قناة سهيل في مهمة إيقاف نزيف العقل اليمني
بقلم/ محمد الجماعي
نشر منذ: 12 سنة و شهرين و 27 يوماً
الأربعاء 08 أغسطس-آب 2012 12:34 ص
 
 

ليس كلُّ تاريخ المسلمين هو تاريخ الإسلام، ولا يصلحُ تاريخ المسلمين أن يكون حَكَماً على الإسلام!”. لكنه بات من الضروري التعرف على ظاهرة الفتنة التي سبقت نشأة الدولة الأموية منذ عهد عثمان والوقوف على أسبابها الحقيقية وآثارها على العالم الإسلامي.

 لكنها خطوة رائعة تلك التي أقدم عليها القائمون على قناة سهيل في نزع فتيل فتنة تقودها مجاميع ومن ورائها مخططات ودول طائفية، لا تريد استقرار اليمن بعد ثورته السلمية، وكما أسهمت سهيل من ذي قبل في فضح جرائم النظام وكشف مخططاته قبل وقوعها في حقن دماء الشباب في الساحات، فإن خطوة استباقية كهذه، تسهم في رفع وعي المواطن اليمني الذي تريد له بعض القوى الوقوع في شرك الدعوات الطائفية.

 وبفضل إعداد هذا المسلسل بإتقان وبراعة ورقابة شرعية واعية، سيكون من اليسير على عامة أبناء الشعب وهم المستهدفون في هذا المسلسل، إدراك فضل الصحابة من آل البيت وبني أمية والتابعين لهم بإحسان، كما سيدرك المشاهدون أي قصد ونية كانت تقف وراء تمترس الإمام علي كرم الله وجهه والأمير معاوية رضي الله عنه، ومن كان يقف في وجه الفريقين كلما توصلا إلى حل واتضح أمام أحدهما الرؤية..

على أن سهيل أو القائمين على المسلسل وتوقيت عرضه في هذا الوقت بالذات، لا يعني محاولة الذب عن طرف دون طرف، أو إظهار فضل أحد على أحد، فالمسلسل كما هو واضح من عنوانه، جمع الطرفين، في ثلاث كلمات، اثنتان منها لصالح الطرف الذي اتضح فيما بعد صوابية موقفه، حتى وإن تعثرت بعض وسائله، كما قال العلامة المحقق د. عبد العزيز دخان في كتابه "تاريخ روايات الصحابة" حيث بدأ في مقدمته توضيح موقفه من الفتنة بعد تحقيقه لأحاديثها، إن كلا الرجلين اجتهد، غير أن أحدهما اجتهد فأصاب، وهو الإمام علي، واجتهد الآخر فأخطأ، ولا ينقص ذلك من فضل أحد.. ذلك ما سمعته منه بأذني في إحدى محاضراته الجامعية في معرض الحديث عن كتابه المشار إليه آنفا..

كما أن من المهم في هذه الآونة قطع الطريق على المتربصين بوحدة الأمة منطلقين من مواقف تاريخية مرت عليها مئات السنين، وذلك من خلال ما يبرزه المسلسل الشيق من تراجم للعديد من الصحابة الذين أسيئ لهم في التاريخ كمعاوية رضي الله عنه والتعرف على ظروف استشهاد أمير المؤمنين عثمان، وتولي الإمام علي، ثم الخلاف ونشأة الدولة الأموية، والتعرف على دور المسلمين في العهدين الأموي والعباسي في نشر الإسلام والفتح الإسلامي وفي المجال الحضاري.

 وهو أيضا ما سوف يمهد الطريق أمام فهم كثير من القضايا والأحداث التاريخية المهمة مثل الحكم الوراثي الإسلامي، مقتل الحسين، حادثة الحرة، وقبلها أسباب الفتنة في زمن عثمان، بيعة علي، موقعة الجمل، وصفين وقصة التحكيم، ثم التسامح وصفاء القلوب الذي جسده الحسن ومعاوية رضي الله عنه، في ما سمي بعام الجماعة ثم قيام الدولة الأموية، وما أفرزته شخصية معاوية بن أبي سفيان ونموذجه في الحكم..

بعض مراجع المسلسل:

 من أهم مراجع المسلسل كما يقول منتجوه، بالإضافة إلى كتب السيرة والتراجم للدكتور علي محمد الصلابي، يأتي كتاب "الخلفاء الراشدون بين الاستخلاف والاستشهاد" العنوان الأول من سلسلة “قبسات تاريخية"، وترجع أهميته، صغر حجمه بالنسبة لباقي كتب التاريخ (296 صحفة)، واعتماده على الروايات التاريخية الصحيحة فقط، وصياغته بأسلوب أدبي رفيع وميسّر، وتعليقه المنصف على الكثير من الأحداث، وتفصيله الطويل للفتنة بين المسلمين في زمني عثمان وعلي رضي الله تعالى عنهما ، وتخصيصه لذلك الجزء الأكبر من الكتاب، في 200 صفحة تقريباً من أصل 296!. مبينا دور اليهود وسبئيوا صنعاء في كل ذلك.

 ومن المراجع أيضا، "الدولة الأموية" و"تاريخ الخلفاء" للخضري، "استشهاد عثمان وموقعة الجمل" خالد الغيث، "تاريخ الخلفاء" للسيوطي، "جولة تاريخية في حياة الخلفاء" لأحمد الوكيل، "الخلفاء الراشدون" عبد الوهاب النجار، "تاريخ الطبري"، "البداية والنهاية" لابن كثير، "الكامل في التاريخ" لابن الأثير

لغط فقهي في عرض المسلسل

 فيما كوكبة من علماء وفقهاء الأمة كالعلامة القرضاوي، ونصر فريد واصل، القره داغي، الزحيلي، العودة، بن بيه، الهتار، البشير، عجيل النشمي، الفنيسان، الطريري، قطاع الإفتاء بالكويت، إدارة الإفتاء السورية، أجازوا عرض المسلسل وراجع بعضهم المسلسل مراجعة تاريخية.. فجأة.. ارتفعت أصوت الشيعة وبعض السنة في فضاء الإعلام مطالبين بمنع عرض المسلسل، درءا لفتنة قد تحدث كما يقولون، فيما زادت فضائيات شيعية، بأن اعتبرت العام الماضي متابعة المسلسل الذي يحتوي "مغالطات" بمثابة "خطيئة" محذرة شيعة العراق والبحرين والخليج من متابعته، تحذيرا مشفوعا بفتاوى عاجلة. كما وقع الأزهر الشريف بدوره في فخ التضليل بإصداره فتوى تحرم عرض المسلسل بدعوى تجسيده شخصيات من الصحابة وآل البيت.

غير أن الطرف الأخر وبالإضافة إلى تضرره من تجسيد تلك الشخصيات، لديه أجندة أخرى، حيث عقدت في إيران ندوة برعاية قسم السينما والتلفزيون التابع لمركز الأبحاث الفنية والإعلامية، ناقشت الأبعاد الإعلامية السلبية لمسلسل "الأسباط" المثير للجدل أو ما يعرف بـ "معاوية والحسن والحسين".

 وفي مصر أرسلت نقابة "الأشراف" التي تضم سلالة أبناء الإمام الحسن والإمام الحسين مذكرة عاجلة إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة وأخرى إلى مجلس الوزراء، يناشدون فيها المجلس سرعة اتخاذ قرار منع عرض المسلسل في القنوات الفضائية المصرية، منعاً لإحداث فتنة كبرى بين أهل البيت أنفسهم.

 كل تلك الأصوات المطالبة بمنع عرض المسلسل، لم تتذكر أن الفضائيات الشيعية منذ غزت "النايل سات" وغيره من الأقمار، وهي تبث قصة الحسن والحسين ومعاوية، وفق رؤيتها، وتروي قصص الصحابة وفق تلك الرؤية أيضا. ولم يدر في خلد أصحاب تلك الأصوات، أن إيران التي تقف وراء جزء من هذه الحملة على المسلسل، هي من أنتجت مسلسلي "يوسف الصديق" و"مريم"، وتعمل على إنتاج مسلسل عن النبي موسى عليه السلام.

 تقرير فني

المسلسل من إنتاج شركة المها الكويتية للإنتاج الفني التي تشكل الذراع الانتاجية لمجموعة النور القابضة القطرية، بطولة الفنان السوري "رشيد عساف" في دور معاوية، ، والأردنيان "خالد الغويري" في دور الحسن و"محمد المجالي" في دور الحسين.. يلقي المسلسل وهو من إخراج السوري عبد الباري أبو الخير وتأليف وسيناريو محمد اليساري بمشاركة محمد الحسيان، الضوء على "الفتنة الكبرى" عبر تصوير حياة حفيدي النبي محمد الحسن والحسين ودورهما في الدفاع عن الخليفة عثمان بن عفان ومساندة والدهما علي بن أبي طالب، بينما شارك في العمل فنانون من سوريا ولبنان والأردن.

هذا وتم تصوير المسلسل في عدة دول منها سوريا والأردن والمغرب ولبنان والإمارات العربية المتحدة، وقد رافق فريق العمل في مواقع التصوير فريق إيراني مُتخصص في المكياج.

وقال منتج المسلسل محمد العنزي لوكالة فرانس برس إن "هذا موضوع شرعي ونحن أخذنا فتاوى علماء بجواز ظهورهم وخضعنا فيه للمعايير الشرعية"، مؤكدا "نحن لا نملك أن نحلل أو نحرم". وقال إن "السيد المرحوم محمد حسين فضل الله المرجع الشيعي الأعلى في لبنان، أعطانا فتوى خاصة للعمل بجواز ظهور الحسن والحسين في المسلسل والنص كان فيه لجنة متخصصة بدكاترة تاريخيين منهم علي الصلابي ومحمد البرزنجي ودار الإفتاء السورية والشيخ حسن الحسيني، هذا فيما يخص الروايات التاريخية". مضيفا بأن العلامة القرضاوي اطلع على أول خمس حلقات وملخص العمل وأعطانا فتوى على هذا الأساس.. وشدد على ان "المسلسل لا يعتبر وثيقة تاريخية بل عمل درامي مبني على أسس وحقائق وأخبار تاريخية صحيحة".

وقد تنقل فريق العمل المكون من 300 شخص ما بين ممثل وفني وإداري بين ثلاث دول أخرى وعلى مدى ثلاثين حلقة، وحرص المنتجون على الجودة العالية سواء بالديكورات أو الأزياء أو التصوير السينمائي والموسيقى التصويرية وحتى في اختيار الألوان وهذا ما جعل العمل يُكلف 8 ملايين دولار..

نبذة تاريخية عن فترة المسلسل

 الفتنة الكبرى من أهم الأحداث التي أثرت في مسار التاريخ العربي الإسلامي عندما احتج أهل مصر والعراق خصوصا على حكم الولاة الذين عينهم ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان نتيجة فسادهم ثم تمكن بعض أهل الفتنة من ولاة عثمان في إفساد هؤلاء المحتجين عبر إرسال شخص برسالة مختومة بختم عثمان فيها أمر بقتلهم، بالإضافة إلى قيام عبد الله بن سبأ بتجميع خيوط الفتنة في مصر والشام والعراق والدخول على المدينة وقتل عثمان رضي الله عنه..

 وقد أدت هذه الفتنة الى تمزيق المسلمين إلى ثلاثة اتجاهات رئيسية هي السنة والشيعة والخوارج. وتوزع بالتالي عمل المسلسل على عدة محاور هي: آل البيت، أي علي والحسن والحسين وأبناؤهم.. ومحور الصحابة (بينهم طلحة والزبير وابن عمر وابن الزبير وابن عباس) وموقف كل منهم خلال تلك الفترة.. ومحور الذين خرجوا على الخليفة عثمان بن عفان، والخوارج الذين خرجوا على علي بن أبي طالب. كما يتناول المسلسل سيرة حياة الخليفة الأموي الأول معاوية بن أبي سفيان والمنعطفات التي مر بها خلال فترة معارضته لعلي بن أبي طالب، ثم فترة حكمه. كما يسلط المسلسل الضوء على رأس الفتنة اليهودي الصنعاني عبد الله بن سبأ والفرقة السبئية ودورها في إثارة الفتنة بين الأطراف.

ولعل جوهر الخلاف الفقهي بشأن العمل يتلخّص في رفض الشيعة الصورة الإيجابية التي يقدمها المسلسل عن شخصية معاوية بن أبي سفيان. وكان الإيرانيون سباقين في تشويه صورة معاوية في أحد أهم المسلسلات التاريخية التي أنتجوها، أي مسلسل «الإمام علي» من إخراج داوود مير باقري.

 وعبد الله بن سبأ يهودي من اليمن (بحسب المصادر السنية) أسلم في أواخر حكم عثمان، وأصبح من أصحاب علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وانتقل إلى الحواضر الإسلامية، كما كان العقل المدبر للثورات ضد الأمويين. وحسب المنظور السني، فإنّ الكثير من أساسيات المذهب الشيعي تعود إلى المعتقد اليهودي بحكم الديانة الأولى التي كان يعتنقها بن سبأ. أما عند الشيعة، فإن ابن سبأ يبقى مجرد خرافة وشخصية مختلقة، استهدفت تشويه المرحلة التأسيسية لمذهبهم، وحاولت ربطها بالديانة اليهودية. باختصار، ترى بعض المراجع الشيعية الإيرانية أن الهدف من مسلسل «الحسن والحسين ومعاوية» نسف أساسيات مذهبهم. ويرى الإيرانيون أن هذا العمل الدرامي ما هو إلا رد فعل عربي سني على مسلسل «المختار الثقفي»، الذي عرضته قنوات إيرانية وعربية، وتناول تقريباً المرحلة نفسها التي يتناولها «الحسن والحسين ومعاوية». ولم تقتصر ردود الفعل المعترضة على إيران، بل إنّ شيعة العراق أيضاً طالبوا بوقف عرضه لأنه «يثير الحساسيات الطائفية في البلاد»

 تحفة تاريخية درامية

يعتبر المسلسل من وجهة نظر أنصاره يعد تحفة تاريخية درامية تتعرض لفترة هامة وحساسة من تاريخ الإسلام. ويتعرض لكوكبة من جيل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أتى بعدهم، ومن حقهم علينا أن نقدمهم لشباب اليوم في زمن باتت القراءة فيه أمراً شبه منسي وتأثير السينما أقوى وأسرع في العقل البشري ولذلك لا ينبغي التخلي عنها.

كما أنه لا يوجد نص شرعي في القرآن أو السنة يحرم تمثيل الصحابة وتجسيد شخوصهم فنياً، وقد أجاز المسلسل من أجازه تغليبا للمصلحة الإيجابية في إيصال الرسالة الإسلامية.. حيث أنه يتناول قضايا تاريخية لم يتعرض لها أي عمل درامي "عهد الخلافة.. ونشأة الملك" من خلال الفترة التاريخية ما بين استشهاد عثمان بن عفان، وحتى استشهاد الحسين في كربلاء، مرورا بأحداث كثيرة منها تولي علي بن أبي طالب ثم استشهاده، وتولي الحسن ثم تنازله وتولي معاوية ومن بعده يزيد، كما يتعرض لأحداث معركتي الجمل وصفين.