اليمن .. هيكلة الجيش أم هيكلة الحوار ؟!
بقلم/ صالح السندي
نشر منذ: 12 سنة و 5 أشهر و 13 يوماً
السبت 14 يوليو-تموز 2012 03:39 م

إنشغلت الصحافة المحلية والإلكترونية بتناقل اخبار الحوار الوطني واعلان هيكلة الحوار والشروع فيه , وبناء أسسه وتشكيل لجان أعضائه عبر لجنة التواصل الرئاسية , وتم الحديث بإسهاب شديد عن كيفية الحوار ومتى يكون وعن الأليات المتبعة لتنفيذه , وكيفية تحقيق نصوص الإتفاق اذا ما تم , وصار حديث الساعة ومحط اهتمام وأنظار الكثيرين , ما يجعلنا نتسائل بشدة .. هل نحن أمام هيكلة جيش و وعود التغيير التي طالت , وامام محاسبة ومسائلة قانونية واجتثاث الفساد والإصلاح الحكومي والإداري , وتهيئة الأجواء المناسبة و المنهج الصحيح لقواعد الحوار أولاً ؟ ام أننا نقف أمام هيكلة حوار مجرد عقيم ووضع أسسه وبنيانه الضعيف وإعادة تشكيل تركيباته المجتمعية والسياسية المختلفة -دون النظر مسبقا الى متطلباته واحتياجاته الخاصة- وتوفير عوامل النجاح والإنجاز؟!

ان إطلاق وعود الحوار الوطني –مبكراً- الآن قبل انتهاج إعادة هيكلة الجيش والوحدات الأمنية والعسكرية وكافة الألوية التابعة لها في مختلف محافظات الجمهورية , يعتبر ضربا من الجنون السياسي والإنتحار والهروب الى هاوية الوقوع في فخ الحروب الأهلية وشباك التناحر والفتن, حينها لن يجد الأشخاص او التيارات التي لن يروق لها الحوار بداً من استخدام القوة العسكرية والعصا السحرية لفرض الإملاءات والشروط وسرد الصيغ الجديدة والمتبدلة تتناسب وأهواء اخطبوط الفساد من أصحاب المطامع والمصالح في مختلف المراكز الحيوية والسياسية , التي تزخر بها المؤسسة الحكومية والوطنية , في ظل انعدام سقوط النظام كلياً وتلاشيه مع الإنصدام بصخرة مطالب الشعب التغييرية .

تجريد تلك المراكز والقوى - المحسوبة على النظام السابق- من عوامل القوة والسلاح , ومساواتها مع جميع أطياف ومكونات العمل السياسي والثوري سيجبرها على الإنصياع الى الصوت الوطني الحر , والانجرار - رغماً عنها - الى مربع السلم والأمن الإجتماعي , والاحتفاظ بقيم الثوابت الوطنية القائمة على أسس ’’ الوطن اولاً ’’ , محاولة الدعوة الى حوار وطني فاقد الأهلّية ومجرداً من عوامل النجاح يعتبر مجازفة خطيرة واستباقاً الى ذبح الحوار وكسر عجلته عند اول منعطف تحاورى قد يقوم بين الفرقاء , قد لا يجدي نفعا الدعوة اليه مجددا , (الحوار العادل) الذي تنشدة الأطياف الثورية والسياسية مجتمعة قائما على أسس الإنصاف والعدالة , وتحقيق مطالب الشباب وإعادة هيكلة الجيش أولاً وقبل كل شئ , وإعادتها الى مالكها الأول وهو الشعب , وسلخ اباطرة النظام السابق ومشائخه و حلفائه من عوامل وأجنحة القوة والضغط على الفئات الضعيفة والمهمشة سياسياً وشعبياً.

وحيث ان التركيز على الحوار في هذا الوقت بالذات يعتبر ذر الرماد على العيون ولفت الأنظار عن- الموضوع الأهم- اعادة هيكلة الجيش وتوطيد دعائم المجتمع الصحي القويم , القائم على الإنصاف والمساواة والعدالة , واذا كانت الدعوة تتم الآن الى حوار او تفاوض والجلوس على طاولة واحدة , في ظل الأجوآء المشحونة والمكهربة –نسبياً- تعتبر مناقضة لأسس الحوار العادل الشامل , فليس الخلاف هنا سياسي - فحسب - حتى يتم إصلاحه بمجرد الحوار والجلوس على طاولة واحدة , وليست المشكلة قائمة داخل دولة متكاملة حققت النمو والرخاء الإجتماعي والرفاهية المطلقة لمواطنيها , حتى يتبقى الحوار-فقط- مجرد حجراً عثرة امام تطلعات الوفاق الوطني والإتفاق السياسي , وبمجرد تخطيه سيتم اعلان الدولة المدنية الكاملة, ولملمة الخلاف ورأب الصدع وتحقيق الإصلاح.

ألمسألة تعد كونها اكبر من ذلك فهي قضية ومصير وطن باكمله , و اكبر من كونها مسألة حوار قائم في مجتمع متقدم يزخر بمظاهر العمران والتنمية والمشاريع الإستثمارية الرائدة في شتى المجالات الحيوية ذات البنية التحتية المتكاملة , وهذا ليس حال اليمن, حينها سيكون الحوار في -حال تحققه- عقيماً وخال الوفاض وفاقدا لعوامل الإتفاق والسلام , ما جعل النظام السابق السير في هذا الإتجاه من الدعوة الى الحوار مبكراً , مع الاحتفاظ بعوامل القوة والمواقع الحساسة والقيادية, مع احتفاظ القيادات الأمنية والعسكرية بالولاء المطلق للأسرة الحاكمة , لتفويت الفرصة على فرقاء الأمس من الإستحواذ على السلطة بكاملها , بفعل الضغط العسكري والعنصر الأمني الحساس المتفاعل مع مبادئ البيئة السياسة الخصبة, الحكم فيها للقوه وحدها , واللاعب الرئيسي في ترجيح موازين القوى لفئة على حساب أخرى , وتبديلها وتشكيلها حسب الحاجة , بل والسعي لكسب الضمانات الكافية لتمرير (مشروع الخروج الآمن) دون اية عقبات او مخاطر قد تواجه أركان النظام بأكمله في حال تحقق المحاكمة او فرض العقوبات مستقبلاً.

إذن نحن نقف أمام فصيلين رئيسين متناحرين اللقاء المشترك من جهة ومن جهة اخرى المؤتمر او من تبقى من هياكله وتنظيماته والنظام السابق ,- مع إخراج معادلة الثورة لما تمثلة من رقم صعب في خضم الأحداث- الذي لن يألو جهدا في سحب البساط مرة اخرى من تحت اقدام حكومة الوفاق الوطني وإعادة الأمور الى نصابها الأول , وان كانت تحت مسميات جديدة وبديموقراطية أكثر أنتجتها إفرازات المرحلة وتغييرات الربيع العربي في المنطقة , وفي حال عدم تناسب نقاط ونصوص الحوار مع الأسرة الحاكمة فخيار السلاح سيبقى البديل في حال فشل الحوار و تعثر الأوضاع وانفجار الأزمة مجدداً .

النظام يلتقط أنفاسه ويرتب أوراقه ويعيد فرزها مجددا ربما ليعود مرة أخرى أكثر قوة وبأسا , تساعده في ذلك الفترة الإنتقالية التى تعتبر بالنسبه له كمرحلة نقاهه وفترة استجمام مؤقتة ليعود بعدها الى الحياة السياسية أكثر فاعلية بروح معنوية عالية و بحصانة مطلقة , بينما على العكس من ذلك تعتبر بالنسبة لحكومة الوفاق مرحلة امتحان ومخاض عسير لسبر اغوار التجربة السياسية والأداء الحكومي و الإداري الناجح , ومدى تحقيق الإنجازات والوعود بالتغيير وتوفير حياه أفضل للوطن , ويمكن قراءة استنتاج المرحلة الأولى , من أن الأمور تسير عكس ما يراد لها من قبل الأحزاب السياسية , وحكومة الوفاق تغرق تدريجياً في وحل التآمر ومستنقع الفشل المتكرر دون تحقيق شئ يذكر.

حينها وبعد مرور المرحلة الإنتقالية برمتها ستجد الحكومة نفسها أمام نتائج وخيارات صعبة من عدم الإنجاز والإخفاق في تحقيق ابسط مقومات الحياة المدنية للدولة اليمنية , وربما ستكون الأوضاع أسوأ مما هي عليه في السابق , يدل على ذلك الأوضاع الأمنية الغير مستقرة والتفجيرات الإنتحارية التي انتشرت في قلب العواصم الرئيسية للمدن , والتقطعات وأحداث الشغب , وتفجير أنابيب النفط وأبراج الكهرباء , هناك خاسر وحيد هو الحكومة التي ستدفع فشلها مستقبلا , وفي حال اقرار الانتخابات الرئاسية 2014 سيعود المواطن تلقائياً الى رحمة وكنف النظام السابق , حينها قد يتم ترشيح أحمد على نجل الرئيس السابق او احد أقاربه وأركان نظامه , ومالم يتم تحقيقه بالتوريث سيتم انجازه عبر صناديق الإقتراع وبصفة رسمية وشرعية وربما بقناعات شعبية , ويعود النظام وقد لاتعود اليمن متعافية او اقل تعافيا كما كانت عليه سابقا .

إذن المرحلة الآن تدخل طور التدوير المحوري للأحداث وإدارة البكرة لتصب في صالح فئة معينة , فحوار دون انتفاء إعادة هيكلة الجيش وإقالة أقارب الرئيس السابق وتحقيق العدالة الإلهية والثورية والاقتصاص لدماء الشهدآء والأبرياء , يعتبر (حواراً مشروطاً ناقصاً) يمثل فيه الجاني أمام المجني عليه فارضاً إرادته و قوته وشروطه بالطريقة التي يريدها , وهذا ما رأيناه من دعوة الشباب الى الحوار وكيف انصدمت الدعوات المتكررة بمطالب الشباب ذات السقوف العالية والعالية جدا , تناغم الحوار يجب ان يكون بين أطراف وفرقاء ذوي مستويات متساوية من امتلاك حصص القوة والأرقام الصعبة في الحياة السياسية , يجب ان تكون متساوية في المطالب و متوازية في اتجاه الديموغرافيا السياسية- شمالاً وجنوباً- التي تتناسب والجيوسياسية اليمنية وتركيبتها الخاصة , وتنسجم مع الخصوصية الثقافية للمجتمع اليمني انسجاماً تاماً, و يجب ان تكون إفرازات المرحلة القادمة عادلة لتعبر عن مجتمع بحاجة ماسّة للإنقاذ وإخراجه من عبث السياسة وتأزم الأوضاع , وهذا لن يتسنى دون إيجاد حوار عادل شامل تتوافر فيه أسباب ومقومات النجاح وتتعادل فيه عناصر القوة والضعف ,و يمتلك الأجوآء المناسبة لتحقيقه, وينال موافقة ورضا جميع مكونات وفئات المجتمع اليمني دون إستثناء.