنا طِوال خمسون عام , لعل هذه الخلاصة تكون ذات معنى , يجد فيها اليمنيون نافذة تُضيئ لهم مسيرتهم نحو المُستقبل , خصوصاً أن ثورتنا الجديدة تسلك ذات الخُطى و يُعاني ثوارها من ظروف و أدوات إستقطاب هي ذاتها تقريباً و لو إختلف الزمن .

ماهي النظاميين ما قبل الثورتين ( الإيهام و الوهم في مُقابل الثورة )

ليس من المهم مدى التطابق والتماهي في سياسات الإمامين اللذان ثار عليهما الشعب في عامي 1962 و 2011 , بل الأهم هو إنعكاسات هذه الأفعال على بُنية و تركيبة المُجتمع اليمني و أثارها الثقافية و السياسية فية , حيث أصبحت هذة الإنعكاسات عبارة عن تهيئة إستباقية قام بها النظامان الحاكمان لِخلق بؤر سرطانية مُستقبلية في جسد الثورتين التي كان كُل نظام يتوقع حدوثها في نهاية المطاف , نتيجة لإدراكه لمسارات الثورة و تعداد و تكرار مسالكها و محطاتها ( فإذا كانت ثورة سبتمبر هي نتاج لتراكم نضالات الشعب مُنذو 1922 بإنتفاضة المقاطرة و بعدها الزرانيق ثم 48 و بعدها حركة 55 إضافة إلى توافر الشروط و المُتغيرات الإقليمية و الدولية , مما دفع النظام إلى تكييف سياساته مع هذة الحقائق و المُتغيرات ) .

ساعد غياب مرجعية فلسفية لدى ثوار سبتمبر , إلى تركيزهم على الفوقيات بإقتلاع الإمامة كسلطه , و تغافلوا عن إرساء و تجذير ثقافة شعبية ( مُجتمعية ) تامة المُغايرة عن الوضع الإمامي , و هو ما قاد إلى ولوج ثورة سبتمبر وضع هو عبارة عن خليط غير مُتجانس من طموحات ثورة و رجعية ملكية , مما أدى إلى مُركب إجتماعي غير مُستقر لم يندمج و لم يتوحد , و بالتالي بقاء موروثات العهد البائد , لِتصبح هذة الموروثات عوائق صد لإحباط كُل أمل و لإيقاف أي توجه لإحداث تغيير حقيقي , هو السبب الرئيسي في تعثر ثورة سبتمبر في أكثر من مرحلة من جمهورياتها المُتعاقبة , هذا أفرز أخيراً إنتكاسة ثورة سبتمبر , بإقحامها في صراع ثوري داخلي بين أقطاب الثورة ذاتها , نتيجة توحد الثوار على مطلب إسقاط الإمامة و إختلافهم في الأهداف لغياب المرجعية الثورية الفلسفية الطابع , و هذا كان هو المنفذ و الثغرة للبؤر السرطانية لنظام الملكية أن تنفذ من خلالها و تعيد تجسيد النظام الرجعي ( الملكي ) لكن برداء الجمهورية , عقب إغتيال آخر مشروع حقيقي للتغيير في عام 1977 , و هذا كان أنصع مثال على إنتصار الملكية على الثورة في صراعهما من خلال إستراتيجية الإيهام و الوهم .

التساؤل الثوري و إستمرار الثورة ؟؟

إن الثورة هي فعل يقتضي بالضرورة و جود رد فعل من الطرف الآخر ( النظام ) , و إن إستمرارية هذا الفعل أيضاً يعني إستمرار رد الفِعل طالما إستمر الصراع الذي لن يتوقف إلا بإنهزام أحد طرفي الصراع , و هذا يدفعنا إلى التسليم بأن النظام أو بقاياه لا تزال تُصارع في سبيل بقاءها , فهي مع ذلك و إن إستنزفت و إستنفذت أدواتها و و سائلها فإنها تُدرك من التأريخ أنهُ لاتزال لديها وسيلة لطالما أثبتت هذه الوسيلة نجاعتها في إفشال الثورة , خصوصاً التجارب التي حدثت في ثورات اليمن المُعاصر , و هذة الوسيلة تمثلت في تحقيق النظام إختراق صريح يُصدع جسد الثورة و يخلق إصطفافات مُتضادة داخل الجسد الثوري , و النظام هُنا مُستميت في تحقيق هذا الأمر , و دوافعه و أمله يقتبسه من سلفة الإمامي البائد , في تكرار النكسة التي أُصيبت بها ثورة 26 سبتمبر و أفرزته هو بذاته كنظام إستمر 33 عاماً , و مما يُشجعه على هذا الأمل و التوجه في إفشال ثورتنا الحالية , هو تقارب و سيامية الظروف و الأدوات التي أحاطت بالثورتين .

والعبرة و الدرس هُنا تتمثل في أن أي توجه نحو تحقيق حُلم النظام أو ما تبقى منهُ و تحت أي مُبرر , يُعتبر خطير و لا مسئول و يُهدد مصير الوطن عموماً .

 وهذا ما دفع شباب الثورة إلى بللورة فلسفة جمعية , أهم ما في هذة الفلسفة الثورية هو وجود مرجعية معيارية ترتبط بالثوابت الثورية و أهادف الثورة المُعلنه , و أهم معيار من هذة المعايير هو أن التجربه و التأريخ هو النبراس و المُرشد , لتفادي أخطاء الرعيل الأول و عدم السماح بتكرار أخطاء الماضي

لماذا أخفق ثوار سبتمبر في تحقيق التغيير المنشود ؟

خلال قرون عديدة من الزمن , إبتُليت اليمن بصفتين لازمت البعض من أبنائها , هُما ضعف الولاء و العصبية , و هاتين الصفتين عادت على اليمن بالوبال و الكوارث بالتظافر مع عوامل تأريخية مُختلفه بإختلاف المرحلة .

يتجلى توحد المظلوم (الثوار) مع الظالم (النظام) كأبرز أسباب لفشل الثوار في إحداث التغيير المنشود , فبدون تخلي ثوار ذاك الزمان عن موروثهم الثقافي و تحليهم بذهنية السُلطة التي ثارو عليها و حلوا محلها , فكيف سيبنون البناء الجديد والحجارة هي ذاتها من نفس المقلع .

لقد تاه ثوار سبتمبر في متاهات التغيير إذا جاز القول و ذلك عائد لتغافلهم أو عدم معرفتهم بحقيقة مفادها أن الثائر يخرج من تقاليده لكي يُثبت حقيقته التغييرية , ثُم ينتقل من حقيقته إلى تغيير سِواه , فأول مهام الثائر أن يتغير حتى يتبدى حقيقة جديدة تنتقل بالتحقيق إلى ملايين الحقائق , مثل النهر لمُتدفق كُلما عظُم دفقه حقق أثرهُ على أرض الواقع مُغيراً معالم الأرض التي يسلكها و يخلق فروعاً و أنهاراً تحمل ذات الحقيقة التي حققها الأصل .إن التأريخ يزخر بثورات عديدة لكنها كانت ناقصة و قليلة التأثير , وذلك يعود لمحدودية التغيير في حقيقة الثائر , حيث تولدت علاقة تنامي في التقهقر بالنقص إلى الأكثر نُقصاً , وهذا أدى إلى تزايد فُرص نجاح الثورات المُضادة بسبب تنامي فُرصها الإيجابية على حساب تنامي سلبيات الثورات الأصلية .

حامل الرسالة لا يختبئ خلف أحلامه الذاتية أو أحقاده الدفينه .

كُنا و ما زِلنا نعتقد أن شباب الثورة مؤتمنون على أهداف الثورة ( مُستقبل الوطن ككل ) , و هذا إقتضى أن نكون عنوان عريض يحمل الأمل و الحياة لكافة أبناء الوطن , بمختلف أطيافهم و إيديولوجياتهم , و من هُنا يكتسب شباب الثورة شرعية و جودهم في ذلك الموقع المُتقدم حاملين لِواء الرسالة المعني بِها كافة أبناء اليمن , فكان لزاماً على حامل الرسالة لكي يكون ذا مصداقية لدى شعبه , لا بُد أن يُبلغ رسالته إلى كافة المعنيين بها , مهما كانت مواقف الأخرين و أخطائهم و هفواتهم , فهذا لا يُبرر تجاوزهم أو إغفالهم من قبل حامل لواء التغيير , الذي أخذ على نفسه أن يكون في الطليعة و لزاماً علية تحمل تبعات هذا القرار , و على رأس هذة التبعات أن الثائر الحقيقي هو الأمين و المؤتمن على إنتشال أبناء و طنه من مسارات الخطاء و الخطيئة و إيصالهم إلى بر الأمان 

كما أصبح واضحاً الآن أن شباب الثورة لاقوا و سيُلاقوا الكثير من الإيلام و الإستعلاء الفئوي و الطبقي الأجوف الواهم و الغير حقيقي , و إنما يعود إلى جهالة و ثقافة فاسدة رسبت في هؤلاء طوال السنوات الماضية , لكن هذا لم ولا يجب أن يكون عائق أمام إيصال الرسالة و تحقيق الحقيقة التي نصبو لها و عنوانها مُستقبل أجمل لنا ولإبناء وطننا كافة , و هذا ومن واقع تجربة سبتمبر لن يتحقق إلا بتحلينا نحن شباب الثورة بالقدر الأقصى من الصبر و الصمود خلف هدفنا السامي ونُبل وسيلتنا , هذه هي بذاتها التضحية الحقيقية المطلوب منا تقديمها في سبيل إنقاذ شعبنا .

كما يجب أن لا نغفل عن حقيقة , هي أن التصنيف الفئوي السلبي في سياق التبرير لأنفسنا حالة العجز و اليأس من ممارسات القوى المٌقاومة للتغيير , هو برأينا أساس الإخفاق المتوقع لأي مسعى تغييري في السياق العام , لأننا بذلك نُنكر على هؤلاء أو نستثنيهم من إستحقاقات التغيير , و بذات الوقت ننفي عن أنفسنا صفة الريادة و الإرتقاء إلى طليعة المسار .

 إلى متى ؟؟

إن الفترة الزمنية التي عاث من خلالها النظام البائد فساداً و إفساداً في المُجتمع ( سياسياً و ثقافياً) كان لا بُد معها من وجود إستمرارية لحالة الحراك الثوري المُستمر حالياً كقناة تُفلتر و تُرشح الثوار و وجوه الثائرين , حيث وأن شباب اليوم رغم إنكارهم و رفضهم أشكال الفساد التي كانت ولاتزال باقية إلى الآن و إن بصورة أقل , فإنهم أي شباب اليوم مُتأثرين بها بيئياً و ثقافياً .

ووو عليه فأن الثورة مُستمرة حتى تنجح , و لكي تنجح الثورة , فإننا نربط هذا النجاح بتحقيق ثلاثة نقاط محورية في التغيير :

1- تحقيق حالة الإنتقال و التحول المؤسسي في الدولة , ليحل القانون محل العُرف و الكفاءة محل المحسوبية .

2- تغيير جوهري و جداني يطال الإنسان (الفرد) ينقله ثقافيا وإقتصادياً وعلمياً من حال سلبي إلى حال إيجابي 3- ترسيخ مفهوم أصيل أن الراعي (الحاكم) ماهو إلا أجير عند الرعية (المحكومين) .

إن تحقيق النقاط الثلاثة الأنفة الذكر , كفيل بنقل اليمن من حالة تجمد الزمن الذي تعانيه منذ نصف قرن , و يضعها في صيرورة التأريخ و في إطار المؤثر والمُتأثر بالحركة الإنسانية.