هل يرحل؟ الدولة التي أريدها.. لا للدعارة
بقلم/ رصين الرصين
نشر منذ: 13 سنة و 8 أشهر و 18 يوماً
الجمعة 08 إبريل-نيسان 2011 06:59 م

أيام إن شاء الله وتنتهي هذه الأزمة التي جثمت على صدورنا وقلوبنا وعقولنا وجيوبنا

ولا أكتمكم أني - وأنا على أبواب مناقشة رسالتي للدكتوراة - لم أتمكن منذ شهر على الأقل أن أجمع أفكاري لأراجع رسالتي وأضع عليها ولو لمسة واحدة.

لقد تعطل دماغي وفكري وأصبحت لا أنام على العربية إلا لأستيقظ على الجزيرة و bbc وبينهما والحوار..

ومن الطبيعي أني كوني أستاذا في كلية الإعلام لا آخذ معلوماتي من الإعلام غير المحايد كإعلام المؤتمر المعارضة ولا أصدق المؤتمر نت ولا سبأ ولا الإصلاح نت ولا سهيل، وإن كنت أتابع بعضا من هذا وذاك من باب العلم بالشيء لا أكثر، ولسبب واحد هو الموازنة والمقارنة لا غير. أما تلقي المعلومات من أي منها، فمعاذ الله أن أكون من الجاهلين، وأن يتدنى عقلي إلى هذا الحضيض.

وأكثر من هذا لا أنسى أنني كدت أكسر شاشة التلفزيون لما فتحت قناة يمانيات يوم جمعة الكرامة الدامية لأجد الغناء والرقص على ودنو، وكأن الذين ماتوا قطيع من الغنم.

على أننا لن نعدم في هذا الظلام الحالك المعتم أن نجد طفرات إعلامية متميزة كمحمد العامري في السعيدة الذي يطمئنك أنه ما زال هناك من يمارس الإعلام بمهنية واحتراف ويجبرك على أن تحب أصحاب اللحى وتؤمن أنه مازال في بعضها نقاء وصفاء وكلمات محترمة مسؤولة، وليست لحى ملونة كما تقول منى صفوان.

وبعد هذا أقول: شخصيا أتمنى أن تحل الأزمة برحيل نظام صالح بخيره وشره؛ لأن الشيء الذي أصح واضحا ولا لبس فيه: هو أن الشر غلب الخير. لكن لو تعقدت الأمور لا سمح الله، فإني لا أخاف من \\\"زنقة زنقة، ولا طاقة طاقة\\\" والملاحظة الجوهرية على أي مبادرة هي أنها تتناسى ثلاثة أمور هامة مهمة ورئيسية:

الأول: أننا في ثورة، وليست مظاهرة أو اعتصاما لطلاب اليمن وهنا أستعير كلمة محمد الصبري. وللثورة مبادئ وعناصر أهمها أنها لاتقاس بالأغلبية ولا تفاوض ولا تحاور، وإنما تواصل نضالها حتى تحقيق أهدافها، والثوار على حق وإن كانوا على باطل فيما يبدو للمعترضين عليها، ممن لا ينظرون أبعد من أنوفهم ولا تتجاوز همومهم حياة البهائم من طعام وشراب وأمن مزعوم. ومن ذا الذي يستطيع أن يزعم أن ثورة سبتمبر كان أهلها أغلبية؟ لكنهم كانوا على حق. ومن يقول إن الثلاثيا لما جادل الإمام والسياف والجماهير الغفيرة وقال قولته الشهيرة \\\"فأراد لي الموت\\\" كان على باطل؟ وليحمد الله أهل اليمن ويقبلوا أيديهم \\\"وجها وقفا\\\" أنها ما زالت سلمية ولم تنتقل إلى مستوى أعلى.

الثاني: أن اليمن ليست دولة، ولو كانت فهي دولة قبلية لا مدنية، ثم هي تزخر بالثعابين، وهي قنبلة موقوتة، وشعبها قناصة.. كل هذا بعد نصف قرن من الثورة؟ إذن ماذا كنتم تفعلون؟ وبمنطق العقل والحكمة والسياسة والاقتصاد - وبعده منطق المقاولين والتجار ورجال الأعمال - فإنه إذا كانت تكاليف ترميم وصيانة عمارة تكلف أكثر من تكاليف هدمها وإعادة بنائها، فإن هدمها أولى، وأوفر وأضمن وأحسن. فإذن لا بد من هدم هذا النظام الخرب الآيل للسقوط من أسسه وجذوره، ثم إعادة بنائه على أصول صحيحة لاماكن فيها للاستبداد والإقصاء والإلغاء والتسلط بجميع أنواعه (آيديولوجيا - فكريا - دينيا - قبليا).

الثالث: نحن نحسد الغرب منذ زمن بعيد خاصة منذ وصفه الشيخ محمد عبده - رحمه الله - بأنهم \\\"مسلمون بلا إسلام\\\" وننسى أنهم لم يصلوا إلى ما هم فيه من ممارسة حقيقة للمبادئ الثلاثة الخالدة \\\"الحرية - العدالة - المساواة\\\" إلا على أنهار من الدماء، وجبال من الجماجم.

وننسى قبل ذلك أن هذه هي المبادئ التي قام عليها الإسلام، وأن أول تطبيق عملي لها كان من مؤسسيه فهذا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يلوح بقطع يد ابنته بنفسه، وهذا أبوبكر يقاتل على عناق أو عنز فالقضية ليست في المبلغ لكنها في المبدأ، ومن بعده عمر يضاعف حد الخمر على ابنه عاصم وهو أمير المؤمنين ويوبخ من جاء يتوسط ويشفع.

والخلاصة أني كنت وما زلت أقول لو كنا بين خيارين إما القاعدة القانونية البائسة \\\"يبقى الوضع على ما هو عليه\\\" وإما \\\"زنقة زنقة\\\" فإني أفضل الخيار الثاني إذا كان نتائجه مضمونة في النهاية، وإذا كان سيأتيني بالدولة التي أريدها.

وإذا كان غيري سئم السلطة فإني قد سئمت الحياة في هذا النظام؛ إلى حد أني على استعداد أن أموت مقابل أن يحيى أبنائي وبناتي في دولة تطبق المبادئ الثلاثة طيبة الذكر.

دولة يرفع فيها مواطن قضية على الرئيس الأمريكي لأنه أفزعه لدى مرور موكبه. وتقضي فيها ابنته ليلتها في السجن لأن محاميها وصل في يوم عطلة. دولة يعتذر فيها رئيس وزراء بريطانين لكمسري قطار تلقى صفعة من زوجته لأنه حرر لها مخالفة، ولما فصله رئيس هيئة سكك الحديد صدر الحكم بفصله هو وتعويض الموظف بمبلغ يساوي مرتب سنوات. دولة يرمى فيها مرشح كاليفورنيا بالعجة فتصيب وجهه فيلعق بلسانه قائلا \\\"أين الكاتشاب\\\"؟ وفي المقابل لن يذهب من ذاكرتي مشهد دهس مواطن بإحدى سيارات موكب الشيخ فلان، وحتى الناس بدلا من أن يسعفوه صرخوا يستاهل من قال لأبوه ما يراعي للسيارات؟ لقد فسدت حياتنا إلى حد مقرف. وأنا أريد تلك الدولة. ثم لا يهمني لون من يستطيع أن يأتيني بهذه الدولة كان أحمر أو غيره. ولا شكله بلحية أو بسكسوكة أو حليقا وبسلس، ولا دينه فلا يهمني إذا كان عربيدا مدمن مخدرات، ولا مذهبه ولو كان إبليس شخصيا فمرحبا به. هذه المسائل أبحثها فقط عندما يطلب مني مكلفي للزواج. أما السياسة فأي بحث فيها في هذه الأطر فهو ليس أكثر من دعارة.

كلنا يذكر مشهد المومس على سرير عادل إمام في (السفارة في العمارة) ولما علمت أنه يسكن بجوار سفارة إسرائيل رفعت يديها إلى السماء قائلة \\\"حسبي الله ونعم الوكيل\\\" ورمت الخمسمئة جنيه في وجهه مشهد ضاحك مضحك، لكنه معبر أقوى تعبير؛ فإن تلك المومس هي مومس نعم، لكنها وطنية. تحب الوطن، ولذلك وقفت هذا الموقف. هي نعم تمارس الدعارة الحقيقة، لكنها تأبى أن تمارس الدعارات الأخرى التي ضررها أكبر، وفسادها أعظم، وخطرها أخطر:

الدعارة الدينية: من خرج على ولي الأمر فدمه حلال - أمرنا الله بطاعة ولي الأمر - نحتكم إلى كتاب الله وسنة رسوله - أين دور العلماء؟ كلها دعارة.

الدعارة السياسية: المستقيلون فاسدون عبء واسترحنا منه - من كان ضد النظام فهو خائن وعميل وداعي فتنة - من كان ضد الثورة فهو خائن وعميل وداعي فتنة - كلنا مع التغيير وضد الفساد - فترة دستورية - ماذ فعل بكم ولكم؟ - الشباب قلة مندسة والحكم للأغلبية - قدم المبادرات تلو المبادرات - انقلاب على الشرعية - اذهبوا إلى الانتخابات بيننا الصندوق - لا المؤتمر ولا الجماهير توافق على التنحي وليس من حقه أن يتنحى - المعارضة لا تسعى للسلطة.. كلها دعارة.

الدعارة الإعلامية: الجزيرة لا تكذب - الجزيرة لا تقول الحقيقة - سهيل لا تكذب - سهيل لا تقول إلا الحقيقة - إعلامنا محايد ومستقل ويؤدي عمله بمهنية واحتراف - إعلام الحكومة غير إعلام الحزب الحاكم - إعلامنا يعرض الرأي والرأي الآخر - شباب الثورة مغرر بهم مأجورون - الشباب وطنيون ولا يوجد بينهم مندسون- بلاطجة الحزب الحاكم - بلاطجة المعارضة.. كلها دعارة.

في كل الأحوال سواء رحل النظام بصفقة أو \\\"زنقة زنقة\\\" فمن حقنا أن نعرف من هم القتلة؟ الآمر والممول والمحرض والمنفذ؟ بالتفاصيل سواء كان النظام أو المعارضة، ودور الإعلام هو النشر فقط دون دعارة.

يا سادة، أبرموا ما شئتم من صفقات واعتبروه عيبا أسود وأصدروا ما شئتم من إعفاءات. لكننا لا بد لنا أن نعرف الحقيقة كاملة حتى لا يغتال التاريخ. ألا يكفي أننا لا نعرف من قتل الحمدي؟ ومن قتل من بعده الغشمي؟ نريد أن نعرف للتوثيق لا أكثر.

وإلا فكلكم مرفوضون وكلكم فاسدون، وهذي ليست دعارة.